ترشيد نفقات الصحة يستدعي تحديد أولويات تدخل الدولة
قال الأستاذ الباحث الفرنسي الخبير الدولي في اقتصاد الصحة «جوزيف بورني جايي» ، أن الأزمة المالية التي تعيشها العديد من دول العالم منها الجزائر، والناجمة عن انخفاض أسعار النفط من شأنها التأثير على التوازن بين الكتلة المالية المخصصة لقطاع الصحة ونوعية الخدمات الصحية المقدمة للمرضى، ولكن وفق المتحدث يجب على الدولة أن تحدد أولوياتها في إستراتيجية قطاع الصحة مبرزا بالقول «لا يمكن أن نقوم بما يستحيل القيام به بموارد مالية محدودة».
أوضح الباحث الفرنسي المختص في إقتصاد الصحة "جوزيف بورني جايي" على هامش محاضرة ألقاها بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية "كراسك" بوهران منذ يومين، أنه منذ صدور تقرير البنك العالمي سنة 1993، أقر أن الدولة يجب أن تقدم خدمات صحية لجميع مواطنيها وفي الوقت نفسه لا يمكنها تقديم سوى الخدمات الأولية وفق قدراتها المالية، مبرزا أنه لا يمكن للقائمين على الصحة تقديم خدمات إلا في حدود ما يستطيعون القيام به سواء لمحدودية الأغلفة المالية أو قلة الإمكانيات، لذا ففي ظل هذا الوضع مثل الذي تعيشه الجزائر والعديد من الدول التي تأثرت بالأزمة النفطية، يجب حتما تحديد أولويات الدولة في قطاع الصحة وفق استراتيجية مضبوطة تهدف لترشيد النفقات، كأن يتم التركيز على الفئات المعوزة في أولوية العلاج بالمؤسسات الاستشفائية العمومية، بينما توجه الفئات الميسورة لدفع تكاليف العلاج والخدمات الصحية، أو أن يتم اللجوء للامركزية القرار في مجال الصحة حتى تحدد كل منطقة أولوياتها حسب الأمراض المنتشرة بها، وبالتالي ترشيد النفقات وتحسين الخدمات الصحية للمرضى في إقليم معين عوض تعميم الإستراتيجية على كل البلاد.
 وأضاف المتحدث في رده على أسئلة النصر، أنه من الأولويات التي يمكن أن تعتمد عليها الدولة من أجل ترشيد نفقات قطاع الصحة، هي الوقاية من خلال حملات مدروسة تعتمد على مختصين حتى تنجح العملية وتجنب الدولة صرف أموال باهظة للتكفل بالمرضى، و العمل على الحد من انتشار الأوبئة، وهنا تدخل البروفيسور زرهوني المختص في الأمراض المعدية ليكشف أنه سبق له خلال السنوات الماضية تحضير دراسة تندرج ضمن بحث علمي للتصدي لظاهرة الحوادث المرورية مطالبا بضرورة تبني الدولة لمخطط وطني للحد من الحوادث المرورية التي تقتل وتخلف ضحايا بالآلاف مما يكلف خزينة الدولة أموالا طائلة مشيرا أن عدد القتلى جراء هذه الحوادث يفوق حصيلة وفيات مرضى السرطان والسيدا معا، ومن جانب آخر تطرق الطبيب الى مسألة إعادة النظر في كيفية تعويض صندوق الضمان الإجتماعي للأشعة والتحاليل التي يقوم بها المريض خارج المؤسسات الإستشفائية العمومية مما يفقد الخزينة أغلفة مالية تستفيد منها المخابر وعيادات الأشعة.
للتذكير فإن محاضرة الباحث جوزيف بورني جايي، كانت بعنوان  "عدالة، أخلاقيات مهنة الطب والصحة العمومية"، وهي ثلاث ركائز قال عنها المحاضر أنها أساس تطوير الصحة والخدمات العلاجية في العالم، ولكن هذه الأسس التي تضمنها مثلما قال قسم أبو قراط، تم إدخال عليها تعديلات من دولة لأخرى خاصة القوى العظمى في العالم بما يتماشى ومصالحها السياسية وكذا حسب ضغوطات لوبيات مصانع الأدوية والحسابات الإقتصادية، كما أن هذه الأسس تختل موازينها بين الشمال والجنوب خاصة في إفريقيا التي عمل بها الأستاذ جوزيف كثيرا  سيما دول الساحل، حيث قال أن القرارات السياسية تتغلب على الأسس العلاجية والخدمات الصحية تحت ضغط القوى العظمى الغربية المسيطرة، وحتى في الغرب تتباين مثلما أفاد كيفية التعامل مع المريض من دولة لأخرى لدرجة أنه في بعض الدول أصبح المريض يخضع لعملية القرعة ليتمكن من الإستفادة من خدمات صحية معينة.
للعلم، فإن الأستاذ جوزيف عاد للجزائر بعد 30 سنة عن أول زيارة له والتي كانت لقسنطينة أين قدم حينها درسا في الجامعة التي كانت تربطها إتفاقيات تعاون وشراكة مع جامعة "ريكس" الفرنسية، ليزور الجزائر مرة ثانية ويحاضر بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية بوهران.                    هوارية ب 

الرجوع إلى الأعلى