إكمالية منتوري أحمد الشريف بقسنطينة.. هندسة مميزة و تاريخ مفقود  
تتوسط النسيج العمراني لنهج محمد العايب بباب القنطرة بقسنطينة، و تزينه بهندستها المميزة التي تعكس قدمها و عراقتها، فهي لا تزال شامخة فوق الصخر العتيق، بصلابة جدرانها و أبوابها الخشبية التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، لتستقبل أجيالا تلو الأجيال من طلاب العلم و تروي لهم تاريخها من خلال بعض الآثار التي خلفها السابقون، إنها مدرسة جول ميشلي سابقا و إكمالية منتوري أحمد الشريف حاليا، التي لا تزال تحافظ على هدوئها و نظافة أرجائها و بعض معالمها، لكنها فقدت أرشيفها و كل الوثائق التي تؤرخ لها و التي لا يعرف مصيرها أحد، رغم أنها احتفلت مؤخرا بمرور قرن عن تأسيسها.
استطلاع: أسماء بوقرن
التهيئة الخارجية تطمس معالمها القديمة
إكمالية منتوري أحمد الشريف، تعتبر من أعرق المؤسسات التعليمية بمدينة قسنطينة، شيّدها المستعمر الفرنسي سنة 1918 على مساحة  تبلغ ألفين و 22 مترا مربعا، بنهج محمد العايب بباب القنطرة ، تحت اسم مدرسة «ميشلي»،  لتصبح في 10 جوان 1985 إكمالية تابعة لنمط التعليم الأساسي، عقب الإصلاحات التي قامت بها الدولة الجزائرية في إطار تنظيم و تعميم التعليم ببلادنا.
 و قد حملت بعد الاستقلال اسم الشهيد منتوري أحمد الشريف الذي ينحدر من بلدية فرجيوة بولاية ميلة، و قد درس بثانوية يوغرطة بقسنطينة، و تحصل على شهادة البكالوريا سنة 1950، و امتهن التعليم بعين مليلة في نفس السنة، ليسافر بعد ذلك إلى فرنسا لإتمام دراسته بكلية الحقوق بليون.
في سنة 1952 انخرط في صفوف حزب الشعب و حركة انتصار الحريات الديمقراطية ، ثم عين في سنة 1955 كعضو  في الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، و تقلد عديد المناصب  بحزب جبهة التحرير الوطني بفرنسا للنضال من أجل القضية الجزائرية، و في عام 1956 عاد إلى الجزائر و انضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الأولى، ليستشهد في ميدان الشرف في جويلية 1957 .
صوّر تؤرخ لأجيال متعاقبة من التلاميذ
سلكنا نهج محمد العايب بباب القنطرة، متجهين نحو الإكمالية ، الواقعة عند مدخل الحي، بالقرب من محطة إذاعة قسنطينة الجهوية، متوسطة النسيج السكاني، و وقفنا مطولا نتأمل نمطها الهندسي الخارجي، الذي يبين أنها شيدت إبان الاستعمار الفرنسي، و لاحظنا أن هذه الإكمالية  تشبه لحد كبير متوسطة ولد علي، المسماة قديما «جيل فيري» الكائنة بسيدي جليس،  سواء من حيث تصميمها و عدد طوابقها، أو نوافذها المميزة ذات الشكل المستطيل، إلا أن إعادة تهيئتها من الخارج، جعل هندستها الحقيقية تطمس بعض الشيء، ما جعلنا نسأل عن شكلها الحقيقي قبل أن تخضع للتهيئة بطلب من مديرة المؤسسة، فقيل لنا بأنها كانت مزينة بالحجارة الزرقاء، إلا أنها بدأت  في السنوات الأخيرة تتآكل، ما شوه المنظر الخارجي للبناية، فأعيدت تهيئتها، خوفا من أن تلحق ضررا بالتلاميذ و طلاء جدرانها.   

عند ولوج مدخل مؤسسة «ميشلي» توجهنا إلى مكتب المديرة سعيدة شعابنة، فرافقتنا في جولة بأرجاء المؤسسة ، التي أخبرتنا أن  196 تلميذا يدرسون بها حاليا على يد 19 أستاذا ،  و تضم 10 أقسام و مخبرين و ورشتين و حجرة للأساتذة و مكاتب إدارية مجهزة و مخبر للإعلام الآلي و مكتبة تضم 3آلاف و 92 كتابا.
و لاحظنا بجدار المكتبة الواقع بالطابق السفلي و المطل على الفناء، صورا جماعية لتلاميذ درسوا بها منذ عشرات السنين، و كذا بعض الشواهد تدل على عراقة هذه المؤسسة، فأبوابها خشبية ذات لون بني و نمطها الهندسي قديم و جميل و لا تزال صامدة تتحدى الزمن ، رغم تعاقب عشرات الأجيال عليها ، بالإضافة إلى نوافذ أقسامها المطلة على أروقتها و التي تحمل نفس تصميم الأبواب.
 و ما لفت انتباهنا برواقها الأيسر و بمخبرها، وجود حوض صغير للمياه من حديد موصول بحنفية، و هو قديم جدا يعود للحقبة الاستعمارية ، حيث لا يزال محافظا على شكله، رغم بعض آثار التخريب التي طالت الصنبور، حيث تعرض للتلف و تم إيصاله بحنفية أخرى غير أنها معطلة، فيما لم نلاحظ أي تشققات بالبناية و حجراتها و جدرانها، و لا تزال شامخة رغم مرور 100 سنة عن تشييدها، و يرجع ذلك إلى كونها بنيت فوق صخرة..
قاعة الأرشيف تتحوّل إلى مكان لجمع الخردة
 بعد الجولة التي قادتنا إلى أرجاء المؤسسة و حجراتها، اتجهنا نحو قاعة الأرشيف، و كلنا أمل أن نجد وثائق تعود بنا إلى سنوات خلت و تروي لنا تاريخ البناية العريقة، غير أننا تفاجأنا بأنها مغلقة، و تم تحويلها إلى حجرة لجمع الخردة، حسب مديرة المؤسسة. و رغم إصرارنا على الدخول إليها، علنا نجد بين الخردوات ما يفيدنا، إلا أن مسؤولة المؤسسة رفضت ذلك، مؤكدة بأنها تحوي الخردة فقط، ثم قدمت لنا سجلين إداريين كانا موضوعين برفوف حجرة لا تزيد مساحتها عن متر و نصف ، بها علب رمادية جديدة تضم ملفات العاملين بها، و  يعود تاريخ السجلين على التوالي إلى سنتي 1971 و 1972 ، مقيدة بهما أسماء التلاميذ الذين درسوا بالاكمالية خلال تلك الفترة.
و عن سؤالنا حول سبب عدم توفر أرشيف يؤرخ للمؤسسة ، بالرغم من مرور 100 سنة عن تشييدها، أوضحت المديرة بأنه من الأرجح أن يكون أرشيفها قد تم ضمه لأرشيف مؤسسة أخرى، عندما  تم تحويلها من مدرسة إلى متوسطة.  
أسماء جزائرية و فرنسية مرت من هنا

 استفسرنا إدارة المؤسسة عن أسماء إطارات جزائرية أو فرنسية مرت بهذه المؤسسة، فاكتفت بتسليمنا وثيقة تحتوي على لمحة تاريخية عن المؤسسة، وكتب فيها « إطارات أجنبية و جزائرية تخرجت منها»، غير أنها لم تذكر أي اسم من أسماء الإطارات، يحدث هذا بالرغم من أن موقع المؤسسة و عراقتها يدلان بأنها كانت انطلاقة لعدد كبير من الإطارات من أبناء المدينة.
أكدت مديرة المؤسسة إلى أن الكثير من تلاميذ المؤسسة القدامى يتوافدون عليها على مدار السنة، و يقومون بجولات عبر حجراتها و معالمها لاستعادة ذكرياتهم بها، و أغلبهم مثقفين، مضيفة بأن آخر شخصية ثقافية زارتها الكاتب السعيد بوالمرقة، و هو حاليا من كتاب السيناريو المعروفين ، و من بين الأعمال التي كتبها الفيلم السينمائي « البوغي» و نص مسرحية  «صالح باي» المنتجين في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015 .
و ذكرت بأن بوالمرقة زار القسم الذي درس به و تحدث إلى التلاميذ و سرد عليهم بعض القصص، موثقا زيارته بشريط فيديو لا يزال بحوزة المؤسسة.  
فرنسيون يستعيدون ذكرياتهم بنشر كشوف نقاط  و صوّر
تفاجأنا خلال تصفحنا لمدونة «قسنطينة أمس و اليوم» التي تعرف بمعالم المدينة و آثارها و أحيائها العريقة، و تهتم بنشر شهادات و صور و معلومات عن  بناياتها القديمة و جسورها و مؤسساتها، و ذلك  بتشارك  الصور و الوثائق القديمة مع الأشخاص الذين ترعرعوا بها، و لا يزالوا يحتفظون بذكرياتهم الموثقة.
 و قد نشر عدد من الفرنسيين درسوا و درّسوا  بها، صورا لهم بفناء مدرسة «جول ميشلي» ، التي كانت تحمل اسم مؤرخ فرنسي كتب عن تاريخ الثورة الفرنسية و توفي سنة 1874، كما نشر كشف نقاط لأحد التلاميذ الفرنسيين، و من بين الصور التي تم نشرها صورة جماعية لتلاميذ، مذيلة بأسماء الأساتذة الذين درسوهم، كالأستاذ شيماك و كونسولينو و  بونسيت، و كذا أسماء التلاميذ الموجودين في الصورة.
 و من بين الألقاب الجزائرية الموجودة في القائمة لقبي لعرابة و لفقون و ذلك سنتي 1951 و 1952 ، كما تم نشر صورة لأولياء التلاميذ في فناء المدرسة أثناء حفل تسليم الجوائز سنة 1954 .
و تبقى إكمالية أحمد الشريف منتوري، على غرار العديد من المؤسسات التعليمية العريقة بمدينة قسنطينة، جسد دون روح، فبنايتها لا تزال شامخة بصلابة أساسها و أعمدتها، فيما طالت أرشيفها يد الانسان، و لم يبق أثر له، فبالرغم من أننا غادرناها دون التوصل لأهم المعلومات عنها، إلا أننا احتفظنا بانطباع جيد حول  موظفيها و تلاميذها و فنائها و حجراتها المنظمة و النظيفة.                                            
أ.ب

الرجوع إلى الأعلى