« دار السبوعا ».. معلم أثري يحكي 132 سنة من الحالة المدنية للوهرانيين
تم مؤخرا تأجيل افتتاح مقر بلدية وهران، الخاضع للترميم منذ 5 سنوات، و لم تكتمل الأشغال به لحد الآن، في انتظار غلاف مالي قدرته الدراسات بـ 57 مليار سنتيم، يضاف للمبلغ الأول الذي قارب 70 مليار سنتيم، مما يعني أن ترميم مقر بلدية وهران الذي بني منذ 132 سنة، يتطلب غلافا ماليا لا يقل عن 127 مليار سنتيم.
و كان قد تقرر الشروع في ترميم وإعادة الاعتبار لمقر بلدية وهران، سنة 2012 من طرف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، غداة زيارته للولاية، أين وقف على وضعية المقر الذي كان مهددا بالانهيار، رغم قيمته التاريخية و التراثية، ومنذ ذلك الحين، تم تخصيص مبلغ قارب 70 مليار سنتيم، من أجل أشغال الترميم التي بدأتها شركة إيطالية، ثم خلفتها شركة  إسبانية لتصل بعد 5 سنوات إلى شركة جزائرية، التي استهلكت المبلغ في تقوية الأساسات و تقوية البنية الهيكلية للمبنى، وفق مصادر من البلدية ، مضيفة بأن إنهاء الأشغال يتطلب إضافة غلاف مالي يقارب 57 مليار سنتيم، و قد تم إعداد ملف بخصوصه،  من أجل رفعه للوالي مولود شريفي، و رغم أن الأشغال تقترب من نهايتها ، مثلما أكدته مصادر النصر، إلا أن تسليم المبنى ربما يتأخر إلى غاية نهاية السنة الجارية.
أشغال الترميم تستهلك 127 مليار سنتيم
يعود تاريخ افتتاح المقر الرئيسي لبلدية وهران إلى سنة 1886، وهذا بعد حوالي 50 سنة من دخول الاستعمار الفرنسي إلى وهران، التي كان آنذاك سكانها يتمركزون على ضفاف المتوسط ، في أعرق الأحياء المحاذية وهي سيدي الهواري وراس العين، لكن المستعمر من خلال قائده «لاموريسيار» سعى لإنجاز مدينة أوروبية، و اختار المناطق المجاورة لسيدي الهواري، لتجسيد هذه المدينة التي عاش فيها الأوروبيون.
كان أول مقر لبلدية وهران في حي سيدي الهواري، لكن ارتفاع عدد السكان خاصة الأوروبيين استدعى إنجاز مقر جديد للبلدية، والذي اختير له مكان غير بعيد أصبح اليوم وسط المدينة، و وضع حجر الأساس للمشروع في 14 جويلية 1882، وأخذ هذا المعلم التاريخي عدة أسماء لدى سكان وهران،  خاصة تسمية «دار السبوعا»،  أي مقر الأسدين، لوجود تمثالين لأسدين عند مدخل المقر، وأطلق عليها الكاتب «ألبير كامي» تسمية «البلدية الرنانة».
نمط عمراني فرعوني و إغريقي امتزج بنموذج لويس 16
و يعتبر نموذج العمارة الكهربائية الذي أنجز وفقه مقر بلدية وهران، من النماذج الهندسية للبناء التي عرفت في القرن 19 بفرنسا، و كان من أبرز دعاتها المهندس المعماري هنري لا بروست، و يتمثل هذا النموذج في مزج هندسة عدة حضارات في إنجاز واحد، يجسد العمارة الفرعونية والرومانية والإغريقية، مع نموذج لويس السادس عشر، و هو النمط العمراني الذي أنجزت به عدة مرافق في فرنسا، ثم انتشر في بلدان أوروبية أخرى وحتى في روسيا، وطغى على العمران في الفترة بين 1860 إلى غاية 1920.
بعد ثلاثة سنوات من افتتاح مقر بلدية وهران، تم إضفاء جمالية خاصة عليه، وهي نصب تمثالي أسدين يرمزان إلى اسم المدينة، حيث قام الفنان النحات «أوغيست نيكولا كايين» بنحتهما سنة 1889 من مادة البرونز الخالص، و تذكر بعض المصادر الفرنسية ، أنه تم تجهيز المقر بأرقى أنواع الرخام والسيراميك والزخرفة والديكور الفاخر،  لدرجة أن البناية لم تكن فقط إدارة،  بل كانت معلما سياحيا لزوار المدينة منذ إنشائه.
للأسف لم يسلم مقر بلدية وهران سنة 1962 من حريق مهول أضرمته المنظمة المسلحة السرية الفرنسية، و أتى على العديد من قطع الديكور الفاخر واللوحات التزيينية النادرة ، والتهمت النيران عدة أجزاء من البناية التي يبلغ عمرها اليوم 132 سنة، عايشت عدة مراحل من الحالة المدنية للوهرانيين عبر التاريخ.
 بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى