كرسي مازونة يؤرخ لنحو 700 سنة من حلقات العلم و الذكر
يؤرخ كرسي العلماء بمدرسة مازونة، الذي بقي محافظا على شكله، لمسيرة علمية وحضارية تمتد لنحو 700 سنة ، كرسي شد إليه طلبة من مختلف أنحاء المنطقة للتزود بشتى العلوم الدينية ، كما ساهم في إنتاج الفاعلين في الحقل الثقافي و السياسي المقاوم للفكر و الغزو الإستيطاني .
يمثل الكرسي بالنسبة لسكان مازونة، التابعة إقليميا لولاية غليزان ، إرثا تاريخيا  وحضاريا  يشترك فيه الجميع، باعتباره المكان الذي تعاقب على الجلوس فيه أبرز العلماء بالجهة الغربية و الوسطى للبلاد ، و ساهم بشكل كبير في تحرير العقول من الأمية و الجهل واستنهاض الهمم وغرس المبادئ السامية، من أجل المحافظة على مقومات الأمة ومجابهة خطر الاستيطان.
استنادا إلى الروايات المتواترة، فإن باي عثمان بمعسكر، أهداه للشيخ أبي طالب بمازونة سنة 1212 هجري، و تم استقدامه من قبل تلاميذه مشيا على الأقدام، يضيف السيد -هني بن علي-  أحد أعيان المنطقة ، و لا يزال الكرسي المصنوع من الخشب الأحمر المربع الأضلاع ، يتمتع بشكله الهندسي، رغم مرور حقب زمنية طويلة، و نقشت عليه عبارة «كريم المكروم الدنيا للبخيل المحروم ، لا تدوم إلا للحي القيوم».
 من أبرز العلماء الذين تعاقبوا عليه،  وفق دراسة حديثة لدكتور أحمد بحري، موسومة «حاضرة مازونة 1500-1900 «، محمد ابن إدريس المازوني ، سعيد ابن عمار المازوني ،يحي  المغيلي ، أبي عمران المغيلي المازوني ، وغيرهم  .
   وحسب الروايات الشفوية،  أخذت مدرسة مازونة التي أسسها أمحمد ابن شارف البولدوي، على عاتقها تعليم كل من يريد التعلم من أفراد المجتمع، العلوم الدينية على أيام ولاء مازونة للدولة الزيانية، وكان اسمها آنذاك المدرسة الزناتية التلمسانية اليوسفية.
علماء فاس يقصدون المدرسة لإثراء معارفهم الفقهية
وقد ذاع صيت المدرسة ، وفق ذات المصدر، إلى القدر الذي دفع بعض علماء فاس، لطلب الإجازة منها من أمثال ابن رحمون الفاسي،  وفق شواهد و رسائل تحتفظ بها المدرسة لحد الآن، إلى جانب مؤلفات وكتب قديمة، حيث يقدر عدد المجلدات  المحفوظة بنحو 190 مجلدا مكتوبة بخط اليد ، وقد دعت المدرسة  في مناسبات عديدة أبناء المنطقة إلى إثرائها بكتب ومخطوطات  ، ومن المفترض أن المؤلفات التي بحوزة المواطنين، هي ملك للمدرسة تم توارثها بين الأجيال .
اشتهرت مدرسة مازونة بالفقه وأصول الفرائض ، وعلم التوحيد و الحديث ، و اللغة العربية وعلم البلاغة وغيرها من العلوم ، و عرفت بكثرة مجالسها ونجابة طلابها وقريحة شيوخها وعلمائها  الذين تخرجوا منها من أمثال الشيخ مصطفى الرماصي صاحب « كتاب كفاية المديد على شرح عقيدة التوحيد « المعروف «بحامل راية الفقه المالكي في عصره ومصره «،   إلى جانب الشيخ محمد السنوسي  المشهور بمؤلفه « بغية المقاصد وخلاصة المراصد « ، الشيخ عدة بن غلام الله ، الشيخ محمد أبوراس ، العلامة المجاهري وغيرهم من العلماء الأجلاء الذين لا تزال تحفظ أسماءهم ومآثرهم بين الناس .
   كانت المدينة ومن حولها جبال الظهرة ، حسب الدكتور أحمد بحري، مسرحا لسجالات المقاومة الشعبية ضد المستعمر ، غير أن إشعاع مدرستها لم يخب في أي لحظة من لحظات تاريخها منذ تأسيسها، إلى غاية أن أطفأت نورها قوانين الاستعمار الفرنسي ، إلا أنها استمرت في المقاومة الفكرية و الحضارية ، كما ساهمت  في إنتاج الفاعلين في الحقل الثقافي و السياسي المقاوم للفكر و الغزو الاستيطاني. ،كما وردت بشأنها عديد القصائد و الأشعار،  من بينها: « مدينة مازونة جال فيها العلم جولته ...إذ عاش فيها من الأعلام أطواد «.   
هشام ج

الرجوع إلى الأعلى