البراج ..أكلة استقبال الربيع تتحوّل  إلى مصدر رزق
تخلت عديد ربات البيوت، خاصة الموظفات منهن ، عن عادة تحضير البراج لاستقبال فصل الربيع، و لجأن إلى محلات بيع الحلويات التقليدية التي بدأت مؤخرا تنتشر بوسط مدينة قسنطينة لاقتنائه ، ما جعل فئة واسعة من الماكثات بالبيوت ينتهزن الفرصة، لتوفير دخل موسمي وفير، عن طريق تحضير هذا النوع من الحلوى التقليدية بشكل عصري جذاب، و عرضه على صفحات و مجموعات الطبخ و البيع في مواقع التواصل الاجتماعي لاستمالة الزبونات، مع تحديد المحلات التي يعرضنه فيها للبيع، أو يلبين الطلبيات مباشرة من منازلهن.
بعد اقتحام النساء لميدان الشغل بقوة ، لم تعد بعضهن  تهتم بتحضير كل ما هو تقليدي من عجائن و حلويات و غيرها، سواء المرتبطة بالمناسبات الدينية و بعض عادات استقبال الفصول، كفصل الربيع ، و تكتفي باقتنائها من المحلات أو من عند السيدات الماكثات بالبيوت اللائي اتخذن منها مصدرا للرزق.
بالنسبة لاستقبال فصل الربيع كانت النسوة تحضرن مسبقا مكونات و لوازم تحضير حلوى البراج ، باقتناء التمر المطحون «الغرس» أو تشترينه غير مطحون «غرس البطانة» لتقمن بتنقيته من النواة و طحنه ، و كذا اقتناء نوع الدقيق أو السميد المناسب لتحضير البراج، بالإضافة إلى الزبدة و السمن ، ليتم تحضيره في بداية فصل الربيع، و يواصلن تحضيره من حين لآخر، إلى غاية حلول فصل الصيف.
زبونات يشترطن إضافة القرفة و ماء الورد
 انتقلنا إلى بعض المحلات التي تعرض البراج في وسط مدينة قسنطينة، و أغلبها مختصة في بيع الحلويات أو  المواد الغذائية، و تضمه إلى سلعها  في فصل  الربيع فقط.  
تحدثنا إلى صاحب محل لبيع الحلويات التقليدية بشارع 19 جوان بوسط مدينة فقال في حديثه للنصر، بأنه و منذ أكثر من 6 سنوات، يعكف على بيع كل ما هو تقليدي بالإضافة إلى البراج، و الطمينة، المرتبط، حسبه ، تحضيرهما بفصل الربيع، مضيفا بأن لديه زبائن كثر أغلبهم نساء عاملات، حيث يقبلن على اقتنائه لتناوله في وجبة الغذاء أو يقتنينه مساء لتزيين صينية قهوة العصر  .
و أضاف ذات المتحدث، بأن لديه زبونات يقصدنه كل سنة و يقدمن طلبيات لتحضير 40 و 50 قطعة ، بمعدل مرتين أو ثلاث في الفصل، و هن في الغالب متزوجات حديثا و عاملات، حيث يشترطن إضافة نكهات لعجينة التمر، كماء الورد و الزهر و كذا القرفة و القرنفل و السمسم «الجلجلانية»، و تحضر الطلبيات، حسب رغبتهن،  و تقدم لهن جاهزة في علب كارتونية مزينة بغلاف شفاف.  
«البراج» ينافس الحلويات الجافة و المرطبات في المحلات
صاحب محل آخر لبيع الحلويات و المرطبات ، قال لنا، بأنه شرع منذ سنتين في بيع البراج، و يكلف سيدة ماكثة بالبيت و ابنتها بتحضيره في منزلهما، مشيرا إلى أنهما حضرتا  في  السنة الماضية إلى محله و عرضتا عليه الفكرة، مضيفا بأنه وافق مبدئيا على ذلك، لكونه كان يبحث عن عاملة متخصصة لتحضيره في المحل، و طلب منهما آنذاك تحضير عينة ليتأكد من نوعيتها الجيدة و نسبة الإقبال عليها، ثم أصبح يعرضه بشكل يومي ، إلى جانب الحلويات الجافة ، مشيرا إلى أن البراج ينافس الحلويات الأخرى في فصل الربيع ، و يباع بكميات أكبر ، تصل إلى 100 قطعة في اليوم ، و أحيانا تباع الكمية المعروضة دفعة واحدة  و تصل إلى  200 قطعة، لشخص واحد، مع العلم أن سعر القطعة يقدر بـ25 دينار.

هاجس إرضاء الحماة يدفع بعضهن لشراء البراج جاهزا
التقينا بسيدة في الثلاثينات من العمر في محل للحلويات و هي بصدد تقديم طلبية لتحضير كمية من البراج، تقدر  بـ 50 قطعة، و تقدم له توضيحات بخصوص حجم القطع و النكهات التي تريد إضافتها لعجينة التمر، و عندما تحدثنا إليها ،قالت بأنها تشتغل في سلك التعليم و منذ زواجها قبل ثلاث  سنوات ، تحضر في  كل فصل ربيع إلى هذا البائع ، و تقدم طلبيات لعائلتها الصغيرة و كذا لحماتها، التي  قالت بأنها حادة الطباع و لا تتقبل فكرة ألا تجيد المرأة تحضير الأطباق و الحلويات التقليدية، مشيرة إلى أن من عادات عائلة زوجها أن تحضر الكنات في كل فصل ربيع البراج و تحضر كمية لبيت حماتها،  ما حتم عليها البحث عمن يجيدون تحضيره لإرضاء حماتها و تجنب الانتقادات.
و أضافت المتحدثة بأنها و بعد أن تجهز طلبيتها، تقوم بأخذها إلى بيتها و تقوم بإفراغ  القطع من العلبة الكارتونية، لتضعها في علبة بلاستيكة، للتمويه فتبدو و كأنها حضرتها  بالبيت.
و قالت لنا سيدة أخرى وجدناها رفقة زوجها تهم باقتناء كمية من البراج بأحد المحلات،  بأن مرضها يمنعها من تحضيره بنفسها، فأصبحت تقتنيه من المحلات، مضيفة بأن البراج الذي يحضر في البيت له نكهة خاصة، تختلف تماما عن ذلك المعروض في المحلات ، باعتباره يرتبط بعاداتنا و تقاليدنا و يرمز لحلول فصل الربيع.
الفايسبوك فضاء للترويج و مختصات يتفنن في تشكيله
تجارة البراج تشكل مصدر رزق عديد ربات البيوت ، اللائي  وجدن فيه ما يلبي حاجاتهن، و يحقق لهن مدخولا ماديا، حيث لجأن إلى الفضاء الأزرق للترويج لمنتوجهن، و تمكنن من جذب زبائن و زبونات كثر، حيث أنهن يقمن بتحضير البراج التقليدي و العصري، و يتفنن في تشكيله و طريقة تقديمه.
السيدة خليصة القاطنة بالمدينة الجديدة علي منجلي ، قالت لنا بأن وفاة زوجها جعلها تبحث عن مصدر رزق لإعالة أفراد أسرتها، لأن المنحة التي تتقاضاها لا تكفي لسد كل حاجياتهم ، فبدأت بتحضير الأكلات و الحلويات التقليدية على غرار «تريدة الطاجين» و «شباح الصفرا «و «المقروظ «في البداية، و خلال الثلاث سنوات الأخيرة ، شرعت في تحضير البراج و بيعه لجاراتها و قريباتهن. و بعد أن أنشأت ابنتها صفحة على الفايسبوك لعرض منتجاتها و التواصل مع الزبائن، وسعت نشاطها ، حيث تصلها طلبيات بشكل شبه يومي ، و تحرص على تحضيره بطريقة جديدة و تزيينه و تقديمه بشكل جذاب، مضيفة بأنها تبيع القطعة الواحدة من البراج بـ25 دينار و ينخفض السعر  ،  إذا تكفل الزبون باقتناء المقادير اللازمة.

باعة متجولون يعرضون البراج على الأرصفة
و لاحظنا أثناء جولتنا بوسط المدينة، بأن بعض الباعة المتجولين يعرضون البراج على الأرصفة بمدخل المدينة القديمة و كذا شارع 19 جوان، وسط زحمة الراجلين و الغبار المتطاير، دون مراعاة شروط النظافة و العرض الصحي، و هو ما يؤثر سلبا على صحة المستهلكين.
 أحد هؤلاء الباعة حرص على وضع غطاء أبيض فوق قطع البراج التي يعرضها فوق طاولته ، و قال لنا بأنه متعود على بيع بذور الكتان «الزريعة البيضاء» و «زريعة تشغيل الشباب» على مدار السنة، لكنه فضل في الربيع تخصيص طاولة إضافية لبيع البراج، لكونه يلقى رواجا كبيرا هذا الموسم، و عن سؤالنا بخصوص عدم ملاءمة المكان لعرضه، رد البائع بأنه يغطيه بكيس بلاستيكي كبير و شفاف لتجنب الغبار.
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى