«هارون الرشيد» يقتفي أثر «حريم السلطان»  
يعتبر مسلسل «هارون الرشيد»   أضخم عمل تاريخي لهذا الموسم، لكن بالرغم من حبكته الدرامية المميزة و استقطابه لأشهر نجوم التمثيل في سوريا و بعض الأسماء الثقيلة من الأردن و الإمارات و السعودية، إلا أن المتتبع لحلقاته لابد أن يكتشف بصمات السلسلة التركية «حريم السلطان» ،  بالتركيز على سيدات قصر الخليفة العباسي الخامس و الدسائس و المكائد التي كانت تحاك ضده، و كذا عشقه للبذخ و الترف و اللهو و المجون.
و لا بد لمن تابع قبل سنوات النسخة المصرية لمسلسل «هارون الرشيد» من بطولة النجم نور الشريف ، سيجد نفسه يقارن تلقائيا بين بطلي العملين : السوري الشاب  قصي الخولي و موسوعة التمثيل المصري نور الشريف، ومن حيث المضمون سترجح كفة «هارون الرشيد» المصري، لأن العمل السوري رغم وصفه بالضخم، إلا أنه يبدو أمامه هزيلا و مهتزا من حيث السيناريو و الحوار و الأداء، رغم اعتماده على تقنيات عالية في التصوير و الإخراج.   
« هارون الرشيد»الجديد  للمخرج عبد الباري أبو الخير،  أوضح منتجوه بأنه يعتمد على مزيج من الأحداث التاريخية الموثقة و هامش واسع من الخيال، لكن هل الخيال يسمح بالإجحاف في حق شخصية  تاريخية في حجم و تأثير هارون الرشيد ( 149هـ ـ 193هـ) الذي تؤكد كل المصادر التاريخية بأن عصره كان العصر الذهبي للخلافة  العباسية و الحضارة و الثقافة و العلوم و الفنون، و تركز حتى المراجع الأجنبية على مساره، كأشهر حاكم ، و رجل سياسة و عسكري كبير و مثقف أسس مكتبة بيت الحكمة في بغداد و أذل قيصر الروم؟ !
تقمص شخصية هارون الرشيد الممثل السوري قصي الخولي، و هذه أول مرة يقدم فيها شخصية تاريخية  بعد أن غاب عن عالم الدراما منذ عامين ، و رغم اجتهاده الكبير في تقمصها، إلا أنه و بشهادة الكثير من متتبعي العمل من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتمكن من تجسيد هيبة و وقار الخليفة ، و تمنوا لو أسند الدور لممثل في حجم عابد فهد مثلا، الذي يتميز بخبرة أكبر و كاريزما تقربه من هذه الشخصية.
و قد علق قصي في لقاء صحفي على العمل بأنه يقدم التاريخ بقراءة جديدة ، مناسبة لحالة التمثيل في العالم العربي، مضيفا» كلنا نحكي فنا، بعيدا عن كل الإسقاطات و المشاكل..» و تابع «أقدم قراءة مختلفة لشخصية هارون الرشيد ، كشخصية هامة مؤثرة و باحثة ، و مثقفة و عسكرية، و أيضا كإنسان له احتياجاته و حياته الخاصة التي تعتبر جزءا من حياة عصر، رغم أن العمل لم يركز إلا قليلا على الجانب السياسي عند الخليفة و انجازاته «.
المسلسل الذي خصصت له ميزانية ضخمة ومثل به نجوم كبار من الوطن العربي ،   يبث حاليا عبر عدد كبير من القنوات العربية ، في حين وصفت وسائل الإعلام السورية  العمل بالمثير للجدل، و حظر بثه عبرها بحجة أنه «يخالف القانون السوري و يسيء للتاريخ الفارسي و يثير الفتن المذهبية و الطائفية  و العرقية».
 الحلقات الأولى للعمل، الذي من المفروض أن يصنف ضمن السير الذاتية للشخصيات التاريخية، ركزت على الصراع الذي عاشه هارون الرشيد عندما استدعاه أخوه الهادي لكي يعزله من الحكم ، فأنقذته والدته الخيزران من المأزق بحكمتها و دهائها، و تواصلت الأحداث بنفس الوتيرة على وقع الصراعات و المكائد التي كانت تحاك ضد الخليفة مع تركيز كبير على حياته الخاصة و التفافه حول سيدات القصر و الجواري و غوصه في اللهو و المجون و البذخ دون حدود.
و المعروف تاريخيا أن هارون الرشيد رغم ضعفه أمام بنات حواء، إلا أنه نقي الأحاسيس و كان يكلف جواسيس و يتنكر ليتمكن من التجول في الأسواق لرصد احتياجات شعبه، و كان يخصص عاما لأداء مناسك الحج، و عاما للغزوات و توسيع دولته و كان يحرص على أن يكون على رأس جيشه وفق روايات تاريخية .                   إلهام.ط

الرجوع إلى الأعلى