ما من عائلة من العائلات الجزائرية إلاّ وتزيد نفقاتها في شهر رمضان، ربما تتضاعف إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف أو أكثر من ذلك، رغم أنّ شهر رمضان من أبرز مقاصده ومراميه:- هو أن يتعلّم المسلم الاقتصاد في المعاش، والتبلّغ بالقليل، والاكتفاء بما يفي بالحاجة. أليست الوجبات الغذائية في شهر رمضان تتقلّص، من ثلاث أو أربع وجبات في الأيام العادية إلى وجبتين، فالمفروض أن النفقات تتقلص، ولا تزيد، لكن من العجب أنها تزيد إلى حد الإسراف.
الإسراف هو صرف المال في الحلال، لكن مع مجاوزة حدّ الحاجة، يصرف الإنسان فوق ما يحتاج، يحتاج إلى طبق أو طبقين من الطعام، لكنه يطبخ أربعة، وخمسة، وستة أطباق، والتبذير هو صرف المال في غير الحلال.
نعم؛ الإسلام لا يُحرِّم علينا الطيِّبات، ولكن بقدر الحاجة؛ من غير زيادة على ذلك، يقول سبحانه: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين؛ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) إذن فتحليل الطيبات مقيد بعدم الإسراف.
وقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية بالنهي عن الإسراف وذم المسرفين في مواضع عديدة، قال تعالى: (ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين)، وامتدح الله عباده المؤمنين بأنّهم لا يسرفون، فقال: (والذين إذا أنفقوا لم يُسْرفوا ولم يَقْتُروا وكان بين ذلك قوامًا). وقال: (ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملومًا محسورًا).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابنِ آدم أُكُلات يُقِمن صُلبه، فإن كان لا محالة؛ فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنَفَسه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء). وقال: (إنّ الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)، وغيرها من النصوص الواضحة في هذا السياق.
وهذا الخلل في الإنفاق جزءٌ كبيرٌ منه ناتجٌ عن فسادٍ في التصوّر، فسادُ التصوّر معناه: الخطأ والانحراف في فهم العديد من الأفكار والقضايا، منها: أن شهر رمضان محطة للتزود بالتقوى، وأن الحياة الدنيا ليست بدار نعيم، وأن الإسلام يحذرنا من المفاخرة والتباهي المال مال الله، وللفقراء فيه حقٌّ ونصيب، والحذر من النمط الاستهلاكي الترفي؛ وأن الأمة النامية أحوج ما تكون إلى ادخار مقدراتها فينبغي أن تفهم هذه القضايا جيدا وتصحح التصورات حيالها وأن تترجم إلى سلوك عملي ملموس.

العدل والظلم والأمانة والخيانة خَــطـانِ مُتَوَازِيانِ وَمُتَرَاجِحـةٌ لاَ مُعَادَلــةٍ
مما لا شك فيه عند من له أدنى علم بالهندسة والرياضيات أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان في نقطة؛ كذلك الإيمان الراسخ والعقيدة القوية في الله، ووعده من جهة، ودعوة الموالاة مع المجرمين المعتدين على الأرض والعرض أو تطبيع العلاقة معهم؛ فلا يمكن أن يلتقي إيمان بالله واليوم الآخر في قلب مؤمن وموالاة من حادّ الله ورسولهـ بترويع المؤمنين وسفك الدماء والفساد في الأرض ـ
لا يمكن أن تجتمع فكرة العمل لنصرة الحق وإقامة العدل في عقل بشر سوي وفكرة التعاون مع البغي والعدوان .
ولا يصح أن يتم الحوار والتعايش بين من دينه ومنهجه ومحياه ومماته السلام مع كل موجود في الوجود وبين من لا يريد لبشر ولا شجر ولا حتى حجر الوجود
لا يمكن للأمانة والصدق والعدل والرحمة أن تجتمع مع الخيانة والافتراء والظلم.
ولا يعقل لأمة أنجبت أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة وصلاح الدين وطارق بن زياد وغيرهم كثير؛ أن تنجب اليوم من لا يأخذوا منهم سوى الأسماء دون أن يكون لهم من اسمهم نصيب .
ولا يمكن أن يستقر في عقل بشر راشد مميز سوي فكرة قبول المساومة على الدين والأرض والعرض.
لا يصلح لقلبٍ وعى القرآن والسنة أن يرضى الدُنيّةَ والهوان لدِينِه وعقيدتِه .
فكلُّ ما ذكرناه من المعادلات الزائفة هي في الحقيقة متراجحات كان الطرف الثاني هو الأكبر فيها بعد تدخل أيدٍ عابثة بالطرف الأول غيَّرت الموازين وبدّلت النتيجة لصالح الطرف الأخر .
لكن هيهات لسنَنِ الله في خلقه أن تتغير،  فَأَنْ تزول السَّماوات و الأرض أهْوَن عند الله أن يغيِّر سنّة كونيّة قد سنّها لخلقه قال تعالى :(فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(42) وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)) سورة الإسراء؛ لكن كم من الوقت يستغرق لتدارك الخلل وتصحيح الخطأ وإعادة الأمور لنصابها .
سلهاط سارة- ماستر دعوة وإعلام واتصال

انقضاء العشر الأوائل فرصة للتامل والاستدراك
بغروب شمس هذا اليوم تنقضي العشر الأوائل من شهر رمضان الكريم؛ لتفسح المجال للعشر الثانية الوسطى، وقد سميت العشر الأوائل بعشر الرحمة، وفيها من الخير الكثير والثواب العظيم، صيما وقياما وذكرا ودعاء وتلاوة، وبانقضائها على الصائم أن يقف لحظة تأمل وتدبر فيما مضى وما قدم فيه من طاعة وعبادة ومعاملة للناس، ويستدرك ما فاته في قادم الأيام من العشر الوسطى والعشر الأخيرة، قبل انقضاء الشهر بركته، وكل في موقعه يستحضر أعماله، ويستبطن مدى كونها مغمورة بالرحمة أم لا؟ وبالإخلاص آم بدونه؟
فان فقدت العشر المنقضية الإخلاص في العمل والرحمة بالناس فليعلم صاحبها أن في عبادته تشوها وفي أدائه لها غشا وغبشا، والله تعالى لا يقبل من العابد إلا الطيب، ويتقبل من المتقين المخلصين،
وباب الرحمة واسع ومظاهره متعددة، سواء ما تعلق منها برحمة الكبير للصغير والغني بالفقير أو رحمة الأب بابيه أو الأب بابنه، أو المعلم بتلميذه، أو المسؤول برعيته، أو التاجر بزبونه، وهكذا داليك، فمن تسربل بالرحمة فقد حظي ببركات هذه العشر وثمارها.
ع/خ

أعلام من الجزائر
أحمد بن يحيى الونشريسي
هو الونشريسي مولدا، التلمساني منشأ وأصلا، الفاسي منزلا ومدفنا، من علماء الجزائر الأعلام وفقهائها البارزين في القرن التاسع الهجري. الفقيه العالم العلامة، واستنادا لمصادر ومواقع الكترونية فإن الونشريسي حامل لواء المذهب على رأس المائة التاسعة، اسمه كما عرف نفسه في عدة وثائق له وعرفه معاصروه بأنه أحمد بن يحي بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي، وسمي بالونشريسي نسبة إلى موطنه الأصلي بجبال الونشريس. التي تُعَد أكثر الكتل الجبلية ارتفاعًا في غرب الجزائر حوالي عام 834هـ - 1431م، ت 914هـ - 1508م، ونشأ بمدينة تلمسان؛ حيث درس على مجموعة من العلماء
أثري المترجم الساحة العلمية المالكية بتآليف رفيعة بديعة، وتصانيف جامعة نافعة، منها: كتابه المعيار الـمُعْرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والـمغرب، وهو من أعظم الكتب التي كادت تحيط بمذهب الإمام مالك، والكتاب مطبوع متداول، وقد طبع بفاس في 12 مجلدا، جمع فيه فتاوى ونوازل ونصوصا ذات أهمية بالغة في معرفة الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية في المغرب والأندلس في عصور مختلفة، قال صاحب نيل الابتهاج (جمع فأوعى وحصل فوعى، وإضاءة الحلل في الرد على من أفتى بتضمين الراعي المشترك، والمنهج الفائق والمنهل الرائق بأدب الموثق، والولايات في مناصب الحكومة الإسلامية والخطط الشرعية، وإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، وأسنى المتاجر وبيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر، وغنية المعاصر والتالي في شرح فقه وثائق أبي عبد الله الفشتالي، وعدة البروق في تلخيص ما في المذهب من الجموع والفروق، والفروق في مسائل الفقه، ومختصر أحكام البرزلي، كتاب: وفيات الونشريسي، تعليق على ابن الحاجب الفرعي في ثلاثة أسفار.

فتاوى
rوالدي شيخ كبير تعدى سنّه القرن، أفطر يوما واحدا من رمضان لعذر شرعي، وهو يسأل من هو المسكين الذي يطعمه فدية عن ذلك اليوم؟
إن كان والدك أيها الأخ الكريم قادرًا على الصيام فالمتعين عليه القضاء لا الإطعام مصداقا لقول الله تعالى: (فمن كان مريضا أو على سفر فعدّة أيام أخر) (البقرة84)، أما إن تعذّر عليه القضاء لعدم القدرة بكبر سنّ، أو مرض مزمن، فحينئذ عليه إطعام مسكين واحد عن ذلك اليوم الذي أفطره لقول الله تعالى : ( وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين…)(البقرة81) والمسكين شرعًا هو من لا يملك شيئًا، وكان في حاجة إلى الطعام الذي يقدمه له.
rهل دم النفاس من موانع الصيام؟
إن دم النفاس هو الدم الذي يخرج بسبب الولادة، وحكمه حكم الحيض فيما يمنعه من الصلاة والصيام والطواف ومس المصحف (باستثناء المعلمة والمتعلمة)، ونحو ذلك من الأحكام، وأكثره ستزول يومًا، وعلى النفساء قضاء ما أفطرته بسبب النفاس وليس عليها قضاء ما تركته من صلاة لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:» كنا نحيض على عهد رسول الله   فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة».

الخطـأ عنـد الفـرح والحزن مقاربة نفسية
إن في القصص لعبرة، ومن القصص قصة المخطئ من الفرح، أخطأ من شدة الفرح؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك ! أخطأ من شدة الفرح.
الحديث والقصة يومها موجه لأبناء البيئة الذين يعلمون جيدا معنى الراحلة ومعنى الطعام والماء عليها ، ومعنى فقدانهما في الصحراء، فهي النهاية الحتمية، ففرح الرجل في القصة لديهم مفهوم، إنه أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم لإيصال الفكرة بسلاسة، وكم ضنت علينا المنابر بهؤلاء، وجادت علينا بغيرهم.
فضرب الأمثلة له ميزات، فأمثلة خطيب الجمعة لا تصلح لطلاب الجامعة، وقصة تروى لصاحبة الخمسين ليست نفسها لصاحبة العشر سنين، والمطلوب مخاطبة الناس قدر عقولهم، ومنها لغاتهم، وفيها بيئتهم، وتراعى سياستهم واجتماعيتهم واقتصادهم وتقاليدهم وعرفهم .
وخطأ الرجل في القصة، كفر لا شك بواح، نتعلم كعبرة من القصة، التماس العذر في بعض المواقف للناس، أين يمر بعضنا بأزمات تفقد صاحبها التركيز إن لم نقل تذهب العقل، كالمصائب بأنواعها، فلا يؤاخذ الناس بمنطقهم عندئذ، وكذا الفرح يعمل في النفس عمل المصيبة فينسي الإنسان طبيعته وفطرته، فالمطلوب أن نقدر للناس ظروفها، ونحترم أطوار البشرية باختلافها حال الغضب والفرح، فهو الإنسان في الأعلى مرة وفي الأسفل تارة، فلا نملك إلا أن نهون على بعضنا الطريق.
مع هذا لا يستثنى أن نملك زمام أنفسنا ما استطعنا حين نكون في إحدى الحالتين ومن أجمل ما قرأت «لا تقطع وعدا وأنت سعيد، ولا ترد وأنت غاضب، ولا تقرر وأنت حزين « .

الرجوع إلى الأعلى