عندما تتجول في أزقة وشوارع المدينة الإسلامية القديمة تقف على تنظيم وتنسيق عمراني يكاد يكون  واحدا في مشارق العالم الإسلامي وغربه؛ مما يشي بوجود مخطط فقهي وعمراني صارم مسبق تخضع له عملية تعمير وتشييد المدن، وهو ما تؤكده كتب التراث الفقهي، التي أخضعت العمران الإسلامي الذي انبثقت عنه المدن التاريخية إلى ضوابط فقيه صارمة، حتى لا تظهر مجرد أنية عشوائية فوضوية، وكانثونات تتكدس فيها التجمعات السكانية، وكان الفقهاء مصدر التشريع وقتئذ يصدرون من الأحكام العملية للعمران بما يحفظ الصحة والبيئة والاجتماع، ويحفظ المصالح والحرمات؛ بما جعل العمران الإسلامي مضرب المثل عالميا، وهي ذات الضوابط التي أقرتها الأنظمة العمرانية الحديثة والتي ينبغي الحرص على التقيد بها، حتى لا تغدو مساكن المسلمين مضرب المثل في الفوضى والاستهتار.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
وقد استقرأ الكثير من الفقهاء والباحثين المسلمين المعاصرين عشرات القواعد المتعلقة بالبناء والعمران الإسلامي، ومنها المنع من إقامة المصانع والحرف التي تضر بالبيئة والمحيط، سواء برائحتها أو ضوضائها، وقد روي أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين على عهد عمر بن الخطاب فقال عمر لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه، ومنع إقامة الإسطبلات وتربية المواشي داخل المحيط العمراني، وتخصيص أماكن للسوق وعرض السلع دوريا أو مؤقتا، «، وأوجبوا توسيع الأزقة والطرقات بين المساكن، فقال الفقهاء:» أن يترك للناس من سعة الأزقة والطرق بقدر ما يمر بها أوسع وأعظم شيء يمر في أزقتهم فلا يضر ذلك مثل البعير بأعظم ما يكون من المحامل، وبالعجلة ونحو ذلك مما ينتفع به وليس في ذلك عندنا قدر إلا قدر الانتفاع، وقد أحصى الباحث عبد الرزاق وورقية ثلاثة أنواع من الطرق وحجم كل طريق وهي: طريق الأقدام وعرضها سبعة أذرع فإن كان أقل من ذلك زيد فيه من أرض الناس حتى يكون سبعة أذرع، و ذلك بناء على حديث: إذا اختلف الناس في الطريق فحدها سبعة أذرع» وطريق المواشي و الأبقار: عرضها عشرون ذراعا.و طريق المخدع فقد حدد بأربعة أذرع. وقال أجمع الفقهاء على منع تضييق الطرق العامة بالاقتطاع منها بناء على ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبرا من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين  وبناء على ذلك منع الإمام مالك قسمة الفناء والمراح الذي يكون أمام الدور على جانب الطريق لأن «ذلك مما للناس عامة فيه المنفعة، وربما تمتلئ الطريق بأهلها وبالدواب فيميل المائل الراكب والراجل وصاحب الحمل عن الطريق إلى تلك الأفنية والرحاب التي على الأبواب فيتسع بها فليس لأهلها تضييقها ولا تغييرها عن حالها» كما منع الفقهاء أن تتخذ فيها حوانيت.
 كما منع الفقهاء حفر الطريق أو الإضرار به، أو قطعه بالهدم أو وضع حوجز فيه، وألزموا صاحب المسكن تصريف مجاري المياه المستعملة، والسعي لخلق فضاء أخضر، وأكدوا على مراعاة حرمة المساجد، التي عادة ما تتوسط المدينة وتكون محور تطورها، وكذا حرمة المساكن التي عادة ما تكون مفتوحة إلى الداخل بما يمكنها من ستر الحرمات والاستفادة من أشعة الشمس والهواء دون حرج. وغيرها من حقوق الارتفاق التي ضبطت تطور العمران الإسلامي.
ولئن استطاعت القوانين الحديثة والسلطات العمومية فرض التقيد بمواصفات البناء وشروطه الصحية والاجتماعية، إلا أنه ما يزال بعض المسلمين متجاهلين هذه الضوابط، حيث تظهر مساكنهم مسخا لا علاقة له بالفقه والقانون وخصوصية الانتماء الحضاري، لأن المسكن نعمة من نعم الله تعالى القائل: ((وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ))، وقال أيضا: ((وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ))،

أنـــوار
لهذا تأخرت أنوار الفجر ألف سنة
يستحضر المسلمون كما الإفرنجة هذه الأيام ذكرى معركة بلاط الشهداء، التي دارت رحاها في رمضان 114 هـ/أكتوبر 732م؛ ولكل من الفريقين قراءاته للحادثة ودروسه منها، فالإفرنجة يرون فيها معركة تاريخية فاصلة أوقفت الزحف الأخضر على أوروبا؛ بل هي حكم إلهي لصالح الفرنجة، كما اكتسب شارل مارتل من حينها لقبه المطرقة، الذي أنقذ المسيحية من موت محتم  و زحفا آخر سيقوده الأتراك بعد 09 قرون، بينما يرى فيها المسلمون انتكاسة للفتوحات الإسلامية وحرمانا لأوروبا من عظمة هذا الدين وإشراقه على الأمم، ودرسا لهم حين اعترفوا أن الانهزام لم تتسبب فيه فقط قوة الإفرنجة بل أيضا اغترار المسلمين وانشغالهم بأثقال الغنائم وضعف تقدير معطيات المعركة.
في خضم هذه القراءات يبرز صوت غربي يقول:"لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزا للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم". إنه صوت جوستاف لوبون" في كتابه"حضارة العرب، الذي عد جيش شارل رمزا للبربرية التي تقف أمام الحضارة، رمزا للظلام الذي يحجب الأنوار، لأن هذا الجيش حقق نصرا عسكريا لكنه أخفق حضاريا، أمام جيش جاء ليحرر الإنسان ويضعه على باردة الحضارة، ولو تم له ذلك لاندمجت فرنسا ومن خلفها كل أوروبا في السياق الحضاري الإنساني الذي تقوده الدولة المسلمة، ولكن التاريخ اتخذ مسارا آخر؛ ليبقى الأوربيون في الظلام ولم يستفيقوا إلا على فجر لاح في الأفق، فجر ابن رشد الذي مهدت رشديته لفلسفة الأنوار التي حررت أوروبا؛ لأن المسلمين دأبوا خلل كل الفتوحات على بناء المساجد والمدارس والكتاتيب حتى كادوا يعدون  الجهل كفرا.
ونحن نستحضر تلك الذكرى نجد أنفسنا مضطرين للمقارنة بين الفتح الإسلامي والاستعمار الفرنسي للجزائر، لقد عمد هذا الاستعمار في كل مدينة دخل إليها بالجزائر وقسنطينة وغيرها إلى تخريب المساجد والمدارس ونهب المكتبات العامة والخاصة وإتلاف محتوياتها، لقد كان زحفا ضد العلم؛ بل جاء ليدمر علما وحضارة ظلت عقدة نفسية تؤرقه منذ كانت قرطبة عاصمة علمية وباريس غارقة في الغابات والأوحال يعيش فيها البشر والفئران متآخين كما تؤكد كتب التاريخ.
نعم لقد خشي إدوارد جيبون" على مستقبل أوروبا لو انتصر المسلمون فقال في كتاب "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" عن هذه المعركة: "إنها أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الفرنسيين من نير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال روما، وشدت بأزر النصرانية، لو انتصر العرب في تور _ بواتييه لتلي القرآن وفسر في اكسفور وكمبردج. ربما لم يحدث ذلك، لكن الأولى أن يتأسف أن مصير أوروبا حينها لم يقرره مثقف أو عالم بل قرره رجل عسكري، تسبب في تأخير فرنسا قرونا وأبقاها رهينة كهنوت يحكم زورا باسم الله في الأرض، حتى وجد المثقف التنويري لنفسه مكانا بين صناع القرار ليصرخ: بعد أزيد من ألف سنة من واقعة بلاط الشهداء، أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.
 
ع/خ 

فتاوى
ما حكم التسويق الشبكي؟
الجواب:
يقصد بهذه النازلة الاقتصادية الواسعة الانتشار ( التسويق الشبكي)  برنامج تسويق يحصل فيه المسوق على عمولات أو حوافز مالية نتيجة لبيعه المنتج أو الخدمة، إضافة لحصوله على عمولات عن كل شخص يتم اعتماده كمساعد أو تابع للمسوق وفق أنظمة وبرامج عمولات خاصة. وعرفها الدكتور رفيق المصري بالتسويق بعمولة هرمية. ومحصلة هذه المعاملة هي أن يدفع المستهلك مبلغا من المال (قيمة المنتج) لينال عوضا عنه مبلغا آخر أكبر منه (العمولات).
ومن خلال هذا البيان لمعنى التسوق الشبكي يتجلى بوضوح أن المنتج الذي تسوقه هذه الشركات ما هو إلا ذريعة للحصول على الأرباح والعمولات، أي أن العمولة هي محور هذه العملية وليست السلعة. ولما كانت هذه حقيقة هذه المعاملة فإنها معاملة محرمة شرعا للأمور الآتية:
أولاً:
 أنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلاً من المال ليحصل على مبلغ أكبر منه فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو  عين الربا المحرم شرعا، ولا عبرة بالسلعة التي تبيعها الشركة للعميل لأنها غير مقصودة من هذه العملية، وقد تكون هذه المعاملة أشد قدحا من الربا لأن الربا هي مبادلة مال بمال أكثر منه تحقيقا، أما هذه المعاملة فهي مبادلة مال بمال أكثر منه تعليقا على الأوهام، لأن النسبة القليلة جدا هي من تحقق هذا الربح، وهذا يعني أن المعاملة تشتمل أيضا على القمار.
ثانيًا:
تعد هذه المعاملة نوع من أنواع القمار والمسير الذي حرمه الله تعالى بمحكم القرآن، قال تعالى:((يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تتقون))، وتحقيق المناط في هذه المسألة يقتضي أن دور السلعة ملغي ولا عبرة به، لأن قصد المشترك لم يتعلق بالسلعة وإنما تعلق بعمولة التسويق، وتصوير المسألة هو كالآتي:
أن تدفع مبلغا مقابل أن تحصل على مبالغ متوقعة قد تأتي وقد لا تأتي فهو يتردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وهذا هو عين القمار المحرم شرعا، وهذا فضلا عن أن الاقتصاديين قد حكموا بحتمية الخسارة لمن هم في المستويات الدنيا من الشبكة أو الهرم.
لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف

الرجوع إلى الأعلى