إن حسن الضيافة عادة عربية قديمة متأصلة كمكرمة من مكارم الأخلاق، حتى كادت تكون لصيقة بالعرب دون غيرهم، ولما جاء الإسلام كرّس هذه العادة وأكد عليها في أكثر من نص شرعي ؛ بل و أورد بعض حقوق الضيف و واجبات المضيف، تحقيقا للتكافل الاجتماعي والتضامن وحسن الألفة والمعاشرة بين المسلمين. فقد جاء في كتاب الله تعالى حديث عن ضيوف الأنبياء وكيف استقبلوهم بحسن الإكرام؛ فقال الله تعالى: (( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ  )) - وقال أيضا:((  فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ))   - ، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه» -رواه البخاري ومسلم-
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم بعض حقوق الضيافة؛ فعن أبي شُرَيحٍ خُويْلد بن عمرو قال: أبصرت عيناي رسول الله  صلى الله عليه وسلم وسمعتْهُ أذناي حين تكلم به، قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفَهُ جائزتَهُ»، قالوا: وما جائزتُه؟ قال: «يومٌ وليلةٌ، والضيافة ثلاثة أيام، وما كان بعد ذلك فهو صدَقةٌ عليه» [رواه البخاري ومسلم] .وفي رواية أخرى عنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الضيافةُ ثلاثة أيام، وجائزتُه يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يُؤثمه» قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمُهُ؟ قال: «يقيم عنده ولا شيء له يقْرِيه به» [رواه مسلم] فعلى المضيف أن لا يضجر من ضيفه بل يسدي له من الكرم والجود ويوفر له الراحة النفسية ما يطمئن قلبه ويثلج صدره، وليكن معه طليق الوجه مبتسما مبديا الرضى والفرح به، طيب الكلام، وأن يخدمه بنفسه، ولا يحول بينه وبين ما يبتغيه في المتاح المباح؛ وكل ذلك في غير تكلف أو مشقة أو إرهاق.  ومقابل هذه الحقوق فإن الضيف ملزم ببعض الواجبات والآداب منها أن لا يتطلع ببصره داخل البيت؛ لأنه قد يرى ما لا يجوز له النظر إليه؛ فقد قال الله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا{  ، وقال على لسان لوط:  }قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ {   وعليه أن يستر مضيفه ولا يكشف عيوبه وأسرار بيته؛لأن ذلك ضرب من ضروب عدم الوفاء والشهامة، وعليه أن لا يكون ضيفا ثقيلا يتجاوز حدود المعروف والعادة في الضيافة. ولئن ظل المسلمون حريصين على قيم ,آداب الضيافة هذه إلا أن المدنية الحديثة زحفت على الكثير من هذه القيم والآداب، حتى غدا البعض يشعر بثقل الضيافة والضجر من الضيف دون سبب موضوعي مقبول بل مجرد بخل وشح وتكبر واستعلاء وميل للحياة الفردية والعزلة الاجتماعية؛ وهذا ما ينبغي تجاوزه بإحياء كرم الضيافة العربي الإسلامي المتأصل في النفوس، ولو كان الضيف غير مسلم.    
ع/خ

أنـــوار
مواقف للسخرية وليست فتاوى فقهية
في ظل المخاض العسير الذي يعيشه الإسلام والمسلمون حاليا بدأت تظهر تباعا مواقف وآراء يصفها البعض بالفتاوى، رغم أنها أقرب إلى الانطباعات وإتباع أهواء وتمنيات، وأحلام يقظة، تحاول أن تجد لها قدما في النصوص والآراء الفقهية والقواعد الأصولية، بذريعة التجديد والاجتهاد ومواكبة العصر؛ ولئن قررنا مع الفقهاء وعلماء الأصول أن باب الاجتهاد مفتوح ولا يغلق أبدا فإن ولوجه وإن كان متاحا إلا أنه غير مباح لمن هب ودب وملك قلم حبر وورقة بيضاء، لأن الاجتهاد تحكمه شروط وضوابط تحول دون تجاوز القطعي من الدين والتدخل في التشريع وتعدي حدود الله تعالى، لأن خارج نطاق تلك الضوابط اللغوية والشرعية تغدو الآراء مجرد أولا ومواقف لا تلزم إلا قائليها ولا تحسب على الدين أبدا مهما ادعى قائلوها أنها تحقق المصلحة أو تواكب العصر أو تتجاوز الجمود.
فقد أطل علينا البعض بألمانيا حين أسس مسلمون داخل مبنى تابع لكنيسة في برلين مسجداً وصفوه بالمسجد الليبرالي يكسر المحظورات؛ إذ يمكن فيه أن يصلي الرجال والنساء سوياً، بمن فيهم غير المحجبات، رغم وجود ضوابط شرعية للصلاة التي تعد أمرا تعبديا لا مجال للاجتهاد فيه، فالله يعبد بما شرع، ولكل دين عباداته التي لا تصح إلا بتوفر شروطها الشرعية في دينه.
كما فاجأنا البعض باستباحة الخمر التي نزل فيها نص قطعي من الوحي المتلو في كتاب الله تعالى يحرمها إلى الأبد، والشخص ذاته أباح البغاء بدعوى أنه مهنة كباقي المهن، قبل أن يعزز رأيه هذا أزهري يدعي أن لحم الخنزير حلال لأنه من طعام أهل الكتاب، رغم وجود أكثر من نص قرآني يحرمه دون استثناء، كما أباح البعض زواج المسلمة باليهودي أو المسيحي، رغم وجود نص قطعي يحرم المسلمة على الكفار تحريما قاطعا، وهكذا دواليك، ففي كل فترة تصدر مثل هذه الآراء من قبل بعض المنتسبين للمؤسسات الدينية محاولة إحداث شرخ داخل المنظومة الفقيهة قبل أن تتلاشى مع الوقت وتغدو نكتة على شفاه عامة الناس ويغدو قائلوها مثار سخرية بين الناس، ؛ لئن لم يكن للإسلام سلطة دينية وسياسية تردع مثل هؤلاء فإن الزمن كفيل بإحالتهم على مزابل التاريخ كما فعل بأقرانهم.
إن إرضاء الناس لا يكون بالجرأة على النصوص والقطعيات؛ بل بعرض حقائق الإسلام كما هي بعيدا عن الغلو والجمود والإفراط والميوعة، وسيندم الذين يبتغون العزة عند من يرضونهم بآرائهم من دون الله تعالى.                                  
ع/خ

فتاوى
حكم شراء الأصوات في الانتخابات؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين وبعد: الصوت أمانة، وعلى الناخب أن يعمل بمقتضياتها وألا يضيعها؛ لأن التضييع خيانة، والله (تعالى) يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون)  ، والأمانة تقتضي أن يختار الناخب المرشح الثقة، العدل، الأمين، الوقاف على حدود الله تعالى والقادر على إدارة المؤسسة والهيئة التي سينتخب لإدارتها وتنظيمها. قال (تعالى): (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين).
أما شراء الأصوات وبيع الضمائر، والتصويت لمن يدفع أكثر فهو من باب خيانة الأمانة، ويحرم على الناخب والمرشح أن يتعاملا مع الانتخابات وفق هذه الدائرة الضيقة؛ لأن ذلك يؤدي إلى إسناد الأمر إلى غير أهله،  قال (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:»إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»[رواه البخاري]. ومن غير اللائق بالناخب أن يتعامل مع قضية الانتخابات بهذا الأسلوب، ومن غير اللائق بالمرشح أن يحشد الأصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذمّ به المجتمع أن تكون مجالس البلديات وغيرها قائمة على شراء الضمائر والعائلية المقيتة والعصبية النتنة، وليس على الكفاءة.  وماذا يُتوقع ممن يرى المال كل شيء فيبيع صوته، أو يشتري صوت غيره؟! وماذا يُتوقع منه إذا صار صاحب قرار؟! إن المنطق  يقول بأنه سيحاول أن يسترد ما دفع من خلال استغلاله لمنصبه، واستغلال المنصب للمصالح الشخصية حرام شرعاً وجريمة يحاسب عليها القانون.
والتصويت  شهادة سيسأل عنها المرء أمام الله تعالى، قال تعالى):  سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ(. ومن وضع صوته في مقابل مال  أو دونه ولم يتحر الأمثل والأنسب وفق المعايير الشرعية لتولي الولايات فقد شهد شهادة زور؛ لأنه  يشهد لإنسان بأنه أهل للولاية ويُمْكِنه من التسلط على رقاب المسلمين وهو لا يستحق.
وشراء الأصوات يندرج تحت الرشوة التي لعن فيها المعطي والآخذ والواسطة بينهما. فالرشوة هي بذل مال وما في معناه لإبطال حق أو لإحقاق باطل، فهي ما يبذله الإنسان من مال أو منفعة أو خدمة لغيره ليتوصل به إلى تحقيق مصلحة له، وهذا مؤدى شراء الأصوات ومآله...وبناء على ما تقدم يتضح أنّ الانتخاب إمّا شهادة وإمّا تزكية من الناخب للمرشح وفي الحالتين لا يجوز للشاهد أخذ مال مقابل شهادته، وإذا أخذها سقطت عدالته لأن ذلك من قبيل الرشوة المحرمة شرعا» .
إنّ الاختيار عن طريقِ الانتخاب المباشر أمر له خطورته في بناءِ الأمة وعلى كيانها، ويجب أن يوضع في مكانه الصحيح فوق المساومات، والبيع والشراء. فالصوت أمانة وشهادة وتزكية، والهدف اختيار الأصلح الذي يسهر على مصالح الجماعة، ويعمل على جمع كلمتها ورقيها، وسعادتها، ويجنبها الزلل، ويتبنى قضاياها
 ومن ولّى على المسلمين رجلاً أو ساهم في ذلك وعرف أنّ فيهم من هو خير منه، فقد أوقع نفسه في فتنة ومحنة ليس لها من دون الله كاشفة، عن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) حين بعثني إلى الشام، يا يزيد: إن لك قرابة، عسى أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكثر ما أخاف عليك بعدما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):»من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فأمَّر عليهم أحداً محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، حتى يدخله جهنم»[رواه الحاكم. وفي الحديث:»أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممّن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين»[أخرجه أبو يعلى في «مسنده». قال البوصيري: وعلى ذلك فيجب على كل من ولي شيئاً من أمر المسلمين أو بمقدوره أن يولي أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه، وأمثلهم وأفضلهم، أداء للأمانة، وبعداً عن الخيانة.
قال ابن تيمية:»فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة، أو صداقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله (تعالى):{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{
المجلس الإسلامي للإفتاء بيت المقدس.

الرجوع إلى الأعلى