يشكل العيد لو أحسن استغلاله فرصة سانحة لإصلاح ذات البين بين المسلمين فرادى وجماعات، في ظل التشنج الذي يعتري علاقات الكثير منهم؛ فانتهكت تبعا لذلك الحرمات المصونة شرعا، من دماء وأموال وأعراض، وحلت الخصومة محل الأخوة بين فئات واسعة منهم، بدءا من الأسرة وانتهاء بالأمة، وعلى الرغم من أن عموم المسلمين ما انفكوا محافظين على الأخوة الإيمانية التي تربطهم إلا أن هذا لم يمنع الخصومة والشجار من التسلل إلى شريحة واسعة منهم؛ مما يستدعي صلحا يفضي إلى إصلاح ذات البين التي أمر الله تعالى بها في كتابه فقال الله تعالى: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ))
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
إن شرائح كثيرة من المسلمين متخاصمون على مستوى الأسرة والمجتمع، فالأخ يخاصم أخاه والجار يعادي جاره والموظف يقاطع زميله، والعلاقة البينية الإسلامية ليست على ما يرام، في ظل توترات إقليمية انجر عنها اقتتال واحتراب ومقاطعة وحصار، بين دول تنتمي لأمة واحدة ويجمعها دين واحد، أمة كان يفترض أن تتجلى في مظهر قوله تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))، وهي الأمة التي منّ الله تعالى عليها بقوله: ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا )، وبغض النظر عن الأسباب والعوامل التي أفضت إلى هكذا خصومة فإن وإصلاح ذات البين ينبني على الصلح الذي أمر الله تعالى به في أكثر من آية فقال الله تعالى:  إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ، وفي أجواء العيد الذي يشترك فيه كل المسلمين على عقلائهم وعلمائهم أن يبادروا إلى دعوة إلى الصلح وتجاوز الأحقاد والخلافات والدسائس، ورأب الصدع والعودة إلى ما تقتضيه أحكم دينهم، لينطلقوا مجددا في عالم الحضارة الإنسانية، لأن المسلمين أصبحوا مضرب المثل بين الأمم في الخلاف والاقتتال والتناحر؛ وتكاد بؤر التوتر العالمية تقتصر على الرقعة الإسلامية من طنجا إلى جاكارتا، بعد أن ظلوا لبعض القرون مضرب المثل في العدل والتحضر والأخوة والتعايش؛ والأمر كذلك ينطبق على الأفراد، فالكثير من الأسر المسلمة وبسبب الطمع والحقد والحسد الذي يغشي بعض الأبصار، وبسبب نسيان بعض مقتضيات الدين، ناصبوا العداء لبعضهم البعض،
لذلك فإن العيد فرصة هامة ينبغي أن تستغل، ولكي يتأتى الصلح لابد من التنازل والعفو والصفح، سواء في شأن الدماء أو الأموال أو الأعراض أو النزاعات، حيث تعطى الحقوق لأصحابها في أجواء أخوية إيمانية؛ وقد روي من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ، قال : إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة " [رواه أبو داود ])، وعلى المسلمين تشجيع الصلح بدل تغذية الخلاف والخصومة؛ لأن الله تعالى يقول: ((إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )) .                   ع/خ 


أنـــوار

العمل بعد الدعاء
لقد أكثر المسلمون خطباء وعامة من الدعاء في شهر رمضان وهذا أمر مستحب؛ بل قد يكون واجبا، وقد قال الله تعالى: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ  إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ))، فالمسلم يتوجه إلى ربه في لحظات الخشوع مستغلا أوقاتا مباركة ملتمسا منه المغفرة والتوفيق في حياته؛ والنصر على أعدائه، راجيا استجابة ربه، غير غافل عن ذكر الله الذي بيده كل شيء ويشير الكون ومقادير الحياة كيف يشاء؛ لكن الكثير من المسلمين ركنوا إلى الدعاء دون أن يقرنوا ذلك بالعمل وتقديم الأسباب وفق ما تقتضيه السنن الكونية والاجتماعية، فكم من لسان لاهج بالدعاء وعين دامعة بذلك؛ لكن صاحبها قابع كسول في الحياة، لا ينطلق في دروبها ولا يسخر إمكانياتها لصالحه وصالح أمته، معتقدا خطأ أنه حقق مبتغاه بمجرد الدعاء، ولعل الكثير من التساؤلات التي يطرحها المسلمون عن عدم استجابة أدعيتهم رغم تأكيد القرآن الكريم على ذلك، تجد لها إجابات فيما نقول؛ لأنه لا معنى لدعاء دون عمل وقديما قيل: (الدعاء بلا عمل كالقوس بلا وتر»، ولربما نشأ المسلمون بذلك على الكسل والخنوع والاستسلام والسلبية،  فالمسلمون يتساءلون لماذا رغم كثرة دعاء الوعاظ كل جمعة للمسلمين بالنصر والوحدة والتقدم والأمن والسعادة، والدعاء على الكفار بالهزيمة وتشتيت الشمل، وأن يجعل الله بأسهم بينهم شديد، إلا أن المسلمين متخلفون والكفار متقدمون، والكثير من المسلمين متناحرون يعيشون في مشقة وعسر، والكفار متحدون يعيشون في أمن وسعادة؛ بل يزدادون تقدما وأمنا؛ لذلك ينبغي على المسلمين أن يعلموا أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن الحياة لمن أخذ بأسبابها وأن الجزاء يوم القيامة على قدر العمل، فقد قال الله تعالى: ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))؛ ولو تتبع المسلمون سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته لوجدوه يقرن الدعاء بالعمل؛ بل كان يجمل في الدعاء ويختصر ويمضي في دربه، وقد وقف يوم بدر داعيا الله تعالى بالنصر بعد أن وضع خطة النصر وحرض على القتال، وتستحضرني هنا  رسالة  عبد الله بن المبارك التي بعث بها من ساحات القتال إلى إمام الحرمين الفضيل بن عياض حيث يقول فيها:

فتاوى
من حلف يميناً كاذبة هل عليه كفارة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد/ من تعمد الكذب في يمينه فهو آثم مرتكب لكبيرة من الكبائر فعليه أن يبادر إلى التوبة . قال عليه الصلاة والسلام : ( الكبائر : الإشراك بالله ¡ وعقوق الوالدين ¡ واليمين الغموس ) . [أخرجه البخاري] . وقد سميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار. و(من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان ) . [أخرجه الشيخان] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم ). [أخرجه أبو داود وهو صحيح]. ولا كفارة في هذه اليمين كما قال : [الحنابلة ¡ والمالكية ¡ والحنفية ¡ والأوزاعي ¡ واسحق والثوري ¡ وأبو ثور ¡ وأبو عبيد ¡ وأصحاب الحديث ¡ وأيد ذلك عدد من المعاصرين]. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نعد من الذنب الذي ليس له كفارة اليمين الغموس قيل : وما اليمين الغموس؟ قال : الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل) . [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي]. وعن سعيد بن المسيب قال: هي من الكبائر وهي أعظم من أن تُكفّر .
ما  حكم إخراج المرأة للصدقة من مال زوجها دون إذنه؟
الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: لا يجوز للزوجة أن تتصرف في شيء من مال زوجها الخاص  بأي وجه من وجوه التصرف لو كصدقة  إلا بإذنه، وذلك لما رواه روى أبو داود والنسائي عن عبد لله بن عمرو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها». وروى الترمذي من حديث أبي امامة الباهلي في خطبة الوداع: «لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها». ويستثنى من ذلك الشيء اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه ، فهذا إن تصدقت المرأة به دون إذن من زوجها ، كان لها نصف الأجر ، ولزوجها النصف الآخر  وذلك لما جاء في الصّحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له».هذا ما لم يمنعها الزوج من التصدق  بذلك الشيء اليسير الّذي جرت العادة بالتسامح به.
المجلس الإسلامي للإفتاء، بيت المقدس.

الرجوع إلى الأعلى