نوبل بدأت من حيث انتهت فضيلة الفاروق
أعادت مؤخرا الكاتبة و الشاعرة البحرينية بروين حبيب، فتح روايات الأديبة الجزائرية فضيلة الفاروق، تلك الثلاثية التي عرت من خلالها المجتمع و فضحت تعامله الظالم مع قضايا الاغتصاب و تواطئه غير المعلن مع الجناة، فقالت بروين، بأن المجتمعات العربية التي هاجمت فضيلة بالأمس، لأنها تحدثت عن الاغتصاب، أدينت اليوم بجائزة نوبل للسلام، التي عادت إلى الأرض العربية بعد سنوات، لا لتكرم الأدب أو السياسة، بل لتنصف النساء المعنفات و تتحدث بلسانهن بعدما منحت للناشطة العراقية الإيزيدية نادية مراد، المناهضة لتعنيف واغتصاب النساء.
الشاعرة أكدت، في مقال نشر في جريدة القدس العربي ، بأن أعمال فضيلة الفاروق، بما في ذلك ثلاثية « تاء الخجل «، الصادرة في 2003 و «اكتشاف الشهوة» الصادرة سنة 2005 و «أقاليم  الخوف» التي نشرتها سنة2010، لم تحظ بالاهتمام الكافي، منذ خرجت إلى النور مطلع التسيعنيات، رغم أنها روايات ذات بعد نضالي. الروائية تعد، حسبها، من أوائل المتمردات على المجتمع العربي و كسرن طابو الحديث عن العنف الجنسي، بتناولها لقضية اغتصاب نساء جزائريات خلال الأزمة الأمنية، فاتحة بذلك جراح الكثير من النساء العربيات، اللائي كن و لا يزلن ضحايا مجتمعات ذكورية تبرر للجلاد و تدين الضحية مرتين، بنوع من التواطؤ غير المعلن، وهو تواطؤ، قالت الكاتبة، بأنه لا يقتصر على العامة من الناس، بل يشمل حتى المحسوبين على الثقافة، ممن يلبسون ثوب النفاق في تعاملهم مع المرأة التي لن تغادر بالنسبة إليهم، كما عبرت، حدود الجسد ،حتى وإن ادعوا الانفتاح و التحرر و تقبل مبدأ المساواة في الجندر، وهو ما يبرز جليا من خلال الهجوم على أدب الكاتبة الجزائرية، التي أشارت بروين، إلى أنها آثرت الانسحاب، بعد أن  أتعبتها ردود الفعل القاسية تجاه أدبها.  من خلال مقالها، حاولت الكاتبة البحرينية، أن توصل رسالة مفادها أن الاغتصاب في أعين الأعراب، لا يعد جريمة إن كانت جنسيته عربية، ولذا فإن القضية تظل مسكوتا عنها، ولولا ذلك لكانت الفاروق، قد سبقت نادية مراد إلى نوبل ربما، فهي ناضلت قبلها  و تحدت العقليات الاجتماعية المتحجرة، مستخدمة الأدب، فكتبت عن الاغتصاب، و أخرجت الحديث عنه من الحيز الضيق، فقالت في روايتها أن المجتمع متواطئ ، يبارك الاعتداء على المرأة ب»طقوس الزواج، أو بفتاوى التحليل، أو بأفكار مدسوسة اجتماعيا، كأن يبيح التحرش بكل امرأة لا تغطي شعرها، أو يبيح زواج القاصرات، و يرفع من أسعار مهورهن حيث لا يختلف الأمر عن عرضهن في سوق نخاسة»، كما جاء في المقال. و من خلال مقالها، اعتبرت معدة  برنامجي « حلو الكلام» و «نلتقي»، بأن نوبل، باختيارها، تتوج نضال العربيات أزيديات كن، أو من طائفة أخرى، و قد صفعت بقوة كل من انتقد و سفه أدب الفاروق يوما، و حاول أن يحيد به عن الحقائق، و يكتفي بتضييق نطاق تصنيفه، لأنه لم يتقبل ببساطة جرأة الكاتبة و تمردها، فهاجم كتاباتها و وصفها بالإباحية، بالمقابل لم يكلف الآخرون أنفسهم عناء قراءة روايتها بعمق يأخذهم إلى ما هو أبعد من الوصف الصادم، و لم يحاولوا استيعاب جوهر الأعمال، بقدر ما تكالبوا ضدها ، لأنها لم  تكتب بقلم المراهقة، عن مواضيع مستهلكة كالحب و الخيانة، بل اختارت الموضوع الأصعب و باللغة الأصعب، كما عبرت صاحبة المقال، مشيرة إلى أن الأديبة الجزائرية اختارت بالمقابل، أن تعطي لأدبها بعدا سوسيولوجيا أعمق وأن تعالج من خلاله قضايا مسكوت عنها ، و أن تخاطب الضمير و تربي الأجيال.
المقال أشار، إلى أن فضيلة الفاروق تحدثت حين كان الجميع صامتا فهوجمت، ولم تنصف، حتى حين نطقت نوبل و معها روائيون عرب رجال، على غرار  العراقي وارد بدر السالم صاحب رواية «عذراء سنجار» الصادرة عام 2017، و  الكاتب السوري سليم بركات  الذي كتب «سبايا سنجار»، فالاغتصاب  في العراق و الجزائر و حتى في العلاقة الزوجية لا يزال معاناة  تخص المرأة، وذنب يعنيها وحدها في نظر مجتمعاتنا، كما ذهبت إليه الكاتبة. لذلك فمن الخزي الحديث عنه وليس ارتكابه، بدليل أن القضية و رغم  علانيتها اليوم، لا تزال تشكل عقدة للكثيرين بما في ذلك المحسوبين على النخبة، و حتى الحديث عنها أو وصفها في الأدب، يعتبر بالنسبة لحراس النوايا و الأخلاق، تجنيا على المجتمع و محاولة لضرب العقيدة، لذلك فإن الوضع لن يتغير، حسبها، ما دمنا لم نتصالح بعد مع ضمائرنا،  لأن ما نعيشه،  كما عبرت، هو نتاج ل» حملات الكراهية ضد المرأة في بلداننا بدءا بالمدارس، والمساجد، و وسائل الإعلام الكلاسيكية، ووسائل التواصل الاجتماعي … هذا ما أنجبته الذكورية المبالغ فيها في مجتمعنا، ونحن اليوم فعلا نستحق جائزة نوبل على تطرفنا الجندري «.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى