حركت أخبار الوفيات الناجمة عن حوادث الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون المتسرب من مدافئ الجزائريين، سوق أجهزة التدفئة و التسخين، بعدما  تنامى وعي المواطنين بخطورة الوضع، حيث  لجأ كثيرون إلى  التخلص من تجهيزاتهم القديمة و اقتناء أخرى جديدة، ما  خدم بدرجة كبيرة المنتج المحلي،  بما في ذلك علامات جزائرية قديمة عاد الطلب عليها مجددا، نظرا لزيادة الخوف من المنتجات المقلدة مجهولة المصدر، رغم تأكيد التجار بأن السبب الرئيسي وراء حوادث الاختناق لا يكمن في المنتج بل في التوصيلات الخاطئة.
إعداد: هدى طابي
الإنتاج المحلي يغطي85 في المائة من الطلب
تشهد تجارة أجهزة التدفئة المنزلية بما في ذلك سخانات الماء و المدافئ انتعاشا ملحوظا منذ بداية السنة، وذلك بالنظر إلى الإقبال المعتبر للمواطنين على تجديد تجهيزاتهم، خوفا من العيوب الموجودة في الأجهزة القديمة، والتي قد تؤدي إلى تعرضهم لحوادث اختناق بالغاز، وهو ما لمسناه خلال جولة استطلاعية قادتنا لعدد من  المحلات المتخصصة في هذه التجارة على مستوى منطقتي "لوناما و الكانطولي" بقسنطينة، أين لاحظنا حركية  بيع وشراء تفوق بنسبة معتبرة الإقبال على باقي التجهيزات الكهرومنزلية الأخرى على غرار المبردات و التلفزيونات و الغسالات و غيرها.
 خلال حديثنا إلى بعض المواطنين، استنتجنا بأن أخبار حوادث الاختناق و الوفيات تركت أثرا نفسيا كبيرا عليهم، وخلفت حالة من الهلع ، ما دفع بالبعض إلى  اتخاذ قرار استبدال أجهزة التدفئة و التسخين في منازلهم كإجراء احترازي، وحسب محدثينا، فإن نسبة كبيرة من الأجهزة القديمة التي ابتاعوها قبل سبع إلى عشر سنوات، لا تتوفر على لوحة التوجيه المتضمنة للرقم التسلسلي للجهاز، وهو عيب اكتشفوه مؤخرا بفضل حملات التحسيس و التوعية التي تقوم بها مؤسسة سونلغاز و وسائل الاعلام وبمشاركة مصالح الحماية المدنية،و عليه فقد قرروا كما قالوا، استبدال هذه الأجهزة بأخرى جديدة تكون مطابقة لكل معايير السلامة.
 بدورهم أوضح تجار تجزئة وموزعون، بأن ارتفاع الطلب على أجهزة التسخين و التدفئة ، انعكس بالإيجاب على الإنتاج المحلي الذي بات يغطي ما نسبته 85 في المائة من الطلب، وذلك لكونه يعد تخصصا تحتكره المؤسسات الجزائرية وحدها، فلا يوجد حسب السيد عصام، بائع تجزئة بمنطقة الكانطولي، مدافئ أو سخانات مستوردة في كافة محلات قسنطينة، عكس التجهيزات الأخرى كالتلفزيونات و الثلاجات و غيرها، علما أن ازدهار السوق المحلية لهذه المنتجات بدأ كما أوضح، مطلع سنة 2018، أي مباشرة بعد تطبيق قرار وقف الاستيراد.
 و تعتبر العلامات التجارية « كوندور، ديلوجي، و ماجور» الأكثر طلبا من قبل الزبائن، وذلك نظرا لملائمة أسعارها، و لكونها الأكثر انتشارا في السوق، فضلا عن اعتماد منتجيها على إستراتيجية جديدة في التسويق تقوم على تنويع موديلات الأجهزة و عصرنة تصاميمها، زيادة على ترقية خدمات ما بعد البيع التي تمتد  في العموم إلى غاية 24شهرا  بحيث لم تعد هذه الأجهزة تقل جودة أو جمالية عن المنتج المستورد،     أما بخصوص أسعارها فتنطلق من 20ألف دج إلى 50الف دج، كما توجد أجهزة أخرى أقل سعرا بحوالي 10آلاف إلى 20 ألف دج ، لكنها أقل جودة.
أما الجديد هذه السنة، حسب الكثير ممن تحدثنا إليهم من باعة، فيتمثل في عودة الطلب على بعض العلامات الجزائرية القديمة التي اشتهرت سابقا بجودتها، لكنها تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب انتشار المنتجات المستوردة، و ظهور علامات جزائرية جديدة عرفت كيف تنافس و تسوق لنفسها، ومن بين العلامات التي عاد الزبائن للبحث عنها نذكر علامة « سونوريك» المصنعة في فرجيوة .
مصنعون محليون يفرضون زيادات غير مبررة  

ومن سلبيات ارتفاع الطلب على المنتج المحلي، كما كشف عنه تجار للنصر، هو فرض بعض العلامات الجزائرية واسعة الاستهلاك، لزيادات غير مبررة في غضون الأسابيع القليلة الماضية، رغم أن الدولة كما قالوا لم تقر أية زيادات في الضريبة على الطاقة التي فرضتها سنة 2018، بل بالعكس خفضتها بالنسبة لبعض المنتجات كالتلفزيونات، و تتجه لإلغائها نهائيا بالنسبة لمنتجات أخرى.
كما أنها لم تعلن حسبهم، عن ضرائب جمركية غير مسبوقة، وهو ما يدفعهم  كما عبروا، للتساؤل عن السبب وراء رفع المصنعين للأسعار خصوصا وأنها زيادات لا تتماشى في رأيهم، مع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، والتي تضررت بشكل كبير بعد وقف الاستيراد وما انجر عنه من ارتفاع في أسعار التجهيزات الكهرومنزلية عموما، بزيادات تراوحت بين 2000دج إلى 10الاف دج و أكثر بالنسبة لعلامتي « آلجي و سامسونغ».
 صمامات الغاز.. استثمار مربح فرض نفسه
ويبدو بأن المثل القائل بأن «رب ضارة نافعة» قد تحقق بالفعل هذه السنة بالنسبة لشركات تصنيع أجهزة التدفئة، فموجة الهلع التي خلفتها حوادث الاختناق و الوفيات الناجمة عن التسرب و التسمم بالغاز، دفعت العديد من المصنعين إلى تطوير صمامات متخصصة لقطع التموين بأحادي أكسيد الكربون في حال رصد أي تسرب ، علما أنها صمامات مدمجة في الهيكل العام للمدفأة أو السخان،  وقد ساهمت هذه التقنية في زيادة الإقبال على علامات معينة و بشكل مربح، كما أكده العديد من التجار.
ومن بين العلامات الجزائرية التي استثمرت بشكل كبير في هذه الخاصية الجديدة نذكر علامة « جيون أوعملاق»، التي عمدت سنة 2018 إلى تركيب صمام أمان أو قاطع للتموين لمنع التسربات، كما أوضحه مسؤول قاعة عرض العلامة بمنطقة «لوناما» صالح زواري، مشيرا إلى أن هذه الخاصية زادت الطلب على  هذا النوع   لكونها علامة مضمونة في نظر المستهلك، كما أنها تتوفر أيضا على خدمة ما بعد البيع و ضمان الصلاحية، موضحا بأن أول تفصيل يتعين على المستهلك مراقبته في المدفأة أو السخان قبل شرائه، هو لوحة البيانات التي تتضمن الرقم التسلسلي للجهاز، و الممكن من خلالها التعرف على المصنع و الموزع و متابعتهما في حال تسجيل حوادث، بالإضافة إلى مراقبة مفتاح التشغيل وذلك للتأكد من أن المنتج مطابق و لا يتضمن أية عيوب.
فيسبوك يتحكم في السوق  
من خلال حديثنا إلى التجار و الزبائن على حد السواء، لاحظنا بأن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تلعب دورا بارزا في توجيه خيارات المستهلكين، وبالأخص موقع فيسبوك، الذي  تحول إلى معيار للتقييم، و بورصة تتحكم في سوق المنتجات الكهرومنزلية، فالكثير من المستهلكين أوضحوا لنا، بأنهم يعتمدون في اختيارهم لعلامة تجارية محددة على آراء مستخدمي فيسبوك، « إذ يكفي السؤال عن جودة منتج معين ليأتيك الرد سريعا من قبل من سبق لهم تجربته».
 هذه الحقيقة أكدها  تجار كذلك، حيث علمنا من بعضهم بأن هنالك علامات تجارية عادية تحولت بين ليلة وضحاها إلى ماركات جد مطلوبة بعدما روج لها البعض على فيسبوك، بالمقابل كثيرا ما تتعرض علامات أخرى لحملات تشويه غير مبررة، لكنها تضر بحجم مبيعاتها، عما أن الكثير من الزبائن يطلبون منتجات محددة بناء على فكرة مسبقة كونوها عنه عن طريق ذات الموقع.
اهتمام بالديكور على حساب  شروط تركيب المداخن
في وقت تحدث الكثير من الزبائن عن الخوف من أجهزة التدفئة المقلدة، وعن كونها السبب وراء تسربات الغاز، نفى تجار كثر احتمال  أن تكون السوق تعج  بتجهيزات مقلدة، مشيرين إلى أن نسبة تداولها جد ضئيلة، وهي عموما أجهزة لا تتوفر على لوحة بيانات ولا رقم تسلسلي، كما أن أسماء علاماتها التجارية غير  معروفة و أسعارها لا تتعدى 12ألف دج.

 لكن بالمقابل، أوضح محدثونا، بأن أصل المشكل يكمن في التوصيلات الخاطئة للأجهزة وعدم احترام المواطنين لشروط تركيبها،حيث أكدوا بأن الكثير من الزبائن يعمدون إلى تركيب المدفأة بأنفسهم دون الاستعانة بشخص متخصص في التوصيلات، علما أن هذا الشخص لا يكون سمكريا في العموم بل هو تقني توصيلات،  وقد أوضح عدد من التجار بأن كثيرا من الزبائن يقتنون منتجا معينا ثم يعودون إلى المحل لإرجاعه بحجة وجود عيب فيه، لكن بعد تجربة المنتج سواء كان مدفأة أو سخانا في المحل يتضح بأن الزبون هو من أخطأ في توصيله وأن الجهاز سليم.
 من جهة ثانية، فإن المدافئ التي لا تتوفر على مدخنة لكونها مجهزة بمصفاة أو « فيلتر»، تعد من بين أخطر الأجهزة الموجودة في السوق، مع ذلك تعرف إقبالا كبيرا لكونها بسيطة و لا تشوه مظهر الغرفة أو الصالة  لذا ينصح التجار المستهلكين بتجنب هذا النوع من الأجهزة، و اختيار المدافئ العادية، لكن مع احترام معايير تركيب المدخنة و مدها على طول 1متر أفقيا، و تجنب تقليص حجمها حفاظا على الديكور.
وفي هذه النقطة تحديدا، كانت مصالح شركة سونلغاز قد سجلت ما يزيد عن 100 مخالفة،وذلك خلال حملة توعوية لمتابعة التسربات في الغاز و مراقبة سلامة  أجهزة التدفئة والتسخين عبر المنازل، نظمتها في غضون الخمسة أشهر الأخيرة، و مست 10 آلاف منزل عبر 12 بلدية بقسنطينة. إذ أوضحت المكلفة بالإعلام على مستوى المؤسسة، السيدة وهيبة بوحوش، بأن مشكل التوصيلات الداخلية شكل النسبة الأكبر من حجم المخالفات المسجلة، سواء ما تعلق بعدم احترام معايير تركيب الأجهزة أو إجراء تعديلات على المنازل دون مراقبة انعكاسات ذلك على توصيلات الغاز، و قد أثبتت محاضر تدخلات الحماية المدنية حسبها، بأن خمسة حوادث اختناق من أصل 16 سجلت مع بداية السنة بقسنطينة، كان سببها هو عيوب التركيب أو التوصيل العشوائي لهذه الأجهزة، كما يطرح مشكل عدم تنظيف المداخن الجماعية كسبب ثان للاختناقات خصوصا على مستوى الأحياء الجديدة.           
هـ/ط

الرجوع إلى الأعلى