هكـذا واجــه 70 مجاهـدا 8 آلاف جنــدي فرنسـي بـالأوراس

تنفرد النصر بنشر جزء من رسالة مطولة كتبها الشهيد  المأمون خالدي لشقيقه في مصر  أرسلها له من تونس يسرد فيها تفاصيل هامة عن معركة جبل العصفور التاريخية بجبال الأوراس ، التي تعد من أعنف المعارك  التي خاضها المستعمر بأوامر من السفاح لاكوست الذي حرص على متابعة مجرياتها بشكل مباشر ،  بعد أن لقن 70 مجاهدا  الاستعمار درسا في البطولة.
ع بوهلاله
الرسالة،  التي اطلعت عليها النصر وكشفت عنها عائلة الشهيد بمناسبة إحياء ذكرى المعركة التي جرت في بداية الثورة و عرفت حشدا كبيرا للقوات بتعداد 8 آلاف عنصر و 70 طائرة حربية و انتهت بسقوط 22 شهيدا مقابل مئات القتلى في صفوف جيش المستعمر.      
وأحيت منذ أيام  الزاوية، بولاية خنشلة، ذكرى معركة عصفور التاريخية التي جرت أحداثها في 14 فيفري1956 ، تحت قيادة الشهيد البطل عباس لغرور، و دامت  يومين، تكبد خلالهما  المستعمر الفرنسي خسائر مادية كبيرة .
سلطات دائرة ششار فضلت إحياء الذكرى 63 للملحمة البطولية،  باستعادة مآثرها أمام شباب المنطقة الذين تعلموا  من المجاهدين الذين حضروا معركة عصفور، معاني التضحية والفداء من أجل الحرية ومن أجل العيش في سلام، حيث  تم إعداد برنامج ثري بالمناسبة ساهم فيه شباب قرية الزاوية التاريخية، و من بين فقراته   الترحم على أرواح الشهداء  و زيارة النصب التذكاري لمعركة عصفور ، والاستماع إلى شهادات من شاركوا في المعركة ، وهي مبادرة استحسنها أبناء المنطقة الذين طالبوا  بأن ترقى الاحتفالات بهذه المعركة إلى الاحتفال بها على مستويات أعلى وإعطائها أهمية خاصة من قبل الجهات المعنية،  على غرار منظمة المجاهدين والسلطات الولائية.
شكلت معركة جبل عصفور بالأوراس الأشم، والتي قادها الشهيد عباس لغرور،  مسؤول منطقة الأوراس النمامشة التاريخية، واحدة من أكبر الالتحامات التي جمعت بين جيش التحرير الوطني و قوات الاحتلال الفرنسي في بدايات الثورة التحريرية ، من أجل الاستقلال والحرية، كما كانت من بين أطول المعارك إذ دامت يومين متتاليين كاملين.
 و بلغت أهمية المعركة حدا دفع الحاكم العام للجزائر روبرت لاكوست، المعين آنذاك من قبل الحكومة الاشتراكية ل»غي موليه»، إلى  معاينة سيرها على متن طائرة هيليكوبتر كان يستقلها ، كما أكد الكثير من المجاهدين في ولاية خنشلة.
حسب أحد مجاهدي المنطقة،  تم خلال المعركة أسر ضابط فرنسي برتبة ملازم أول، مقابل سقوط 22 شهيدا في صفوف جيش التحرير الوطني، ناهيك عن مصرع العشرات من جنود العدو.
و سيظل الرقم 300 لعدد القتلى الفرنسيين في هذه المعركة الشهيرة، المعروفة أيضا بموقعة الزاوية، أو معركة «خناق لكحل» ، محفورا إلى الأبد في اللوح التذكاري المنتصب بميدان الشرف، عرفانا بتضحيات الرجال وبطولات الجزائريين،  كما ستخلد الرسالة التي كتبها أثناء حرب التحرير الوطنية المجاهد مأمون خالدي الذي شارك في المعركة ، وسقط بعدها شهيدا في ساحة الوغى سنة 1958  بجبل بوعريف بباتنة.
“هاجمونا كالحيوانات في قتال دام يومين»
الرسالة التي كتبها الشهيد المأمون خالدي لأخيه بمصر، و أرسلها له من تونس لا تزال  محفوظة لدى عائلته و قد تحصلت النصر على نسخة منها وتنفرد بنشرها، و يصف فيها لأخيه من خلالها أشهر المعارك التي شهدتها منطقة الأوراس، تحت قيادة البطل الشهيد عباس لغرور،  و هي مؤرخة في ماي 1956 و جاء في الفصل الأخير من الرسالة الطويلة
"أخي، يسرني جدا أن أكتب لك في هذه الرسالة عن بعض المعارك التي شاركت فيها وهي معركة «عصفور» الزاوية، شرقي خنشلة بششار.
أخي كنا ذات يوم من صباح الإثنين 12 فيفيري سنة 1956، نتناول القهوة ، إذ أعلمنا الحارس أن عددا كبيرا من جنود الاستعمار  قد أقبلوا علينا،  وكان عددنا لا يزيد عن 70 ، مزودين بأسلحة حديثة وكنت أحمل رشاشة آلية و أحمل معها  400 خرطوشة و مسدس.
واستعددنا بنصب كمين لهم،  وفي حدود الساعة السابعة صباحا، تم تبادل الرصاص بيننا وقتلناهم جميعا، وكان عددهم 110 جنود وكنا نتحصن بالحجارة والصخور المعروفة بششار،  وكنا أشجعهم لأننا نؤمن بحقنا. وبعد أن قضينا عليهم جردناهم من أسلحتهم، وإذا بدوي في السماء والأرض، فأصبحنا مطوقين بجنود الاستعمار والطائرات تحلق فوق رؤوسنا ، وكنا نرى الأرض كلها سوداء بالجيش الفرنسي كالجراد والطائرات يزيد عددها عن 70 طائرة من كل نوع.
انقلب الكمين إلى معركة وهاجمونا كالحيوانات ، ونادى المجاهدون” الله أكبر” وتبادلنا طلقات الرصاص، ، ووقفنا أمامهم رغم كثرتهم، ودام القتال بيننا يومين، ونحن ندافع وحاصرونا من كل ناحية،  وكان دوي القنابل يكاد أن يكون دويا واحدا وأصبحت الحجارة تتطاير،  وضربونا بالغاز حيث أصابنا مرض منه، حيث أصبحنا لا نبصر أمامنا شيئا،  ورغم هذا كله انتصرنا عليهم، وقتلنا منهم ما يربو عن 500 جندي، بينما استشهد منا 17 مجاهدا،  هذا ولا أستطع أن أصف لك المعركة، لأنها معجزة ولم يسبق لها مثيل، حتى في حرب ألمانيا واعترفت بذلك سلطات فرنسا نفسها، شارك فيها ما يزيد عن 8 آلاف جندي واستنجدت بقواتها من باتنة، خنشلة،   بسكرة و خنقة سيدي ناجي. و بقينا يومين دون أكل و لا شرب ولا نوم، وشارك في هذه المعركة البطل عباس لغرور كقائد و جمع من الأبطال.
هذه المعركة من المعارك التي شاركت فيها ولازلنا نخوض أكثر من هذه إلى آ خر قطرة من دمائنا من أجل الحرية والسيادة،  أخي إن فرنسا استعملت جميع الوسائل فأرجوك أن تسمح لي..”
التحق بالثورة مبكرا وكان  من المقربين لعباس لغرور
جدير بالذكر أن هذا جزء  فقط من  رسالة مطولة بقلم الشهيد خالدي المأمون الذي ولد بقرية الولجة جنوب ولاية خنشلة سنة 1935 والذي التحق بصفوف الثورة وهو في سن العشرين بداية سنة 1955 ،رفقة مجموعة من الشباب الثائرين،  وشاء القدر أن يلقى عليه القبض في نفس السنة، ليطلق سراحه لصغر سنه ، ثم يتصل بعد ذلك بالشهيد البطل عباس لغرور، عن طريق الشهيد المعروف باسم محمد أزروال،  ليضمه إلى طاقمه الإداري، لما بلغه عنه من تكوين وخصال حميدة وحماس فياض للثورة،  وكان ذلك منتصف سنة   1955 وأصبح منذ ذلك الحين من المقربين من الشهيد عباس لغرور كملازم ومساعد ثم ملازم ثاني  عضو بمجلس المنطقة الثانية للولاية التاريخية الأولى،  ثم سافر في سنة 1957  في مهمة إلى تونس، وشارك في عدة معارك، أهمها معركة  الزاوية بجبل عصفور بمنطقة ششار،  وفي أوت 1958 استشهد البطل مأمون خالدي رفقة 25 شهيدا من رفاقه، في معركة طاحنة بمنطقة بوعريف رفقة الرائد محمد عرعار،  المدعو بوعزة. وينتسب الشهيد إلى عائلة أولاد سي عبد الله بن موسى، بدوار الولجة، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة على أيدي مشايخ القرية بالكتاب وحفظ جزءا كبيرا من القرآن الكريم،  ثم انضم إلى صفوف الحركة الوطنية،  وكان الفضل في ذلك للشيخ الأستاذ أحمد السرحاني رحمه الله الذي كان منفيا من القرية. وكان كثير التنقل بين قريته الولجة، خنشلة  وسوق أهراس، مما جعله يحتك بالعديد من شخصيات الحركة الوطنية،  فتكونت لديه فكرة التحرر من ربقة المستعمر.  وعند اندلاع الثورة التحريرية كان من بين فوج قرية الولجة الذي ضم في صفوفه ابن عمه الشهيد أحمد خالدي.
ع. ب

المؤرخ لحسن زغيدي في ندوة بقسنطينة
ثورة الجزائر الوحيدة بالعالم التي اعتمدت وثيقة قيادية  
قال المؤرخ  محمد لحسن زغيدي، أمس، في مشاركته بندوة تاريخية بمناسبة يوم الشهيد  بجامعة الأميرِ عبدالقادر، بقسنطينة، أنَّ ثورة الجزائر  تعدُّ الوحيدة في العالم التي اعتمدت على وثيقة قيادية تؤطِّرها ، وهي بيان أوَّل نوفمبر. واعتبر الدكتور بجامعة الجزائر 2، معدِّي الوثيقة من قياديي الكفاح المسلح للاستقلال، أصحاب فكر عميق، ودهاء سياسي واستراتيجي، بتقسيمهم لبيان أول نوفمبر الذي يعد الإعلان الرسمي عن بدء الثورة، إلى 12 مادَّة تشرح الدوافع والنتائج، ضمن 9 فقرات متكاملة، وتحديدا في نطاق 185 كلمة، معتبرا إيَّاه إنجازا لم يسبق تجسيده خلال الثورات والحُروب، عبر العالم قاطبة، وهو ما صنع عبقرية ثورة بلادنا وقادتها، وإنْ دلَّ على شيء، فإنما يدلُّ على حراك تحرُّري إيجابي مبني على منهجية واضحة وسلسلة، احتضنها الشعب في الأخير ، بقوّة وفق المؤرخ.
وشرح زغيدي، المفاهيم المتعلِّقة برموز السيادة الوطنية، وعلى رأسها العلم وتغيُّراته ودلالاته، على مرِّ تاريخ الجزائر، منذُ عهد يوغرطة وحروبه مع الرومان، وصولا إلى العلم الحالي، حيث استمدَّ النجمة من حزب نجم شمال افريقيا، والهلال من العثمانيِّين ، مع امتزاج الألوان الثلاثة التي رمزت لأعلام الجزائر عبر التاريخ.  وخلال ذات اللقاء،  استعاد المجاهد محفوظ بوكبوس، ابن منطقة «السمندو»، زيغود يوسف حاليا،  جانبا من ذكريات التحاقه بنشاط الثورة في الولاية التاريخية الثانية، وذكر أنَّ رفيق الدرب بن عبد المالك رمضان، صديقه منذ الطفولة، و قد التحقا بالكشافة الإسلامية الجزائرية، معًا، ثمَّ انضمَّا إلى الحركة الوطنية برئاسة مصالي الحاج، مضيفا «الكشافة هي البوابة الأولى لانفتاح عقولنا  على الثورة والتحرُّر، وأخذِ الاستقلال من فرنسا المستعمرة، التي غزت بلادنا، واغتصبت خيراتنا»، معتبرا الشهيد رمزا   في الكفاح سقط باكرا في ميدان الشرف.
فاتح/ خ

الرجوع إلى الأعلى