أثار الحِراك الشّعبي الّذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير 2019. الكثير من الأسئلة حول مكانة ومكان ودور المثقف في الحياة السياسية، وحول التحاقه مؤخرا بالشارع والمسيرات. فالمثقف الّذي كان يكتفي بالكتابة والتنظير من وراء مكتبه أو من وراء شاشة الحاسوب. وأحيانا من وراء ميكروفونات الإذاعات أو استوديوهات التلفزيونات، فجأة انخرط وانغمس واندمج في الشارع. ترك أريكته ومكتبه ونزل إلى الشارع. يمشي جنبًا إلى جنب مع الجماهير من مختلف الشرائح والفئات. المثقف ابن كتاباته ومقالاته وتنظيراته، وجد نفسه ابن الشارع، رفيق وزميل الجماهير، يُساهم في الحِراك بالمسيرات والوقفات.
استطلاع/ نوّارة لحـــرش
حول هذا الشأن "المثقف والشارع"، كان هذا الملف في عدد اليوم من "كراس الثقافة"، مع مجموعة من الأكاديميين والمثقفين، الذين تناولوا المسألة من جوانب مختلفة لكن وِفقَ سياقها الحالي/سياق الشارع والحراك الشعبيّ.

عبد القادر رابحي/ شاعر وناقد وباحث أكاديمي –جامعة سعيدة
المثقف المُتعالي انخرط في الشارع من أجل إنقاذ نفسه
ما اصطلح على تسميته بالشارع، وهو في حقيقة الأمر ليس غير المجتمع في حالته الواقعية التي تستمد وجودها من المعيش اليوميّ والمُكابدة الحياتية، كان إلى وقتٍ قريب جدا مَحلّ سخرية واستهزاء من طرف ما اصطلح على تسميتهم بالمثقفين، إذا ما اعتبرنا بأنّ المثقف هو من يُنتج خطابات ثقافية وإبداعية ويكون له رأي في قضايا المجتمع الّذي ينتمي إليه.
هذه السخرية والاستهزاء بالمجتمع وبطبقاته الدنيا، ليست جديدة كما أنّها ليست وليدة صدفة وليست نتيجة خطأ في التحليل الّذي باغتته أمور هامة لم تكن مَحلّ توقف منطقي عند المثقفين. إنّها حقيقة تاريخية طالما وظفها المُثقف الجزائري النخبوي وهو يحدد علاقته بما اعتبره دائما طبقات شعبية بسيطة تُعرقل مهمته الأساسية في نشر الوعي والوصول إلى مبتغاه الإيديولوجي في تحقيق مجتمع كما تريده له الأفكار التي يؤمن بها مهما كانت التوجهات التي تحملها هذه الأفكار.
لقد كوّن المثقف النخبوي الجزائري -من غير التعميم ومع احترام الحالات الصادقة وهي موجودة- خلال تتبعه المُتعالي لحِراك مجتمعه عبر التاريخ المُعاصر سِجلا حافلا من المقولات التي أصبحت معالم تضيء غوامض خِطابه الفكري والإبداعي المليء بالمفارقات والانزلاقات والتصورات التي أثبت التاريخ خطأها، والتي تُؤكد أنّه، وفي حالة لحظات تسارع عجلة التاريخ، أنّ النُخب المُثقفة في واد والمجتمع الّذي يدّعون الانتماء إليه في واد آخر.
تُثبت الكتابات الافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي حاليًا أنّ هذا الشارع كان، إلى وقتٍ قريب، يُوصف بأقذع الأوصاف من طرف نُخب مُثقفة مُتعالية تعودت على إعطاء الدروس من منصات فوقية تنظر إلى المجتمع وكأنّه أداة مُعرقلة لطموحات المثقفين الحالمين التي بلغت ذروتها في تحقيق الريع المادي والمعنوي من خلال الاستيلاء على واجهة المشهد والانفراد به لمدة أكثر من ثلاثين سنة، وهي مدة لا يصدقها العقل، ولم تلعب حتى في السينما كما يُقال، ولم تُتح حتى للمثقفين الكبار في أُمم تحترم الفعل الثقافي الواعي وما يجب أن يكون عليه من تداول، ورغم ذلك، فإنّها تُعامل المجتمع بمنطق "الكولون" الاستعماري، من خلال وصفه بـ"الغاشي" و"القطيع" و"الوانتوتريست" والشعب الجاهل الّذي لا يحترم النظافة ويفضل ضجيج الملاعب على قراءة كتبهم، ويُقاطع دور السينما، وما إلى ذلك من التفوهات التي تنم عن منطق مُتأزم في فهم جدلية المجتمع، وصَمَمٌ في التعامل مع حركيته التي هي حركية طبيعية تستندُ إلى التعاطي المصلحي الرزين مع التقلبات التاريخية والاجتماعية، وتُحقق بممكناتها المحدودة التوازنات الهشّة التي تحفظ بقاءها وسيرورتها.
المشكل الكبير، أنّه وفي لحظات التسارع التاريخي، نجد السيناريوهات التي قدمتها النُخب المُتعلمة والمُثقفة في مراحل تاريخية سابقة من أجل إنقاذ نفسها من أحكام التاريخ القاسية، هي نفسها التي تقدمها النُخب المُثقفة الحالية وهي ترى فاعلية الحِراك الّذي تعاملت معه بالأمس فقط بمنطق العزوف والتردّد والريبة والشك، يُقدم درسًا مُناقضًا تمامًا لِمَا ادعاه ولا يزال يدعيه الكثير منهم. غير أنّ التحوّل الكافكوي للعديد من المثقفين النخبويين قد بلغ أشده وهو ينتقل من حال إلى حال في أقل من سرعة البرق وبأقصر الطرق. هذا ما أصبح يُسمى بـ"الركمجة" التي نحتها الشارع من جملة (ركوب الموجة) للتعبير عن انزعاجه الشديد ممن كانوا ولا يزالون يعيّرونه بأقذع الأوصاف. ربّما ينسى المثقفون النخبويون أنّ عصر الثورة الرقمية لا يتيح إمكانية التستر على هذا النوع من التحوّل كما كان مُمكنًا سابقا بما مارسه الكثير من المثقفين النخبويين السابقين من تزييف للتاريخ وتزييف للوعي وما وفره من سلطة معنوية ادعى فيها المثقفون النخبويون أنّهم هُم من خططوا لبناء القُبة السّماوية، وأنّ الشارع وأبناءه البسطاء كانوا مجرّد بنائين ومساعدي بنائين في مقاولاتهم التي تعمل بالمناولة.

أحمد دلباني/ كاتب ومفكر –جامعة بسكرة
المثقفَ المسكونَ بالنرجسيَّة وجد نفسه مدعوّا إلى إعادة ترميم الجسور المنسوفة
يحسنُ بنا عند الحديث عن النخبة وعلاقتها بالشارع أو الحياة العامة أن نزيل، أولا، لُبسًا شائعًا في أدبياتنا يتمثل في الخلط بين مفهومي الكاتب والمُثقف. إذ ينبغي أن نتفادى المُطابقة بين الإبداع والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة. فنقول في كلمةٍ: إن كانت قضية المُبدع - كاتبا كان أو فنانا- هي العمل الفنيّ، فإنَّ قضية المُثقف هي الإنسان. يُعرَفُ المُبدع بأعماله الإبداعية–الفنية بينما يتميَّز المُثقف بمدى نجاعة تدخله في الشأن العام مُدافعا عن قيم الحرية والعدالة والحقيقة المتخلصة من تأثيرات السلطة. وبغرض التوضيح أكثر لا أجدُ أفضل من ذلك التمييز الشهير الّذي أقامه سارتر بين رجل التقنية والمُثقف عندما أورد مثال عُلماء الذرة. فهؤلاء العلماء حتى لحظة صنع القنبلة النووية في مُختبرهم لم يكونوا إلاّ رجال تقنية وموظفين. ولكنّهم لحظة تفطنهم إلى خطورة استخدام إنجازهم العلميّ على الحياة البشرية وإمكان تهديده للسلام العالمي وتحريرهم عريضة ينبّهون فيها إلى مخاطر العصر النووي وقيامهم بمسيرةٍ للضغط على السلطات وتنبيه الرأي العام فهنا تحولوا مباشرة إلى مثقفين. موقفُ المثقف انخراط وتدخل في الحياة العامة باسم القيم. ولعل اعتبار الكثير من المؤرخين والمفكرين رسالة إميل زولا الشهيرة "إنّي أتهم" سنة 1898 إعلانا مشهديا عن ميلاد المُثقف له ما يُبرّره. فزولا الروائي المُبدع تحول إلى مثقف عندما تدخل في الشأن العام مُدافعًا عن الضابط دريفوس المُتهم ظلمًا، بدوافع عنصريةٍ، بالتعاون مع العدو الألماني.
يُشاعُ، عادةً، عن النخبة عندنا تعاليها وانفصالها عن الواقع وغرقها في عوالم التنظير والتفكير الّذي يعيشُ عزلته الطوعية عن عالم الناس ونبض الشارع. كأنَّ التفكيرَ كان يتطلبُ كلّ تلك النزعة الأرستقراطية التي تجعل المُشتغل بالفكر يرتدي الرودنجوت ولا يلامسُ الأشياءَ إلاّ بقفازات النظرية التي تتأففُ من مراجعة نفسها أمام هيولى الواقع وتعقيده. ولكنّني أعتقدُ أنَّ هذا الأمرَ ليس شيئا يستأثرُ به مفكرونا ومثقفونا وإنّما هو ظاهرة تكادُ تكونُ عامة اعتبارًا من أنَّ الفكرَ –خصوصا في أشكاله الإيديولوجية المُغلقة– لا يستطيعُ أن يتنازل بسهولةٍ عن مُسبَّقاته ومنطلقاته حتى إن أثبتت التجربة بُطلانها أو فشلها. وربّما لم ينتبه الكثيرون إلى ضرورة أن يظل التفكيرُ مُنفتحًا على مُفاجآت ومآزق التاريخ إلاّ قبل عشرياتٍ يوم تفككت منظوماتُ الفكر الأحاديّ الشموليّ كاشفة، بذلك، عن عُنفها البنيويّ إزاءَ الآخر المُختلف وأمام فسيفساء العالم العصيّ على القولبة داخل خطاطات النظرية الخلاصية التي انتظرت، طويلا، تلك "الصباحات التي تغني" ولم تُنتج إلاّ الغولاغ؛ أو عندما تمَّ دك حصون العقل الإمبريالي وفضحُ مركزيته وعنصريته. ومن حسن الحظ أنَّ هذا الأمرَ كان في أساس تدشين عهد الفكر النقديّ/التفكيكيّ الّذي حمل على عاتقه مراجعة عنجهية الموروث الفكري والفلسفيّ الّذي مارس استبعادًا ونبذا وحجبا للحقيقة انتصارًا لإرادة القوة والهيمنة لا غير.
لقد نبَّهنا منذ مُدَّةٍ -ونحنُ نتأمّل في دلالات ومآل الانتفاضات العربية التي تمَّ تعميدها باسم "الربيع العربيّ"- إلى أنَّ تلك الأحداثَ المفاجئة لم يتوقعها أحدٌ من المُثقفين ولم يُسهموا فيها ولم يكتبوا بياناتها. كأنَّ النخبة كانت مصابة بـ"مرض التوحد". كان الحدثُ الكبيرُ مُربكا وكاشفا عن تراجع دور المُثقفين وتحليلاتهم المُستهلكة التي ارتطمت بصخرة الواقع غير المعروف جيّدًا والمحجوب تحت سُمك النظريات والمقاربات المتراكمة والمُنتهية الصَّلاحية. لقد لاحظنا أنَّ أهمَّ شيءٍ كشف عنه الحِراك العربيّ، حينها، هو الطابع العولميّ على اعتبار أنَّ الحدثَ كان وليدَ وسائط الاتصال الجديدة والتنظيم التلقائيّ للمنتفضين وهو ما جعل التاريخ يتحرَّرُ من مركزية المؤلف والقائد والزعيم والإيديولوجية التحريضيَّة. لقد رأينا في ذلك طبعة عربية ممَّا سمَّاه الناقدُ الفرنسيّ رولان بارت "موت المؤلف". لقد تحرَّر التاريخ، بمعنى ما، من مفاهيم النخبة والطليعة وشهدَ تراجع أدوار المؤلف التقليديّ: بطلا كان أو قائدًا أو مُثقفا أو نبيا يكرز بالخلاص التاريخيّ من الاستلاب والاغتراب. ولكن ألم نشهد تكرارَ الأمر نفسه في الجزائر اليوم مع هذا الحِراك العظيم أيضا وبذات الأساليب؟ هذا ما يجعلنا نطرحُ مشكلة علاقة المُثقف بالشارع والحياة أو بالواقع المُتحرّك عمومًا. فمن المعروف أنَّ المثقفَ المسكونَ بالنرجسيَّة والتعالي والانغلاق داخل أسوار اهتماماته الخاصة يجدُ نفسه اليوم مدعوّا إلى إعادة ترميم الجسور المنسوفة بينه وبين عالم الناس كي يُحسنَ تمثيلهم والحديثَ باسمهم دون وصايةٍ. لقد تزعزعت صورة النخبة التقليدية التي كانت تقدّمُ نفسها بوصفها تمثل صوتَ "من لا صوت لهم" أو باعتبارها حاملة لمشاريع خلاصيَّة. فالمثقفُ يدرك اليوم أنّه بعيدٌ كل البُعد عن تمثيل ذلك الدَّور وأنَّ عليه أن يُراجعَ علاقته بالمجتمع والواقع من خلال تجاوز التحنط داخل مقولاته وأطره النظرية التي لم يُسهم، بكل تأكيد، في إنتاجها. على المثقف الجزائريّ -البعيد عن إنتاج المعرفة والاستشراف- أن يتحلى بفضائل الإصغاء الجيّد إلى دبيب الواقع المتفجر بمعزل عن الشعارات الصاخبة المُستهلكة كي يُحسنَ احتضان لحظة الولادات الجديدة وإدراك فرادتها. إنَّ الأحداثَ العظيمة المُفاجئة كانت دوما مناسباتٍ للمثقفين كي يُعيدوا ترتيبَ علاقتهم بالواقع ومراجعة مواقفهم ونظرياتهم ومقارباتهم. فقد دفعت ثورة الطلاب الفرنسية ذات أيار/ماي 1968 بكلّ النُخب إلى تجديد خِطابها وإعادة التفكير في الحدث ودلالاته التي رمت في الظل ببعض الفلسفات النظرية السَّائدة ومواقفها من التغير وحركية التاريخ. نتذكرُ، مثلا، كيف واجه بعضُ الطلبة المنتفضين أستاذهم البنيويَّ جاك لاكان بمقولة لوسيان غولدمان الشهيرة: "إنَّ البنيات لا تنزل إلى الشارع" وهو ما كان فاتحة لإعلان إفلاس البنيوية وانسحابها التدريجيّ من المشهد الثقافيّ والسياسيّ لكونها فلسفة تلغي التاريخ والإنسان الفاعل ولا يُمكنها استيعاب لحظة الثورة. إنَّ الحدثَ العظيمَ يجتاحنا وهذا ما يجبُ أن يكونَ مناسبة لإعادة التفكير في التعاطي مع الشارع والشعب وحيوية المجتمع الناهض الحالم بعالم خال من الأبوية الفجة والوصاية والانسداد. علينا التفكير الجديّ في ممكنات جديدةٍ للعمل والمبادرة والتعبير عن جنون التطلعات وشاعريتها بمعزل عن مركزية الذات التقليديَّة المفكرة التي سقط خطابها.

محمّد بن ساعو/باحث أكاديمي- جامعة سطيف2
الحِراك جعل المثقف بحاجة إلى إعادة قراءة مجتمعه
انطلاقا من أنّ المُثقف فاعل يتجاوب مع قضايا مجتمعه، في محاولته لتجسيد جملة الأفكار والقيم التي يشتغل عليها بترجمتها على أرض الواقع، والتي تتشكل أساسًا من حاجة المحيط الّذي يعيش فيه، فإنّه يفترض منه أن يقف في قلب الحياة مُمارسًا للنضال ليس كتابةً وتنظيرا فقط، وإنّما فِعلا كذلك، إذ لا يمكن لفكرة أن تتجسد دون مُرافقتها، تمامًا مثل العلوم التجريبية حيث يتنقل الباحث رفقة فرضياته ومعطياته من مرحلة لأخرى إلى غاية الوصول إلى النتيجة المُنتظرة. وإذا كان الكثير يذهبون إلى نفي هذه العلاقة في مدخلات ومخرجات الثقافة فيما يتعلق بواقع الناس، لأنّ المُثقف –حسبهم- يقبع بعيدا عَما يعيشه المجتمع وما يطرحه من قضايا ترتبط بواقعه واهتماماته، فاعتكافه في برج بين كومة كُتبه ونظرياته المثالية، يُعمّق انفصاله عن الحياة العامة ويقطع صلته بهموم محيطه، وبذلك فهو لا يسهم في التأسيس للوعي بالحرية والنضال من أجلها؛ غير أنّ الحقيقة التي نتجاهلها هي أنّ المثقف باختلاف مستويات حضوره في المشهد الجزائريّ وبغض النظر عن موقعه من الفئات الشعبية، فإنّه يسهم في صناعة الوعي الّذي جسّدته المظاهرات الأخيرة، وهي حقيقة لا يمكن القفز عليها، لأنّ عيّنات مُهمة من المثقفين وفي قطاعات مختلفة كانت طيلة سنوات تواجه السلطة بُطرق متعدّدة كالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات وحتى مغادرة الوطن، وهي كلها أشكال نضالية تنعكس بطريقة معينة على توجهات المجتمع وسلوكه المستقبلي، رغم أن الإعلام –المُوجّه- حاول أن يُقدّم صورة مشوهة ومختزلة عن هذه الآليات التي يجسّدها المُثقف.
لا ننكر أنّ المثقف الجزائريّ النزيه كان لعقود طويلة غائبًا –أو مُغيّبًا بالأحرى- عن الشأن السياسيّ، والأمر يرجع لأسباب كثيرة لا يتّسع المجال لسردها، ولا بدّ أنّ نتيجة هذه العلاقة الباردة بين الطرفين انعكست حاليًا على الحِراك الّذي يعرفه الشارع، بحيث أنّنا نتحسس وجود أزمة اقتراح عميقة لتأطير –وليس لتمثيل- الحِراك. وبمعنى آخر أنّ المُثقف الّذي جعلته الظروف الحالية يتصالح مع الشارع وجد نفسه وكأنّه بحاجة إلى إعادة قراءة مجتمعه من جديد وفهمه، لقد وجد نفسه أمام مظاهر جديدة وسلوكيات غير تلك التي كان ينمّط بها كتاباته وأحاديثه، فلنقل أنّه تفاجأ، لكن هذا لا ينفي أنّه ساهم في هندسة المشاهد التي قدّمها الجزائريون في الساحات والفضاءات العامة لأنّ هذا المستوى من الوعي لا يمكن أن يكون وليد الصدفة.
على ضفة أخرى هناك من يعتبر المظاهرات والوقفات السلمية التي تبنّت مطالب شجاعة بمثابة نهر "الغانج" الّذي يحج إليه بعض المثقفين لغسل خطاياهم وذنوبهم التي اقترفوها في فترات معينة بابتعادهم عن اهتمامات المجتمع وعدم تبنيهم لقضاياه أو الوقوف في الصف الآخر، كما يعتقد آخرون أنّها فرصة لبعضهم من أجل الحصول على مكاسب معينة في الفترة المُقبلة، وبالتالي فإنّ تحركاتهم من أجل التموقع أو إعادة التموقع. لكن بغض النظر عن خلفيات هذا الزحف نحو الشارع، فهي فرصة تاريخية لاستعادة العلاقة بين المثقف والمجتمع، فلا شارع دون قوة اقتراح من المثقفين، ولا مثقفين دون روح شعبية تتجسد في كتاباتهم وتطلعاتهم، وبهذا يتحقق عبرهما المعنى الحقيقي للنضال المؤسس على رؤية.
يبدو أنّ ما تشهده الساحة الجزائرية مؤخرا أفرز تقسيما جديدا للمثقف، يرتبطُ أساسا بمدى تجاوب المثقف مع صوت الشعب، لقد اختفت أقلام معينة وفضّلت الاحتجاب عن الأنظار، في حين سعت بعض الأسماء –على قلتها- إلى كسر الحِراك بطريقة غير مباشرة وبحجج تدل على أنّ أصحابها فشلوا في استيعاب التحولات التي شهدها المجتمع الجزائريّ والتي أفرزت هذه الحركة داخل التاريخ، فضلا عن المثقف المُتجاوب الّذي أشرنا إليه سابقا.
لقد جسّد نزول المثقف إلى الشارع ومقاسمة المتظاهرين للطقوس التي صنعوها فضيلة  ستسهم لا محالة في تصحيح العلاقة وتصويب المسار، لأنّ تماهي صوت المثقف مع الشارع شكّل ثورة راقية ليس على نظام سياسي أو ممارسات بعينها، بل على حواجز متوهمة وصور نمطية أخذها كلّ طرف عن الآخر، وهي رسالة قوية لعديد الأطراف. لقد كان لحضور المثقف في الشارع ومرافقة الشباب بصمة خاصةّ، وبذلك أصبح الشارع فضاءً للالتقاء والنضال المُشترك، وسيكون حتمًا مُلهِمًا للمثقفين والكتّاب في تدوين نصوص جديدة بروح متجدّدة، تؤرخ للتجربة وترافقها بتمهيد طريقها وترميم عيوبها واستشراف مستقبلها، كما سيفتح الشارع زوايا جديدة من النضال المستقبلي بغض النظر عن مآلاته التي نأمّل أن تكون عهدا جديدا.

ميلود حكيم/شاعر ومترجم 
الشّارع يسبق دائما المثقف
الحديث عن عودة المُثقّف إلى الشارع فيه بعض الالتباس، ذلك لأنّ عودته ليست عودة الفِعل، ولكنّها عودة الذوبان فيما تجاوزه، والبحث عن موقع داخل الهدير الجارف. أي رفع المجهولية التي كان فيها إلى أقصاها، لأنّ المثقف غائب عن المشهد العام منذ زمان طويل، وليس المجال هنا لتحليل أسباب هذا الغياب ونتائجه. بل إنّ بعض المثقفين لم يكونوا أبدا في صفّ الشعب، واتهموه بشتى التُهم، وهُم اليوم يسيرون معه لأخذ السيلفيات كي يحاسِبوا بها ذات يوم، أو يجعلوا منها شهادة تبرئة للذّمّة. إنّ المثقف في الجزائر مُغَيَّبٌ بإرادته أو من دونها، على الأقل منذ الاستقلال، بسبب مُمارسات سلطة أبدعت في تحييده، من منطلق الخوف منه، وتشويه صورته وتخوينه، واحتكرت مجال الثقافة لتسمح ببروز المُثقّف المُوظّف الّذي لا يمكنه أن يكون مُثقفا نقديًا. إنّ ما يحدث الآن هو فرصة تاريخية للمثقف كي يعيش تجربة تطهير وغسل لِمَا تراكم عليه وعلى خِطابه من تشوّهات ومسوخ وغموض، وضعه باستمرار بعيدا عن الأسئلة التي تعتمل في المجتمع، وعن الرهانات التي تنتظر الفهم والتحليل والاقتراح، في محيط لا يكفّ عن التغيّر والتحوّل. إنّ ما نلاحظه في المجال الثقافي عندنا هو فرديات ثقافية لم تتشكل أبدا في نسيج كفيل أن يجعل منها قوة اقتراح وتحويل، لأنّ المؤسسات التي يُفْتَرض فيها احتضان هذا العمل مُفكَّكَةٌ أو لم توجد (الجامعة، مراكز البحث، المخابر، المجتمع المدني المنظم، الفضاءات الثقافية التي تكون خارج سلطة الدولة....). ومن أعطاب المُثقف أنّه انفصل شيئا فشيئا عن مجتمعه، وبقي مُنكفئا في زاوية بعيدة، يعيش الرغبة في الخلاص الفرديّ، والمجد النرجسيّ، من خلال إبقاء الوضع الثقافي في الجزائر مُرتبطا بجدلية المركز والأطراف أو المحيط، لأنّ ما يهُم هذا المُثقف هو أن يُقْرَأ في المركز الغربي (الفرنسي خاصة) أو المشرقي ليُعَاد تصديره إلى الجزائر مُشَوَّهًا أو أجنبياً، حتى أنّ الكثير من هؤلاء إمّا تغَرّبّوا أو تشرّقوا لإرضاء قارئ المركز. ولم يسعوا مثلما فعل المثقفون في بلدان كثيرة إلى الثورة على المركز والتحوّل إلى مركز أنفسهم وثقافتهم.
إنّ ما هو موجود في المجال الثقافيّ الجزائريّ "هو نُتَفٌ أو سديم ضبابيٌّ، يتكوّن من مجموعة من الأفراد، بدون أي نسيج فكريّ وثقافيّ يربط فيما بينهم" كما قال مرّة الراحل عبد القادر جغلول. لهذا نعود دائمًا في الجزائر إلى السؤال عن غياب أنتلجانسيا، إذ ما هو موجود هُم مثقفون مُعلّقون في الفراغ، لا يمنحون فكرا راسخًا في تربتهم الأولى، ولا يُقدمون الاستشراف الّذي يسمح لمجتمعاتهم بجعلهم منارات تضيء لهم الطريق الطويل إلى الحداثة. إنّ المنعطفات الكبرى في الجزائر بعد الاستقلال، كانت دائما مُحَرَّكة بالمطلب السياسيّ الاجتماعيّ، والإخفاقات التي تبعتها كانت نتيجة لعدم القدرة على قراءتها وتحليلها ووضعها في أفق التحولات. المطلوب الآن ليس فقط النزول إلى الشارع، والسير مع الجموع، لكن طرح البدائل، وإعادة بناء النسيج الثقافي، في ضوء حركية التاريخ، وتجديد الخِطاب الثقافي والإبداعي، والثورة على كلّ أنواع الرقابة، وتحرير الكِتابة من القيود الوهمية، والترسبات المرضية للأنوات المُضخمة، ولفانطاسمات الخصاء والسادومازوشية. يجب الخروج من الرعاية الخانقة للدولة للفعل الثقافي واستعادة الفضاءات الثقافية لتُمارس فيها الثقافة الجديدة، التي تنتصر لقيم المواطنة، والحرية والاختلاف، ضدّ كلّ الولاءات المقيتة لكلّ أنواع السلطة. هنا لا بدّ للمثقف النقديّ الّذي ينصت للمجتمع ويفهم حركاته أن يظهر ليصوغ التحولات، ويستشرف الآتي.
ما نجده للأسف هو أنّ الشّارع يسبق دائما المثقف الّذي يلحق به لاهثا، في الوقت بدل الضائع، لا لينخرط في الحركية، بل ليبرّر فقط أنّه موجود، ويُدافع عن نفسه من تهمة الانعزال والاغتراب عن هذا الشعب. ما يجب تفكيكه أيضا، بما أنّ الثقافة هي تفكير الجسد الاجتماعي، هو تلك الأعطاب التي شوّهت صورة المثقف، الّذي لم تعد تهمه سوى نرجسيته، واستسلامه لآلة الإشهار والشهرة بأيّ ثمن. هنا لا بدّ من شجاعة رهيبة لنقد الذات، وإعادة بناء تاريخنا الثقافي بطريقة مختلفة، من خلال طرح الأسئلة المسكوت عنها واللامفكر فيها، بدءا مِمَا حدث منذ الاستقلال حتى الآن، ومن علاقة الثقافة الشعبية بالثقافة العالمة، وكذا علاقة الثقافة بالسلطة التي احتكرت كلّ الفضاءات التي يُفترض أن تكون مجالا لبروز الأفكار والتصورات والمشاريع. على المثقف أن يستعيد الفضاء العام الّذي صُودر منه ليمنحه الحياة والأمل. وعليه أن يُجدّد خِطابه وحضوره، وأن لا يخون الشعب مرّة أخرى لأي سبب، وأن يبقى وفيًا للمستقبل ولِمَا يبقى. لأنّ ما يبقى يُؤسسه الشهود غير المزيفين. على الشارع الجديد أن يُنتج أدبه وفكره وحداثته الجديدة بأنفاس الحرية والاختلاف المتنور.

عابد لزرق/ باحث أكاديمي وأستاذ بجامعة مستغانم  
الحراك كان صادمًا ومُفاجئا للمثقف
لنعترف أنّنا في سياقنا المحلّي قد فشلنا في نقل الثقافة من الجامعات والصالونات والملتقيات الثقافية والأدبية المُغلقة إلى الفضاء الخارجي، ومهما تكن أسباب هذه الظاهرة وعواملُها فهو حُكم لا يجب أن نجد حرجًا في إقراره. ظلّت الثقافة نُخبويةً ونسقيةَ التفكير والمُمارسة، واستمرّ المثقّف لفترة طويلة مُنعزلا وبعيدا عن الترويج لأفكاره وتوجيه رأي الشارع وعن المشاركة بشكل فاعل ومُباشر في التحدّيات السياسية والاجتماعية التي شهدتها الجزائر المُعاصرة، وغلبت عليه الأنانية المُفرطة وتقديس الذات. عندما كان الشارع في حاجة إلى أصوات نُخَبه ومثقفيه وجدهم معزولين أو منعزلين، مغيّبين أو غائبين، وهامشيين في نقاشاتهم وخطاباتهم. الفعل الثقافي بقيّ مُحافظا على مسافة بعيدة وثابتة وعلى خطٍّ متوازٍ مع خطّ الجماهير، ما أحدث شرخًا كبيرا بين الثقافة وبين الشارع والمجتمع الّذي يحتاج إلى مثقّفين ملتزمين نحوه لا من يسلكون سلوك الدعوة والوعظ والكلام من عَلٍ دون التحام مباشر بقضاياه ومشاكله ورهاناته.
هذا الأمر لم يكن محصورا على الفضاء المحلّي فقط، بل هي حالة ثقافية عامّة تنسحب على المثقّف العربي من المحيط إلى الخليج. وليس من الضروري هنا عقد المقارنات بين المثقّف والمفكّر العربي وبين نظيره الغربي الذي أدّى دوره المُواكِب لكثير من التحوّلات الكبرى التي شهدتها المجتمعات الغربية، ولسنا في حاجة أيضا إلى الاستدلال بالعديد من الأسماء لفتح مجالٍ لهذه المقارنة. اليوم يشهد الشارع حراكا واسعًا وتحوّلا غير مسبوق وجد المثقّفُ نفسه معه مُنجرفا داخل هذا التيّار الجمعي الواعي والسلميّ. عندما تحرّك الشارع تحرّك معه المثقّفُ وانتقل من حالة الكمون إلى لحظة الفعالية الاجتماعية، وهذا قَلْبٌ واضح لموازين المعادلة، لأنّ الثقافة وعالم الأفكار لم يؤثّرا سابقا في الشارع، بل كان هذا الأخير من حرّكهما، وتحرّكت كذلك الجامعة التي ظلّت نسقا منغلقا متعاليا ومترفّعا على محيطه الخارجي. لقد حرّر الشارع المثقّف ونزع من قلبه الشعور بالتوجّس والتقاعس والخوف، ودفع عنه حالة الكمون والترقّب والجمود التي كانت ملازمة له من قبل، بل يمكن الجزم بأنّ حراك الشارع كان صادمًا ومُفاجئا لكثير من النُّخب التي لم تتوقّع أبدا حدوثه ولم تستقرئ مؤشّراته وأعراضه القبلية. ومهما يكن الأمر فهذا الدور الجديد الّذي اضّطلع به المثقّف هو دور عضويّ وفاعل واجتماعي.
في الشارع يحدث التقاء أفكار مختلفة وازدواج بين ثقافتين؛ بين ثقافة نخبوية وأخرى جماهيرية. الشارع يبدع اليوم شِعاراته ويصنع معجمه اللغويّ الخاص الّذي هو في أغلبه ساخر من الراهن السياسي عبر جُملٍ قصيرة مُكثَّفة ومُركَّزة الدلالة تحمل نقدا للسلطة سواء كانت لغتُها مُباشرة أو مُوحية، وبالتالي فهو يُبدع جُمله الشّعرية ويُؤسّس لثقافته الشعبية الناقِدة، وقد اضطّر المُثقف إلى تبنّي هذه الشِعارات وتملّك هذه اللّغة بحبّ واقتناع واضح، ففي الشارع تلتقي كلّ التركيبات والحساسيات المدنية، وتنصهر جميع الفروقات الطبقية والاستقطابات الأيديولوجية ضمن مشهد مُركَّب، بِنيويّ، ومُترابطٍ لا يُفسَح فيه المجالُ للغة التنظير والتحليل التي لم تكن سابقًا في مستوى تطلّعات هذه الجماهير، الأمر الّذي لم يجد معه المُثقّف بُدّا إلاّ المشاركة ضمن هذا المشهد وترك الفعل الثقافي والتحليل النقديّ، الّذي لا تستغني عنه الأمّة في مختلف أحوالها، إلى فضاءات أخرى أنسب له.

عبد الحميد ختالة/ ناقد وباحث أكاديمي -جامعة خنشلة
اندماجه في الشارع يدفع للتساؤل: هل يُحسب له أم يُحسب عليه؟
من المؤكد أنّ الّذي استدعى مناقشة هذه الفكرة هو ما يعيشه الشارع الجزائري من غضب شعبي كبير تمظهرَ في هذه المسيرات الاحتجاجية، وهنا يُطرح السؤال بشدة باحثًا عن دور المثقف في خضم هذا الحِراك الشعبي؟ بمعنى هل تخلّي المُثقف الجزائريّ عن مكانه المعهود خلف مكتبه واندماجه في الشارع ضمن الأمواج البشرية لكلّ أطياف المجتمع هل يُحسب له أم يُحسب عليه؟ وهل شعارات المطالبة بالتغيير هي من الأسباب المُنتجة للحِراك الشعبيّ أم هي نتاجه؟
لعلّ أكبر ما يستدعي إضاءته في هذا السياق هو معنى التغيير في حدّ ذاته، فالتغيير ليس التبديل من أجل خلخلة الثابت فحسب، فالأكيد أنّ كلّ حضارة تؤمن بمبدأ الثابت والمتحوّل كما أشار إلى ذلك أدونيس، إلاّ أنّ التغيير الّذي لا يستند إلى مبرّر عقلي حكيم، فهو مجرّد فوضى تغيب معها الحياة ويتعملق الفساد ويتمظهر معها الخزي في المجتمع، ومن هنا فإنّي أرى أنّ دور المُثقف يجب أن ينطلق من فهم أصوات الشارع وتحليلها من أجل إنتاج أفكار تتجاوز مستوى الشِعار لترقى إلى أن تُصبح مبادئ لا يمكن الاستغناء عنها.
ولذا فأوّل ما يتوجب على المُثقف أن يكون دوره في المجتمع خالصًا من شوائب التشرذم والتحزب دون إلغاءٍ لانتمائه الإنساني الشامل، فمواقف المُثقف قابلة للانسجام فقط مع خط العقل الّذي يُؤمن بالاختلاف والتنوع، مع مراعاة المُشترك البشري فهو يرسّخ التفكير العالم حيث نقطة تلاقي العقل وتلاقح الأفكار، والمقصود هنا هو أنّه على المثقف الجزائري أن يستثمر في هذا التلاحم بين كلّ فئات المجتمع من أجل خلق إطار منهجي يعمل على تقريب الرؤى المختلفة والابتعاد عن كلّ ما يغذي فكرة الإقصاء، التي قد تنسف كلّ المكاسب المُحققة.
الحق، أنّ القيم الأخلاقية في أيّ مجتمع لا تتشكّل من العدم بل هي نِتاج مجموعة من المعطيات والمؤشرات، لعلّ أهمها الموروث الثقافيّ الّذي شكلته أجيالٌ مُتعاقبة، بالإضافة إلى الزخم الدينيّ الّذي يعتبر وعيًا قبليًا لا تستغني عنه البشرية بغض النظر عن حقائقه اليقينية، بل باعتباره أفكارا وأراءً واعتقادات اختيارية، وهنا بالذات يتموضع دور المُثقف من أجل إرساء مرجعية سليمة وصلبة لها القدرة على ضبط بوصلة الحِراك الشعبيّ من أن لا يأخذ مآلات غير محمودة، ولهذا يكون الحِرص على حمل العلم الوطنيّ دون غيره من الرايات من أجل المُحافظة على فكرة الانتماء وتوحيد المرجعية.
إنّ المثقف اليوم ليس هو الذّي جمع الكثير من المعلومات والعديد من اللغات والمناهج والأساليب الحديثة، بل المُثقف من اكتسب القدرة على استثمار ما تعلّمه من أجل بناء فكر يُنظم حياة الإنسانية، ويرفع عنها ما تعانيه من حيف وظلم من خلال معالجة القضايا الفكرية الحاسمة التي تعدّ سببًا رئيسًا في ما تعيشه من تأزم حضاري في واقع اليوم. ففي البدء يتشكل الوعي بالظاهرة لدى المُثقف العضوي ثمّ تتراكم المعرفة لتصنع موقفه الداعم لأيّ توجه، لأنّ أي أمر لا مرجعية له لا يُعوّل عليه.
فدور المُثقف الحقيقي اليوم هو في صناعة الوعي لدى العامة سواء داخل الحِراك الشعبي أو خارجه، وهو القادر على تقويم القيم ومعالجتها، وإنشاء قيم جديدة تسيّر حياة الإنسان وتمتلك قوة حجاجية مقنعة وطاقة استدلالية تجعل العقل يُذعن لها.

الرجوع إلى الأعلى