تعيش جامعات ولاية قسنطينة وضعا استثنائيا، بسبب إضراب الطلبة و  الأساتذة، و تحولت الكليات إلى مبان شبه خالية،  و أصبحت تنظم نشاطات غير معهودة على غرار حملات التنظيف و التزيين و النقاشات السياسية المفتوحة، و التحضير للمشاركة في المسيرات المؤيدة للحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر، فيما يبدو بأن الأسرة الجامعية منقسمة بين مؤيد و معارض لانقطاع الدراسة، في ظل عدم اتضاح مصير الموسم الجامعي الحالي.
النصر قامت باستطلاع لوضعية جامعات منتوري و صالح بوبنيدر و كذا عبد الحميد مهري، و تحدثت إلى الطلبة، لتنقل صورة عن الحالة التي تسود معظم الكليات التي تعيش شبه شلل تام.
طلبة العلوم السياسية يشاركون في الإضراب بتنظيف الكلية
بدت جامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر، و على غير العادة شبه خالية، فبداية من مدخلها، كانت الحركة جد قليلة على غير المعتاد، فلم تكن هناك سيارات أجرة و كذا الناقلون غير الشرعيين «الفرود»، الذين يصطفون بالعشرات في هذا المكان، خلال أيام الدراسة العادية، كما أن المحلات المقابلة لبوابة الجامعة كانت خالية من الزبائن، و وسط الجامعة، كانت حركة الراجلين جد محدودة، و كأن الأمر يتعلق بعطلة.
و أول ما لاحظناه عبر جولة بين الكليات المنتشرة داخل الحرم الجامعي، حركة بدت غير عادية أمام كلية العلوم السياسية، حيث شاهدنا أشخاصا يقومون بحملة تنظيف في محيط الكلية، و قد اقتربنا منهم، ليتبين بأنهم طلبة و أساتذة يتشاركون في إزالة الأوساخ و الأتربة  و كذا النباتات و الأغصان المتساقطة، يرتدون قفازات و يحملون رفوشا و مجرفات، و يعملون في انسجام بدون أن يظهر عليهم أي فوارق في المعاملة، و قد تبين في حديثهم لنا، بأنهم قد اتفقوا على قرار واحد، و هو الإضراب عن الدراسة ليوم واحد في الأسبوع، يقومون خلاله بنشاط معين كالتنظيف أو تنظيم نقاشات تتمحور حول البعد السياسي للحراك الشعبي، و قد أكد الطلبة على أنهم غير مستعدين لتضييع السنة الدراسية، غير أنهم سيشاركون بقوة في مسيرات الطلبة، و هم بصدد التحضير لعرض لافتات و شعارات تعبر عن طموحاتهم و أمالهم.
طلبة المدرسة العليا للأساتذة يصنعون الاستثناء

و قد صنع طلبة المدرسة العليا للأساتذة الاستثناء، بعد أن وجدناهم يزاولون دروسهم بشكل عادي، فحسب ما أوضحوه لنا فقد اتفقوا على أن يعودوا للدراسة و يقاطعوا الإضراب، الذي لن يكون في صالحهم حسب ما أكدوه لنا، خاصة أنهم عانوا من ويلاته الموسم الماضي، بعد أن أضربوا لشهور، و كادوا يضيعون السنة لولا تمديد الموسم، غير أنهم أجمعوا على أنهم سيواصلون المشاركة في المسيرات و دعم الحراك الشعبي، إلى أن تتحقق مساعيهم، حسب ما أوضحوه لنا.
غير أن الأمر بدا مختلفا تماما على مستوى كلية علوم الإعلام و الاتصال، التي كانت شبه خالية من الطلبة، باستثناء عدد قليل جدا، أكد لنا بعضهم، بأن استفتاء نظم على مستوى الكلية صبيحة الأحد شارك فيه الطلبة و الأساتذة،   صوت خلاله  85 بالمئة منهم، لصالح قرار مقاطعة الدراسة، و هو الأمر الذي دفع بالكثير من الطلبة لعدم الحضور نهائيا إلى الكلية بداية من يوم الاثنين، أما من حضر منهم فيلتقون و يمضون بعض الوقت، قبل أن يغادروا على حد توضيحهم لنا، و ذلك من دون القيام بأي نشاط دراسي أو نقاشات تتعلق بالحراك.
نقاشات  ومحاضرات لفهم أبعاد الحراك  
و قد  بدا الأمر مماثلا بمعهد البيوتكنولوجيا، الذي كان شبه خالي من الطلبة، الذين التقينا بعدد منهم أمام مدخله، حيث أكدوا بأنهم لم يدرسوا منذ عدة أسابيع تضاف إليها العطلة الربيعية المطولة التي أقرتها وزارة التعليم العالي، و مع ذلك فإن الاستفتاء الذي نظمه طلبة الكلية، كان مع استمرار الإضراب، و هو أمر أكد محدثونا بأنهم لا يعلمون عواقبه، و ليس لديهم أدنى فكرة عن انعكاسات هذا القرار، فإما ستكون سنة بيضاء، أو عودة للدراسة بعد شهر رمضان، مؤكدين بأنهم في قرارة أنفسهم، متخوفون من تضييع عام دراسي كامل.
و لم يختلف الوضع على مستوى كلية الطب، فطلبة الصيدلة و الطب و جراحة الأسنان، قرروا بدورهم مقاطعة الدراسة إلى إشعار غير مسمى، على حد تأكيد عدد منهم، أوضحوا بأنهم لا يحضرون الدروس، و إنما يجتمعون داخل الكلية، من أجل حضور نقاشات مع أساتذة، حيث وجدناهم يحضرون إحداها، كما أشاروا إلى قيامهم بتنظيم حملات تنظيف في مقر كليتي «علي منجلي» و «الشالي»، التي قاموا برسم جداريات داخلها، كما أنهم يستغلون انقطاعهم عن الدراسة في التحضير لمسيرة الثلاثاء، من خلال إعداد لافتات و الاتفاق حول شعارات يكتبونها عليها، و كذا الهتافات التي يرددونها، مؤكدين أيضا بأنهم سيقومون بتنظيم محاضرات يشرف عليها أساتذة العلوم السياسية، من أجل الاطلاع أكثر على الأبعاد السياسية للحراك، و فضل طلبة معهد تسيير التقنيات الحضرية، التعبير عن موقفهم بتعليق كتابات على قصاصات صغيرة، على واجهة مدخل الكلية، رسموا من خلالها عبارة «الطلبة صامدون».
شعارات المسيرات على مداخل الكليات
و على مستوى جامعة قسنطينة 2 عبد الحميد مهري، كان عدد الطلبة داخل الجامعة قليلا جدا، و معظمهم كان بصدد المغادرة، فجميع الكليات في إضراب حسب ما اطلعنا عليه، حيث أن كلية التكنولوجيات الحديثة للمعلومات و الاتصال و كذا معهد علم المكتبات و التوثيق، التي تجمعها بناية واحدة، لم نعثر بداخلهما إلا على عدد قليل جدا من الجامعيين، أكدوا بأنهم يرغبون في مواصلة الدراسة بشكل عادي، غير أن انقطاع غالبية الطلبة، حال دون قيام الأساتذة بتقديم الدروس و المحاضرات على حد تعبير محدثينا، الذين أشاروا إلى أن الأساتذة يحضرون فيجدون المدرجات فارغة، و لذلك يضطرون للمغادرة دون تقديم الدروس.
على مستوى كلية علم النفس، كان عدد من الطلبة يجلسون أمام مدخلها، الذي كتبوا عليه عبارة «لا دراسة لا تدريس»، و عبارة أخرى تنادي برحيل «العصابة»، و مئات القصاصات الصغيرة الملونة، التي علقت على أحد جدران الكلية، يعبر من خلالها الطلبة على مطالبهم، و انشغالاتهم، و قد حاولنا قراءة بعضها، و هي شعارات مستوحاة من الحراك.
و لم يختلف الوضع على مستوى باقي الكليات، فطلبة كلية العلوم الإنسانية و العلوم الاجتماعية مضربون، و قد تجمع عدد منهم أمام الكلية، حيث أوضحت مجموعة منهم بأن الدراسة متوقفة، و أغلب الطلبة لم يحضروا و كذلك الأساتذة، و هو أمر أكدوا بأنه لن يكون في صالحهم، و سيتسبب في نتائج وخيمة على مستقبلهم الجامعي، و الأمر نفسه بكلية الاقتصاد، حيث وجدنا بعض الطلبة متجمعين، و يبدو أن انقساما وقع بينهم، بين مؤيد و معارض للإضراب، على الرغم من اتفاقهم حول ضرورة مواصلة دعم الحراك و تنظيم مسيرات طلابية كل أسبوع، فبعضهم قال بأن الدراسة يجب أن لا تنقطع لأنها تتعلق بمستقبلهم، وأكد آخرون بأنهم في سبيل دعم مساعي الشعب، فهم مستعدون للتضحية بسنة دراسية مقابل ذلك.
 أساتذة ينضمون إلى الإضراب بجامعة قسنطينة 1

و سار طلبة جامعة قسنطينة 1، في نفس اتجاه طلبة باقي الجامعات، حسب ما وقفنا عليه، فعدد الجامعيين الذين كانوا يجوبون ساحاتها و كذا أروقة عمارتي العلوم و الآداب، بدا قليلا جدا، حيث علمنا أن طلبة كلية اللغات بتخصصاتها من أدب عربي و فرنسية و انجليزية و ترجمة مضربون، و كذلك طلبة كلية البيولوجيا، و نفس الأمر بالنسبة للعلوم القانونية بمجمع التيجاني هدام، و كذلك التخصصات التقنية، على غرار الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و التكنولوجيا.
و حتى الأساتذة أعلنوا عن دخولهم، في إضراب من خلال بيان أكدوا فيه بأنهم مضربون خلال هذا الأسبوع و من المرجح أن يمتد انقطاعهم عن التدريس للأسبوع المقبل أيضا، حسب ما أوضحه الأساتذة في بيانهم، بالمقابل فقد علمنا أن الطلبة تجمعوا أمس ببهو الجامعة مقابل عمارة الآداب، و تناقشوا حول الوضع الراهن، حيث أجمع أغلبهم على ضرورة العودة للدراسة بداية من الأسبوع المقبل، لأن الإضراب لن يكون في صالحهم، و حتى لو استأنفت الدراسة بعد أسابيع فسيكون الطلبة قد عطلوا مصالحهم، و ضيعوا وقتا طويلا.
شبح السنة البيضاء يخيم على الجامعات
و على العموم فإن أغلب الطلبة الذين تحدثنا إليهم أبدوا تخوفهم من الاتجاه نحو سنة بيضاء، تضيع معها سنة كاملة من مشوارهم الجامعي، و قد أكد بعضهم قلقه من استمرار الإضراب لوقت أطول، و الكثير منهم طرح تساؤلات حول الإجراءات التي ستتخذ و كذا الاحتمالات المطروحة، فمنهم من قال بأن الوزارة ستعلن عن الدخول في عطلة إجبارية، و بأن الدراسة ستستأنف بعد شهر رمضان، لتجرى بعد ذلك الامتحانات، و قال آخرون إن الامتحانات ستؤجل إلى شهر سبتمبر المقبل.
غير أننا لمسنا الكثير من عدم الاهتمام بمصير السنة الجامعية الحالية، في كلام فئة من الطلبة، قالوا بأن ما يهمهم في الوقت الراهن هو نجاح الحراك الشعبي و تحقق أهدافه، وبأن مستقبلهم الدراسي مرهون بمستقبل البلاد، موضحين بأن استكمال الموسم الدراسي في موعده أو في وقت مؤجل لا يهم كثيرا بقدر أهمية تحسن أوضاع الجزائر.  
عبد الرزاق.م

الرجوع إلى الأعلى