إنشاء هيئة مستقلة لا يكفي وحده لضمان شفافية الانتخابات
أكد الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال أن استحداث هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات لن يضمن شفافية العملية بنسبة مئة بالمئة، ولن يمكن للإرادة الشعبية، إلا في ظل وجود أحزاب قادرة على صناعة البرامج السياسية، والتأطير والتوعية الشعبية الحقيقية.
وقال دربال في رده على سؤال للنصر يتعلق بموقفه كرئيس هيئة سابقة لمراقبة الانتخابات، من مطالب الطبقة السياسية والحراك باستحداث هيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن إنشاء لجنة مستقلة تشرف على تنظيم الاستحقاقات لن يحقق عنصر الشفافية بنسبة كاملة، عكس ما يظنه الكثيرون، وإن كان إنشاؤها يعد خطوة متقدمة ومفيدة، وأمرا إيجابيا، لكنه يبقى غير كاف لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
وأفاد عبد الوهاب دربال، الذي كان يرأس الهيئة العليا المستقلة  لمراقبة الانتخابات، المستحدثة سنة 2016 بموجب التعديل الدستوري الأخير، بأن تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة تعكس نتائجها الإرادة الشعبية، لن يتأتى إلا في ظل وجود أحزاب سياسية قادرة على التوعية والتأطير الشعبي، وصناعة برنامج سياسي، ليكون الخيار الشعبي هو السيد، وليس نابعا من العروشية أو الجهوية أو من اعتبارات أخرى لا تعبر عن رغبة وإرادة غالبية الشعب.
ووصف المطلب المتعلق بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، بالقديم وهو ليس نتيجة للحراك الشعبي، إذ سبق وأن رفعته الأحزاب السياسية مباشرة بعد الانتخابات التشريعية لسنة 97، التي آلت نتائجها لصالح التجمع الوطني الديمقراطي بعد تأسيسه ببضعة أشهر، بحصده أكثر من نصف مقاعد البرلمان، ما أثار حفيظة الطبقة السياسية، ودعت حينها إلى التحقيق في نتائج الانتخابات، وإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على تنظيم الاستحقاقات دون تدخل من الإدارة، أي وزارة الداخلية.
ويرى دربال بأن المطالبة بهيئة مستقلة هو أمر إيجابي، لكنه لن يضمن تنظيم انتخابات شفافة بنسبة كاملة، بل قد يتحقق هذا الهدف بنسبة ضئيلة أو محدودة، بسبب طبيعة الأوضاع العامة للبلاد لا سيما في جانبها الثقافي والسياسي، لأن العملية الانتخابية هي ثقافة سياسية، ونجاحها مرهون بدرجة وعي الناخبين، وقدرة الأحزاب السياسية على التأطير وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة لدى الأفراد.
وقال المصدر بشأن تجربته على رأس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي تم حلها يوم 11 مارس الماضي من قبل الرئيس السابق، إن التقارير التي كان يرفعها لرئيس الجمهورية بشأن مجريات العمليات الانتخابية التي أشرفت الهيئة على مراقبتها، كانت أعنف وأقوى وأصدق من التقارير التي تعدها المنظمات الدولية، وتضمنت التجاوزات بدقة، بالأسماء والمناطق، وذكر على سبيل المثال حرمان مرشحين من المشاركة في الانتخابات بسبب الانتماء السياسي، مؤكدا أنه كان يعمل وفق ما يمليه عليه ضميره، وأعطى كامل جهده خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة الهيئة.
ونفى دربال خضوعه لضغوطات من جهات معينة، لكنه أكد مواجهة صعوبات عدة، بعضها ناجمة عن مواقف الأحزاب السياسية، فجميعها تعتقد إنها الأنفع والأفضل، وفق ما قال، معتقدا بأن الناس لا يخشون من التزوير وإنما من النظافة، وهو ما كان يؤكده في تصريحات سابقة، وأن الهيئة كانت مهمتها مقتصرة على المراقبة فقط، وتصدر التوصيات حول مدى التزام المعنيين بالعملية الانتخابية بالقانون. واعترف عبد الوهاب دربال بأن قانون الانتخابات الحالي مملوء بالفراغات ولا يضمن التزام جميع الأطراف بالقانون، فضلا عن الصلاحيات الجد محدودة الممنوحة للهيئة السابقة، ومع ذلك كانت أرضية جيدة، كان يمكن البناء عليها للخروج بهيئة كاملة الصلاحيات.
ورفض المتحدث التعليق على المبادرات السياسية التي أطلقتها تكتلات وممثلون عن المجتمع المدني ونقابات للخروج من الأزمة السياسية الحالية، قائلا إنه لا يريد التشويش عليها، متمسكا بتصوره بشأن كيفية ضمان نزاهة الانتخابات، معتقدا بأن بلوغ هذا الهدف يتطلب سنوات من الجهد والعمل، لا سيما من قبل الأحزاب السياسية، التي ينبغي عليها أن تجسد دور الرقابة خلال عمليات الاقتراع.
  لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى