يرفض رؤساء الأندية التخلص من «موضة» التحضير لكل موسم كروي جديد خارج أرض الوطن، بدليل إقامة تسعة فرق تربصات خارجية ما بين تونس وأوروبا، ويتعلق الأمر بكل من النادي الرياضي القسنطيني ووفاق سطيف وشبيبة القبائل وأمل الأربعاء وشباب بلوزداد واتحاد الجزائر وشبيبة الساورة الذين فضلوا التنقل إلى تونس، في وقت وقع اختيار كل من نادي بارادو ومولودية الجزائر على الوجهة الأوروبية، أين عسكر شبان الأكاديمية بسلوفينيا، فيما سافر وفد المولودية أمس إلى تركيا بعد تربص أول بمدينة عين الدراهم التونسية.

ولم تقتصر إقامة تحضيرات الموسم الجديد في الخارج على فئة الأكابر، وفي خطوة غير مسبوقة، يجري رديف نادي بارادو تربصهم التحضيري بمنطقة حمام بورقيبة.
يحدث هذا، في الوقت الذي توجد فيه أندية فضلت إقامة التربصات داخل أرض الوطن، في صورة الصاعد الجديد مولودية البيض واتحاد بسكرة اللذين تنقلا إلى الجزائر العاصمة، في انتظار فصل بقية الفرق في مكان إجراء التحضيرات للموسم الجديد، كونها إما باشرت التدريبات في اليومين الماضيين فقط في صورة اتحاد خنشلة أو لم تنطلق بعد استعداداتها للموسم الجديد، مثل ما يحدث مع هلال شلغوم العيد.
شكاو من غياب الأموال وتبذيرها في أول مناسبة
المتتبع لتصريحات غالبية رؤساء الأندية سواء قبل أو بعد انطلاق الموسم الكروي، يقف على الشكاوى الكثيرة من طرف المسيرين، والتي تصب معظمها في خانة غياب الدعم المادي، لكن في المقابل تجدهم يفضلون إقامة تربصات في الخارج، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام، ويرجع الكثير من أهل الاختصاص السبب إلى الرغبة في التقليد بالدرجة الأولى، خاصة عندما يتعلق الأمر بأندية لم تستطع حتى تسوية مستحقات اللاعبين الموسم المنقضي، وتمتلك بعض القضايا على مستوى لجنة المنازعات.
وأكثر من ذلك، فإن جل تصريحات رؤساء الفرق تصب في خانة البحث عن مصادر تمويل، وتتحدث عن الصعوبات في تسيير الموسم الكروي من الجانب المادي، وفي المقابل يتنقلون إلى الخارج لإقامة معسكرات تحضيرية ويبذرون بذلك أموال الدعم في أول مناسبة !
تكلفة التربص في الداخل أقل
وكان للنصر حديث مع عدة أطراف على دراية تامة بتكلفة إقامة التربصات في الخارج، خاصة في البلد الجار تونس، استقت منه معلومات وحقائق تخص التكلفة الإجمالية لمعسكر مغلق، حيث يصل في الغالب سعر غرفة مخصصة لشخصين إلى عتبة 2 مليون سنتيم لليوم، مثل ما هو الحال بالنسبة للنادي الرياضي القسنطيني، الذي يقيم حاليا تربصه التحضيري بمنطقة حمام بورقيبة التونسية وبالضبط بفندق المرادي، إلى جانب كل من شبيبة القبائل ووفاق سطيف، ما يعني بأن تكلفة تربص لمدة أسبوعين في حمام بورقيبة لوفد يضم حوالي 40 فردا مع مراعاة كل المصاريف الخاصة باستعمال ملاعب التدريبات وبرمجة المواجهات الودية، تتراوح ما بين 500 إلى 600 مليون سنتيم.وتعتبر تكلفة التربص في العاصمة تونس أو مدينة سوسة وفي أوروبا أكبر بكثير، على اعتبار أنه يتم إضافة مصاريف تذاكر الرحلات الجوية، إضافة إلى تكلفة توفير حافلة للوفد، بحكم أن مراكز التدريب بعيدة عن مقر الإقامة، وهو ما يعني بأن تكلفة التربص تتجاوز قيمة 600 مليون سنتيم، وهو رقم مرتفع نوعا ما، مقارنة بتكلفة تربص في الداخل، والذي لا تتجاوز تكلفته حدود 400 مليون بالنسبة لنفس العدد، وهو ما يعني بأن مسؤولي الفرق، يمكنهم توفير قيمة مالية قد يستعملونها مستقبلا في جانب آخر، مثل تحفيز اللاعبين من خلال رصد منح المباريات، وفق السلم المتفق عليه.
السلطات العمومية تشجع الاستثمار المحلي
وتصر السلطات العمومية على تشجيع الاستثمار المحلي، بدليل التصريحات السابقة لوزير الشباب والرياضة، والتي وجه فيها رسالة مباشرة إلى رؤساء الأندية، عندما دعاهم إلى إقامة التربصات التحضيرية الخاصة بالموسم الجديد في الجزائر، خاصة في ظل توفر المنشآت والهياكل القاعدية، في انتظار دخول عدة منشآت أخرى حيز الخدمة، بالنظر إلى المشاريع المبرمجة، وأبرزها مركز تحضير المنتخبات الوطنية التي ترغب الفاف في تشييده بمدينة الطارف، والذي سينافس مراكز التدريب في تونس، سيما الموجودة في منطقتي عين الدراهم وحمام بورقيبة، بحكم أن القائمين على شؤون الكرة الجزائرية أكدوا بأنه سيوضع تحت تصرف الأندية.
فترة الجائحة «أنصفت» هياكل الجزائر
لا يختلف اثنان، بأن فترة الجائحة أنصفت هياكل الجزائر، كيف لا وجميع الفرق حضرت داخل أرض الوطن، ودون وجود أي مشاكل، رغم الصعوبات الموجودة في تلك الفترة الحساسة، بعد أن وجد رؤساء الفرق أنفسهم أمام الأمر الواقع، وأجبروا على برمجة معسكرات بمختلف المدن الجزائرية، بناء على قرار السلطات العمومية بغلق الحدود البرية والجوية والبحرية.وعرفت فترة التحضيرات الصيفية الموسم المنقضي، وجهات غير مسبوقة من طرف الفرق المحلية، خاصة في غرب البلاد، بعد أن أقامت عدة فرق تحضيراتها بمدينة الشلف ومستغانم وتلمسان، أين توصل الأمر إلى حد استقبال مركز التحضيرات بمدينة الشلف لقرابة 15 فريقا في فترات مختلفة، والعملية سارت في أحسن الظروف، ودون حدوث أي مشاكل تنظيمية، بل أكثر من ذلك لم يتحدث أي مسير عن وجود نقائص، سواء بالنسبة لمقر الإقامة أو المنشآت.
حجة الوديات سقطت في الماء
تعود رؤساء الأندية على التحجج بكون إقامة التربص في الخارج، يسهل عملية إيجاد منافسين للتباري معهم وديا، غير أن الواقع أثبت العكس تماما، على اعتبار أن الفرق الجزائرية تجد نفسها عند التنقل إلى تونس، وبالضبط إلى منطقتي حمام بورقيبة وعين الدراهم أمام حتمية إقامة مباريات أمام فرق من مستويات متدنية، مثل ما هو الحال بالنسبة لكل من شبيبة القبائل والنادي الرياضي القسنطيني الذين واجها فريق عين الدراهم الناشط في الدرجة الرابعة التونسية وفازا عليه بنتيجة ثقيلة، ما يطرح علامات استفهام حول أهمية مثل هذا النوع من اللقاءات، وأكثر من ذلك، فإن السنافر أجروا مواجهة ودية أمام رديف الباك.وفي السياق ذاته، فإن برمجة التربصات داخل أرض الوطن، يسمح للفرق ببرمجة دورات مصغرة، تسمح لهم بضمان أحسن تحضير للموسم الجديد، مثل ما تقوم به الأندية الأوروبية، وأكثر من ذلك فإن تواجد جل الأندية في نفس المناطق، يسمح لهم ببرمجة وديات دون عناء، ودون المرور عبر وسطاء يبحثون عن جني الأموال فقط.
مسيرون يتحدثون عن الجانب النفسي !
ومن بين الأسباب التي يتحدث عنها بعض رؤساء الفرق بخصوص برمجة التربصات خارج أرض الوطن، نجد الجانب النفسي والبحث عن التحضير بعيدا عن الضغط، على الرغم أن بعض الأندية عمدت هذه المرة إلى «تهريب» اللاعبين من ردة فعل الأنصار وغضبهم من المسيرين، مثل ما حدث مع النادي الرياضي القسنطيني واتحاد الجزائر، وإلا كيف نفسر إلغاء التربص التحضيري الذي كان مبرمجا للسنافر تحت قيادة المدرب مضوي، قبل برمجة تربص آخر في أقل من أربعة أيام وفي نفس المنطقة، ودون توفر أدنى الشروط والمتمثلة في البدلات الموحدة، والكل يتذكر كيف صنعت صور تنقل رفقاء رحماني إلى تونس كل بلباسه الخاص الحدث، والحال كذلك بالنسبة لأبناء سوسطارة، الذين ألغوا تربصا تحضيريا في تركيا قبل برمجة آخر في تونس في أقل من أسبوع، مع إقالة الطاقم الفني وتعيين طاقم فني جديد بقيادة المدرب بوعلام شارف، الأمر الذي جعلهم يبحثون عن إبعاد اللاعبين من ضغط «المسامعية»، الذين لم يتقبلوا القرارات المتخذة من طرف الشركة المالكة.
استفاقة رؤساء الأندية مؤجلة
ويبقى السؤال المطروح في الفترة الحالية، متى يستفيق رؤساء الأندية من سباتهم ويعودون إلى جادة الصواب؟، خاصة وأن كل الإمكانيات متوفرة، ومراكز التدريب موجودة سواء في شرق البلاد، في صورة مركز «الباز» بسطيف ومركب سيرايدي بمدينة عنابة، والحال كذلك بالنسبة لغرب البلاد، في وجود عدة هياكل في مدن مختلفة، في صورة مراكز الشلف ومستغانم وتلمسان، دون أن ننسى المنشآت التي استفادة منها مدينة وهران، بمناسبة احتضانها ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وخاصة القرية المتوسطية، التي تتوفر على ملاعب للتحضيرات ومقر إقامة يمكنه استيعاب الآلاف من الزوار.ويرى الكثير من أهل الاختصاص، بأنه بات من الضروري مراجعة بعض رؤساء الأندية حساباتهم، خاصة بالنسبة للفرق التي تعاني من مشاكل مادية، ولا تتوفر على ممولين أو شركات رعاية، من أجل ترشيد النفقات، حتى يتسنى لهم تسيير الموسم الكروي بأريحية.وما يتوجب الإشارة إليه، هو أن إقامة الأندية تربصات داخل أرض الوطن تكون فوائده جماعية، سواء بالنسبة للفرق أو حتى مراكز التدريب، وهو ما يشجع بالدرجة الأولى الاستثمار المحلي، ويضمن بقاء هذه المنشآت وعدم زوالها من جهة، ومن جهة ثانية يجبر مسيروها على ضرورة المحافظة عليها، والبحث عن تطويرها، من خلال توفير الوسائل الضرورية لإنجاح المعسكرات، والعناية بالملاعب سواء المعشوشبة طبيعيا أو اصطناعيا.

حمزة.س

الرجوع إلى الأعلى