المرأة الغائب الأكبر في الروايات التاريخية

اعتبرت بعض المشاركات في ملتقى دولي حول "النساء المقاومات" احتضنته قسنطينة مؤخرا، بأن المرأة المناضلة لم تنصف من المنظور الأدبي، حيث كانت الغائب و الصامت الأكبر في الكثير من الروايات التاريخية التي يكتبها الرجال، و إن برزت فإن دورها يكاد يكون ثانويا، عكس الكتابات النسائية على قلتها التي منحتها حيزا أكبر و دورا محوريا.
رصدتها مريم  بحشاشي


أسيا جبار أعادت للمرأة المناضلة صوتها
ترى الأستاذة أم السعد حياة(جامعة الجزائر 2) المختصة في تحليل الخطاب و الدراسات التداولية، و المهتمة بما تكتبه المرأة في الوطن العربي بأن الروائيتين آسيا جبار و المصرية رضوى عاشور، حاولتا الكتابة  بطريقة سردية، تنحوان من خلالها نحو مقاومة تعيد بها إلى السطح حقوق المرأة و أهميتها في المجتمع،  مقارنة بما  تقدمه الحركات النسوية العالمية، و اعتبرت أن الكاتبتين تشتركان في نقطة أساسية، حيث خرجتا عن منظور المرأة المقموعة من قبل  الرجل، نحو القضايا الكبرى المتعلّقة بالأفكار و حق البقاء، مشيرة إلى أعمال آسيا جبار، قائلة بأن  أغلب نصوصها الروائية، تدور حول المرأة التي   تقاوم  لإسماع صوتها و لأجل تحريره  لنيل الحقوق، مستشهدة بروايتها "امرأة بلا ضريح" التي جسدت البطلة زليخة،  في قصة كفاح امرأة حرمت بعد استشهادها من مراسم الدفن ليبقى قبرها مجهولا، لأنها كانت من بين النساء المقاومات اللواتي حملن معنى المقاومة جسدا و ذاكرة و تاريخا و لغة.
و قد حاولت آسيا جبار من خلال ذاكرة نساء مقاومات كابنتها هانية و صديقة دربها  السيدة ليون و كل النساء في الرواية، أن تبيّن بأن المرأة أكبر من قضية صراع  مع الرجل، و أن كل الشخصيات اجتمعت لترسم صورة امرأة  مقتنعة بقضيتها، لم تخشى الجبل و لا الجنود الذين وقفوا أمامها لحملها و رميها من المروحية، فقد صعدت وهي شامخة الرأس.و اعتبرت الباحثة بأن الكاتبة أنصفت المرأة المناضلة، في جل أعمالها و انضمت بذلك إلى الفئة القليلة من الروائيين الذين رفعوا  من شأن المرأة و بيّنوا بأنها عقل و ليس مجرّد جسد، و ردت بطريقة راقية على الذين تعمدوا تهميشها أدبيا، حيث لم يكن لها حضور بين كتابات الكثيرين، كما كانت الغائب و الصامت الأكبر و كأنهم لا يعترفون بحقها في الوجود، مثلما قالت معلّقة بأنه "من المفروض أن يكون الأديب صوت و صورة لمجتمعه فإن لم يستطع أن يستمع له و يحيط به فلا حاجة للمجتمع به في إشارة  إلى فئة من الكتاب خندقت صورتها في الجسد،  فإن روادها حسبها أدباء انساقوا وراء ما يريد الغربي رؤيته في المرأة الشرقية، و الذي  يذكرنا  بلوحة دي لاكروا"نساء الجزائر في مخضعهن" التي ركزت على زاوية العري و الحلي، تلك الزاوية التي تأسفت لوقوف كتاب جزائريين إلى جانبها و ترسيخها، و هو ما اعتبرته إجحافا في حق المرأة الجزائرية.

الباحثة الفلسطينية "يسار حمودة" (جامعة بير زيت) : المرأة مناضلة حتى لو لم تحمل السلاح

لا يمكننا القول بأن الأدب لم ينصف المرأة المناضلة، لأنه أعطاها دفعا، و إن كان منقوصا، غير أن الحياة تفرض على المرأة التوثيق، لذا لا يجب أن تنتظر إنصافا من أي كان، بل عليها أن تأخذ من الأدب ما يحفزها على التقدّم و ليس الرجوع إلى الوراء مهما كان نوع أو هدف المؤلف الأدبي، لأن الإيمان بالقضية هو الأهم و طالما بقيت الأرض و الوطن مغتصبان فعليها تجاوز مسألة الجنس، الذي قد يضعفها و يجعلها تستسلم، بل بالعكس هي من أثبتت على مر العصور بأنها لا تقل قوة و عزيمة عن الرجل حتى و إن لم تبرز تضحيات الكثيرات منهن، ما عدا  بعض من حالفهن الحظ و وجدن من يكتب عن تضحياتهن و نضالهن.
المرأة لا تقل فعالية عن الرجل، فهي أم و زوجة و إطار في آن واحد و هي مطالبة بأضعاف ما هو مطلوب من الرجل،  و حتى لو لم تحمل السلاح فهي مجاهدة و مناضلة و مكافحة باستمرار. و أرفض فرضية إنصاف الأديبة للمرأة المناضلة أكثر من الأديب لأن هذا لا يحدث دائما و الأمثلة كثيرة عن نساء شوهن صورة النساء في الوقت الذي لمعه أدباء رجال.

الباحثة زينب علي بن علي (جامعة باريس 8): الأدب خزان الذاكرة و أسيا جبار أكثر من أنصف المرأة
ليس من دور الأدب إنصاف المرأة المناضلة، لكنه يبقى خزان ذاكرة المجتمع بنسائه و رجاله، فمثلا الشهيدة زليخة عدي، جهل الكثيرون تضحياتها، لولا رواية آسيا جبار التي برزتها بقوة. كما أن دور الأدب ليس كتابة التاريخ و إنما سرد القصص التاريخية، فهو بإمكانه تصوير فظاعة العنف اللفظي كما جاء في شعر شاعرة الأوراس آنا غريكي، التي قالت في إحدى شهاداتها الحية"لقد قالوا لي عبارات تمنيت قبر نفسي(لشدة الخجل)" حيث نجحت في إيصال ذلك المعنى القوي بكلمات قد يعجز المؤرخ في إيجاد لفظ مكافئ له، لأن المسرح و العبارات الأدبية أقوى وقعا و تعبيرا.
 و إن قدمت أمثلة عن أديبات نساء لا يعني أن النساء ينصفن بنات جنسهن أكثر من الرجال، لأن ثمة من الأدباء الذين ساهموا بكتاباتهم في إبراز دور و نضال المرأة بشكل يبعث على الفخر و بموضوعية تحسب لهم، غير أن الأعمال الأدبية النسائية كان لها هي الأخرى دور مهم في إثراء رصيد الكتابات عن النضال النسائي و من هؤلاء أسيا جبار، يمينة مشاكرة و ليلى عيساوي .. و الأمثلة كثيرة لأديبات ساهمن في إبراز تضحيات النساء، و بشكل خاص آسيا جبار التي تعد واحدة من أهم الكاتبات الجزائريات كتابة عن المرأة، باعتبارها وظفت أكبر قدر من الشخصيات النسائية، منذ روايتها الأولى ''العطش'' ثم روايتها الثانية "المتلهفون". كما لم تطفئ أسيا جبار ظمأها للحديث عن المرأة والمقاومة، فنشرت رواية "امرأة بلا قبر"عام  2002، حول زليخة يمينة عدي، المجاهدة الشهيدة التي قاومت الاستعمار إلى جانب زوجها، متحدية بطش الجيش الفرنسي واستبداد التقاليد، و رفعت السلاح واختلطت بالمجاهدين، قبل أن يحاصرها الجيش الفرنسي في الجبال بأعالي شرشال، و يقودها إلى السجن، أين عذّبت وقتلت و دفنت في مكان مجهول، لا يعرف أحد مكانه إلى اليوم.

الأديبة اللبنانية سهى بشارة: الميراث الذي تحمله المناضلة  في كفنها جدير بالتوثيق بقلمها
عندما نتحدث عن الأدب فنحن لا نعرف إلى أي أديب نشير و الجهة التي تقف خلف كتاباته، و الهدف من ورائها، و نحاول الاعتماد على ما هو أمامنا فقط، و مع هذا يمكننا القول بأن ما يتم عرضه من كتابات سواء أدبية أو توثيقية تبقى محاولات محتشمة لاستعادة ذاكرة مناضلات حاول المجتمع الذكوري إخفاء الدور المهم الذي لعبنه بشكل أو بآخر من خلال مقاوماتهن في حرب التحرير كما هو الحال بالجزائر أو في دول أخرى.
و في رأيي الأدب فن و واجب و لا يكفي أن تكون لدى المرأة تجربة في فن الكتابة لأجل تدوين و توثيق ما تراه حقا و واجبا لإظهار و إبراز كفاح و نضال بنات جنسها اللائي بقين في الظل و لم يتحدث عنهن أحد كما لم يحرّك حتى الأقربون ساكنا لإزاحة الستار عن قصص كفاحهن و تضحياتهن و تفانيهن، رغم ما قدمته الكثيرات من دروس و عبر .. لا يجب فسح المجال للآخر الذي لا يأخذ المرأة بعين الاعتبار، للكتابة عنها، لأنه إذا فعل سيجسد ذلك على مساحته و ليس على مساحة المرأة التي لها دور كامل و متكامل في هذا المجتمع إلى جانب الرجل و في بناء الوطن الذي حلمت فيه بعدالة اجتماعية و ديمقراطية. المرأة المقاومة  لا زالت بعيدة و لم تنصف بعد في الكتابات الأدبية و عليها القيام بذلك بنفسها، لأننا اعتدنا في أدب المقاومة أو السجون استفراغ الكلمات التي قد يمل منها القارئ بعد مرور لحظات قليلة من قراءتها، يمكن لأنها تفتقد لأسلوب أدبي ، لكن بالنسبة إلي يبقى ذلك مهما من الناحية التوثيقية، فالمناضلة غير مطالبة بأن تكون أديبة أو شاعرة أو سينمائية، لكي تساهم في كتابة التاريخ لأن الميراث الذي تحمله في كفنها جدير بالتوثيق من خلال سير ذاتية بإمكان الأدباء و المؤرخين استغلالها  في التوثيق الأكاديمي الذي اعتبره واجبا وطنيا.

الرجوع إلى الأعلى