“ الـنمـوذج الجـديـد ” سيـجنـب الـبـلاد  أزمــة إقتـصاديــة

تكشف الحكومة هذا الشهر عن نموذج اقتصادي جديد ستتبعه البلاد لمواجهة الظروف الاقتصادية والمالية الحالية الناتجة عن التراجع الرهيب في أسعار النفط منذ أكثر من عام، وقد سبق للوزير الأول عبد المالك سلال أن أعلن بداية شهر مارس الحالي عن هذا النموذج.
     النموذج الاقتصادي الجديد الذي تعتزم الحكومة اتباعه في المستقبل لن يكون مجرد خطة إنمائية عادية مثل تلك الخطط التي طبقت في الـ 15 سنة الماضية على مراحل، لكنه استراتيجية تنموية شاملة بآليات وقواعد ووسائل جديدة تأخذ في الحسبان الظرفية المالية والاقتصادية الحالية للبلاد، وكذا الظروف الدولية الراهنة على جميع الاصعدة  من أجل تحقيق النجاعة الاقتصادية والمرور بالاقتصاد الوطني نحو مرحلة جديدة قائمة على خلق الثروة بمختلف اشكالها.هي فلسفة اقتصادية جديدة ستطبق لاحقا وستشرح للشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين خلال الثلاثية التي ستعقد شهر جوان المقبل كما وعد بذلك الوزير الأول عبد المالك سلال، فلسفة هدفها إحداث قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني من جميع الجوانب وعلى كافة المستويات، والقفز به من التبعية المطلقة للمحروقات التي اثبتت محدوديتها إلى مرحلة جديدة قائمة على العمل والاستثمار في المؤسسات الصغيرة التي تعد صلب الاقتصاد العالمي الجديد. و الحكومة التي عملت منذ سنوات بسنة التشاور والحوار مع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين ستضع هذا النموذج الجديد بالتنسيق معهم، وبطبيعة الحال فإن لكل طرف منهم رؤيته الخاصة ومفهومه المميز للأولويات، وهو ما عبروا عنه في هذا الملف الخاص.

أعمر تقجوت قيادي في المركزية النقابية ورئيس فدرالية النسيج
لابد من  التركيز على الفلاحة والصناعة التحويلية
يقدم القيادي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين ورئيس فدرالية النسيج أعمر تقجوت في هذا الحوار مقاربة متكاملة لبعث الاقتصاد الوطني تقوم اساسا على إيلاء أهمية كبرى لقطاع الفلاحة والصناعات التحويلية المرتبطة به وكذا الصناعات التحويلية في قطاعات أخرى وقطاع المناولة، وهو يعتقد أن أهم ربط لبعث وتقوية أي اقتصاد هو التنظيم، تنظيم المؤسسة الاقتصادية في المقام الأول من كل الجوانب، وكذا احترام القوانين. و يقول أن كل القطاعات استراتيجية ولها مكانتها وأهميتها وهي تكمل بعضها البعض لذلك لابد من الاهتمام بها من جانب ضمان حصة محترمة لها في السوق المحلية والخارجية على الخصوص.
 النصر: هل لديكم في المركزية النقابية فكرة عن النموذج الاقتصادي الجديد الذي تعتزم الحكومة الإعلان عنه قريبا؟.
-  أعمر تقجوت: لا يوجد من يعطينا مضمون تصريح الوزير الأول الخاص بالنموذج الاقتصادي الجديد، وليست لدينا أي فكرة عنه حتى الآن عدا بعض الخطوط العريضة التي قرأنا عنها في وسائل الإعلام، وفي اعتقادي ربما سيكون هذا النموذج الجديد مستمد مما هو موجود في العقد الاجتماعي والاقتصادي للنمو، أو ما سبق وأن درس في إطار الثلاثية.  وربما الأمر يتعلق بآليات جديدة لتحريك الاقتصاد الوطني حتى يسير بسرعة، ولا نعرف إن كانت الإشكالية تقنية تتعلق بالآليات، أم أن الأمر يتعلق بفلسفة أخرى جديدة للاقتصاد الوطني، من الناحية الفلسفية، اعتقد أن الشغل الشاغل في خطاب الوزير الأول هو كيف نجعل الاقتصاد الوطني ينطلق وبوتيرة سريعة.
 وكيف تتصورونه؟
 - في تصوري النموذج الاقتصادي المرتقب لابد أن يرتكز على الفلاحة، أي تقوية القطاع الفلاحي بشكل كبير، و كذلك على الصناعة التحويلية لأنها هي القاعدة، وهذا ما يطلق عليه «الاقتصاد الأولي»، إذ لابد علينا أن نتحكم فيه بقوة، لكن السؤال المطروح كيف يمكننا خلق الظروف المواتية لبعث قطاع الفلاحة والصناعة التحويلية المرتبطة به؟.
بمزيد من التفصيل في رأيي يجب إعادة النظر في سياسة تربية المواشي بصورة عامة، في نمط التسيير وفي إنشاء المؤسسات الصغيرة المرتبطة بها،  اعتقد أن الامكانيات المالية المتوفرة لدى الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب وصندوق التأمين على البطالة وغيرها لابد أن توجه لهذا القطاع، يجب خلق مؤسسات مصغرة في ميدان تربية المواشي والتكوين والتسيير.
فضلا عن تربية المواشي يجب بعث الصناعات التحويلية في جميع المجالات، ليس من المنطق ولا من المقبول أبدا أن لا نملك صناعة بتروكيمياوية اليوم كما كنا في السابق، ونستورد كل شيء في هذا المجال من الخارج، إذن هناك قطاعات يمكننا تطويرها وإعطاء الأولوية في مجال صرف الأموال لها، صحيح الخدمات لها مكانتها لكن علينا خلق مؤسسات منتجة.
لقد فقدنا الكثير من مؤسساتنا المنتجة مقارنة بما كنا عليه في وقت سابق، فالصناعة التحويلية والبتروكيمياء لا غنى عنها، والمناولة عنصر مهم اليوم أيضا ولها مكانتها في المجمعات الكبرى مثل سوناطراك وسونلغاز  ومؤسسات صناعة وتركيب السيارات، وهذه القطاعات يمكنها خلق المئات من المؤسسات الصغيرة المنتجة، وهي قطاعات منشئة لمناصب الشغل، وبإمكانها إعطاء أهمية اقتصادية لمناطق عديدة عبر أرجاء القطر الوطني حتى الفقيرة منها.
 ماهي طبيعة التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني اليوم في رأيكم؟
- التحدي الاول يتمثل في تطهير الوضعية الاقتصادية الحالية، نحن نريد أن نعرف تنظيم المؤسسات وكل ما يتعلق بها، لابد أن نعرف القدرة الاقتصادية لكل مؤسسة.
كما لابد علينا أن نخفف الضغوط البيروقراطية على المؤسسات الاقتصادية وعلى العمال كذلك، وعلينا احترام القوانين وهذا شيء مهم جدا، لا يمكن بناء اقتصاد قوي وحقيقي دون احترام القوانين، قوانين العمل والجباية وغيرها، والقانون الذي تجاوزه الزمن لابد أن يغير وليس من العيب النضال من أجل تغييره شريطة تقديم المبررات المقنعة والواقعية.
وهناك ايضا مشكل التنظيم،  هذا الأخير له اهمية كبيرة في تطور أي مؤسسة، فإذا لم يكن التنظيم ستبقى البيروقراطية تنخر كل شيء، والتنظيم يكشف عيوبا عديدة ويكشف الانتهازيين المنتفعين ويدفع بالموازاة نحو تنقية القطاعات وتطهيرها، أي بناء أو هيكل يتم من الأساس ثم يتصاعد تدريجيا، مثلا قبل خلق كنفدرالية لابد من خلق فدراليات نشطة أولا في أي قطاع، وعلى أرباب العمل أن ينظموا أنفسهم في نقابات قطاعية، مثلا منتدى رؤساء المؤسسات نعرف عنه اليوم أنه فضاء للتفكير وفقط، لكن هل له إحصائيات مثلا؟ نحن نريد معرفة هوية كل طرف،  ومعرفة ما يدور حقيقة في القطاع الخاص.
 برأيكم ماهي القطاعات الاستراتيجية العمومية التي يجب التركيز عليها في المرحلة الأولى؟
- ما معنى قطاع استراتيجي أولا؟ في اعتقادي كل القطاعات استراتيجية، يمكن ان تقول ماهي مكانة القطاع الفلاني في السوق أو حصته في السوق؟ هذا شيء آخر.
الإشكالية عندنا والمؤسف أن مؤسساتنا ليست لها مكانة في سوقنا الداخلية  ولا في أسواق الآخرين، والآخرين لهم مكانة في سوقنا، لا يهم أن تكون حصة قطاع معين متواضعة في السوق الوطنية، لكن المهم أن تكون له حصة في الأسواق الإفريقية والعربية والأوروبية وغيرها، وهذا مهم جدا لأن الاحتكار غير موجود في كل العالم.
من هنا أرى أن الإشكالية المطروحة اليوم هي كيف نحصل ونضمن مكانة أو حصة في السوق الخارجية لمؤسساتنا ومنتوجنا؟، هذه هي قواعد المنافسة، لدينا منتوج لابد أن يدخل المنافسة والسوق هو الحكم في النهاية، وهو الذي يدفع إلى تحسين وتطوير هذا المنتوج، وعليه فإن كل قطاع استراتيجي وكل قطاع لابد أن يكون منافسا، اليوم مثلا القطاع الصناعي لا يمثل سوى 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، الفلاحة تمثل بين 30 - 35 بالمائة فقط، والنسيج لا يتعدى 04 بالمائة.
 إذن كيف يمكن ترقية المنتوج الوطني؟
-  هذا يمر عبر عدة مراحل أولها الانتاج لابد أن يكون غزيرا وكثيفا، ثانيا تقديم الإعانة اللازمة لهذا المنتوج الوطني عبر عدة مستويات و إعطاء أهمية أكبر له وترقيته تمر عبر المؤسسة –أي ترقية المؤسسة و إيلاء الأهمية اللازمة لها، من حيث التنظيم ومعرفة ما يدور بداخلها و كذا من جانب التفاف المهنيين بها والتحاور بينهم على كل شيء وعلى كل نقطة وعلى كل مشكل.
 وهنا أصل إلى إشكالية كبيرة تنقصنا اليوم هي إشكالية الاتصال وهي غائبة في اعتقادي، لابد أن نتعلم كيف نسمع وكيف نتكلم ونستفيد.
نعود إلى قطاع النسيج ما هو واقعه اليوم و آفاقه بعدما التفتت الحكومة إليه مؤخرا؟
- علينا أن نعلم أولا أن القطاع الصناعي الجزائري بصورة عامة دمر وصحّر منذ 25 سنة، وعليه لا يمكننا إعادة بنائه في ظرف 3 أو 5 سنوات، بالنسبة لقطاع النسيج فإن التحول في موقف الحكومة كان في قانون المالية لسنة 2009، الذي نص على تفعيل القطاع، وفي سنة 2011 اتخذت جملة من القرارات على مستوى مجلس مساهمات الدولة فوضع  مخطط إنقاد وطلب من القطاع تقديم مخطط تنمية إلى غاية 2019 بهدف الوصول إلى تغطية ما نسبته 10 إلى 15 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، وفي 2012 اتخذت جملة من القرارات أيضا تخص التطهير المالي، ومنح قروض مالية للاستثمار والتكوين. قطاع النسيج كبير وهو لا يعني الألبسة كما يعتقد الكثيرون، وإعادة بعثه من جديد  تتطلب وقتا، فجلب آلات ضخمة وكبيرة تطلب منا أربع سنوات حتى تمكننا من تركيبها، واستطيع القول أننا اليوم في مرحلة نهاية الاستثمار، وهناك مؤشرات ايجابية وتطور ملحوظ في هذا الجانب ولو بوتيرة بطيئة، مشكل الرواتب لم يعد مطروحا، لكن ما زال أمامنا مشكل التأهيل والتكوين وقد وضعنا برنامجا مع وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين والتعليم المهنيين لسد هذه الثغرة.
 وفي آفاق سنة 2019 سيكون بإمكاننا تقديم منتوج وطني لا بأس به ومضاعفة مكانة القطاع في السوق الوطنية إلى 10 بالمائة وهذا ليس بالأمر الهين، وسيخلق القطاع بين 30 إلى 35 ألف منصب شغل مع دخول مصنع غليزان الخدمة.
حاوره محمد عدنان

كاتب الدولة الأسبق للاستشراف و الإحصائيات بشير مصيطفى
الاستـدانـة الـداخـلـية ضـروريـة و الـحكـومـة مطـالـبة بـإصـدار دينـار جـديـد
أكد كاتب الدولة الأسبق للاستشراف و الإحصائيات بشير مصيطفى أن  النموذج الاقتصادي الجديد الذي أعلنت عنه الحكومة كفيل بتجنيب البلاد أزمة اقتصادية، موضحا أن الجزائر تحتاج إلى  نسبة نمو تتراوح بين 7 و10 بالمائة سنويا في آفاق 2030 ، ويرى أن نموذج النمو الجديد يحتاج إلى ثلاث سياسات والمتمثلة في  سياسة الاقلاع الاقتصادي والصعود الاقتصادي بالإضافة إلى رؤية التطور الكامل على  مستوى الصناعة والتكنولوجيا، كما يتطلب هذا النموذج خلق وزارات جديدة على غرار وزارة اقتصاد ووزارة منتدبة للجباية ، و نوه بالخطوة التي اتخذتها الحكومة بالتوجه إلى الاستدانة الداخلية بدلا من الاستدانة الخارجية ، وأضاف في هذا الحوار مع «النصر» أن التوازنات الاقتصادية مضمونة إلى غاية 2019 بناء على نموذج النمو الحالي.
 وبخصوص عملية استقطاب البنوك للكتلة النقدية الموجودة في السوق الموازية فقد دعا إلى ضرورة إصدار دينار جديد و خلق وزارة منتدبة للجباية تعمل على تحصيل الجباية المهربة، و خفض نسب الجباية و توسيع وعائها ، من جانب آخر توقع أن تستقر أسعار النفط في حدود 40 دولارا للبرميل في حالة تجميد إيران لخطتها المتعلقة بضخ 4 مليون برميل من النفط في السوق الدولية.
 النصر: الحكومة تحضر للإعلان عن نموذج اقتصادي جديد مرتقب في شهر أفريل المقبل ما هي الخطوط والمحاور التي سيقوم عليها هذا النموذج الجديد في اعتقادكم؟
- بشير مصيطفى: لا يوجد شيء اسمه نموذج اقتصادي بل هناك نموذج نمو، والجزائر تحتاج إلى نمو بين 7 و10 بالمائة سنويا في آفاق 2030، ومن الناحية التقنية لتحقيق هذا النموذج الجديد نحتاج إلى ثلاث سياسات ، أولا: سياسة الاقلاع الاقتصادي، التي يمكن أن نحققها في عام 2021، بالنظر إلى أن امكانيات البلاد تسمح بتحقيق الاقلاع الاقتصادي في آفاق2021، أما السياسة الثانية فهي الصعود الاقتصادي التي يمكن أن تتحقق ما بين سنة 2030 إلى 2035، وهذا هو النموذج الذي تتبعه كل من الهند وروسيا و البرازيل وجنوب افريقيا ودول أخرى، و تتمثل السياسة الثالثة في رؤية التطور الكامل على  مستوى الصناعة والتكنولوجيا في سنة 2050  وهذه السياسات الثلاث المذكورة تتطلب نموذج نمو جديد يتميز بما يلي، من حيث المحتوى : يكون نموذج متوازن (14 قطاعا اقتصاديا تشتغل بمستوى عال بما فيها المحروقات)، لأن النموذج الذي نشتغل عليه اليوم غير متوازن ويعتمد على ثلاثة قطاعات فقط وهي المحروقات، التجارة، والبناء والأشغال العمومية و الري، و عليه يجب توسيع نظام النمو الجديد ليكون متوازنا من خلال توسيعه إلى 14 قطاعا اقتصاديا ( الفلاحة، الصناعات الصيدلانية، الصناعات الفلاحية، صناعات المعرفة، الصناعة الالكترونية، الميكانيكية...) .
 ثانيا من حيث المحتوى لابد أن يكون نموذج النمو لا مركزيا، ، ونعني بذلك ادماج الولايات، تخطيط و يقظة الإقليم، ادماجهم في القرارات الاقتصادية للدولة، أي أخذ القرارات من الولايات و ليس من المركز، و هذا يدخل فيه معياران إثنان، الأول معيار جذب الولايات للنمو، حيث  تصبح الولايات لديها مستوى نمو ذاتي داخلي( ثروة الولاية، جباية الولاية، صناعة الولاية ) بمعنى اقتصاديات الولاية، وهو ما نسميه جذب النمو، أما المعيار الثاني هو التنافسية أي رفع قدرة الولايات على تحقيق الجودة و السعر التنافسي لسلعها، و يأتي هذا المعيار عن طريق تطوير مناخ الولايات لتحقيق التنافسية، ومعلوم أن النموذج الحالي ليست فيه تنافسية للولايات بل تنافسية للمدن، مثلا العاصمة، قسنطينة ،عنابة، وهران، مدينة حاسي مسعود، و بالتالي من المفروض في نموذج النمو الجديد أن تقلب المعادلة وتعطى الفرصة للولايات لتحقيق تنافسية و تصبح منافسة للمدن الكبرى.
بينما المحتوى الثالث في نموذج النمو فيتعلق بتطبيق التخطيط الاستراتيجي( الاستشراف، الاحصائيات، اليقظة، الابتكار في البحث العلمي ، المحتوى الاقتصادي للتعليم ، المؤسسة الذكية، الادارة الجديدة للمؤسسات، الشراكة الاستراتيجية بين القطاع العام والخاص، تكوين الموارد البشرية، الذي هو التكوين في رأس المال البشري سواء تعلق الأمر بالعمال أو المسيرين، فالمؤسسات تحتاج إلى مخطط عالي لكلا الفئتين، مرونة سوق الشغل، مرونة السياسة النقدية للدولة، ومرونة السياسة الجبائية للدولة)، كل هذه الحزمة تعبر عن مفهوم التخطيط الاستراتيجي الذي يغيب عن النموذج الحالي القائم على قانون المالية فقط كل سنة، والتخطيط الاستراتيجي هو رؤية بعيدة المدى في الاستشراف تمتد إلى 2030 و 2035، حيث يصبح قانون المالية انعكاس للاقتصاد و ليس العكس.
 النصر:  النموذج الجديد هل سيحتاج إلى خلق وزارات جديدة في الحكومة؟
 بشير مصيطفى: هذا النموذج يتطلب هياكل اقتصادية من نوع  وزارة اقتصاد أو وزارة تنمية صناعية كما يتطلب وزارة منتدبة للجباية، فاذا خلقنا مثل هذه الوزارات فإن 50 بالمئة من فرص النجاح ستتحقق، و تبقى الـ50 بالمائة الأخرى تتوقف على أداء هذه الوزارات لأنه لا يكفي إنشاؤها وفقط و إنما أيضا مستوى أدائها.
النصر: لا تزال الجزائر متحكمة في التوازنات الاقتصادية الكبرى كما تؤكد الحكومة ، ماذا تقولون في هذا الشأن؟
  بشير مصيطفى: في نموذج النمو الحالي توازنات الاقتصاد مبنية على تدخل الميزانية، أي على الجباية،152 مليار دولار احتياطي الصرف، و24 مليار دولار في صندوق ضبط الايرادات ، حسب التوقعات المتعلقة بالعام الجاري 2016، معناه أن الميزانية ممكن أن تتواصل إلى غاية 2019 في الانفاق الحكومي، و بالتالي التوازنات مضمونة إلى غاية 2019 بناء على نموذج النمو الحالي، أما إذا تغير هذا النموذج إلى آخر جديد كما أعلنت الحكومة فذلك يتوقف على تطبيقه، فإذا كان للنموذج آليات و بطاقات تقنية  للتطبيق فسندخل في عملية  الاقلاع في آفاق 2021 ويصبح لدينا توازنات خارج الميزانية، مبنية على النمو الاقتصادي أي بمعنى الثروة كما هو الشأن في الدول  الصاعدة كالهند و البرازيل، الصين، تركيا، روسيا، كوريا الجنوبية، ماليزيا، وغيرها والتي تتميز باقتصاد قوي، لديها نسبة نمو تقدر بـ7 بالمائة بغض النظر عن الميزانية، وبالتالي الميزانية بالنسبة لهذه الدول هي انعكاس للاقتصاد، عكس بلدنا الذي اقتصاده هو انعكاس للميزانية.
  النصر: في حالة استمرار تهاوي أسعار النفط هل ستضطر الدولة للجوء إلى الاستدانة الخارجية وماذا تقولون فيما يخص التوجه للاستدانة الداخلية ؟
 بشير مصيطفى: اللجوء إلى المديونية الداخلية ضروري و ليس الاستدانة من الخارج، وهذا ما اقترحناه سابقا، من خلال تحريك الادخار الداخلي عن طريق آليتين، الأولى تتمثل في أسهم شركات القطاع العام، التي هي السوق المفتوحة، أي الطرح في البورصة، وهذا ما وافقت عليه الحكومة، حيث ستبدأ في طرح أسهم شركة سونلغاز في شهر أفريل المقبل،  كما تم طرح أسهم «بيوفارم»  في البورصة، و من المنتظر أن تطرح الخزينة سندات في الأيام و الأسابيع المقبلة، و هذه هي المديونية الداخلية.
 النصر: هل سيتجاوب المواطنون ورجال الأعمال مع هذا الأسلوب الجديد في رأيكم ؟
 بشير مصيطفى: لا أحد يمكن أن يعلم أو يتكهن بمدى استجابة المواطنين لشراء هذه الأسهم والسندات، فهذه أول تجربة، لكن اعتقد أن الأمر يتعلق بطريقة الحكومة في كيفية شرح الفكرة الجديدة للجمهور و قدرتها على التواصل معه من خلال حملة  في الإعلام عن طريق الخبراء و الوزراء، و لا أستبعد أن يتفاعل الجمهور، لأن كمية ضخمة من السيولة توجد لدى المواطنين، أما إذا لم تستطع الحكومة شرح هذه الفكرة أو تتفاعل فإن الجمهور لديه ثقة ضعيفة في المؤسسات المالية للدولة، لأسباب كثيرة منها تجربة الخليفة، سعر الفائدة العالي، المحرم لدى العائلات الجزائرية، ويمكن للحكومة أن تضع آليات لتجنب هذه المخاطر  كأن تخصص مثلا سعر فائدة متحرك، و تضع أرباحا بدلا من فوائد محرمة أو تمنح ضمانات من النقد الأجنبي أو  الذهب في حالة الإفلاس للتعويض.
 النصر: عملية استقطاب البنوك للكتلة النقدية الموجودة في السوق الموازية لا تزال متواصلة إلى أي مدى يمكن أن تنجح مثل هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة ؟
 - بشير  مصيطفى : بخصوص هذا الموضوع أعتقد بأنه على الحكومة أن تطلق دينارا جديدا، بالإضافة إلى القيام بفتح مكاتب للصرف للقطاع الخاص داخل البنوك لسحب الدينار، و كذا خلق وزارة منتدبة للجباية تعمل على تحصيل الجباية المهربة، و خفض نسب الجباية و توسيع وعائها من خلال مصادر جباية جديدة كالأملاك، الثروات الكبيرة، الأراضي الفلاحية غير المستغلة، أراض صناعية غير مستغلة، العقارات التي تباع عدة مرات، الضريبة على الإيجار، بيع السكنات الاجتماعية...
 النصر: أسعار النفط في السوق الدولية تبقى في معدلات منخفضة مقارنة بالأعوام الماضية هل ستعود الأسعار إلى الارتفاع من جديد  في الأشهر القادمة ؟
 - بشير مصيطفى : الأمر يتوقف على إنتاج إيران، فإذا قامت بإنتاج وضخ    4 مليون برميل يوميا-حسب خطتها- في السوق الدولية فسوف يؤدي ذلك إلى تراجع الأسعار من جديد لتصل لحدود 30 أو 35 دولارا للبرميل في المدى القريب، أما إذا أقنعت منظمة «أوبك» إيران بتجميد الانتاج، فإن الأسعار ستظل عند  المستوى الحالي 40 دولارا للبرميل.
مراد.ح

سعيدة نغزة رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية
ننتظر قرارات جريئة تنهي حالة الغموض التي تعيق المستثمرين
ترى السيدة سعيدة نغزة رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية بأن الوضع الاقتصادي في البلاد بحاجة إلى إصلاح حقيقي ينهي حالة الغموض التي تعيق المستثمرين، وتفتح المجال أمام المبادرات الخاصة، وترى رئيسة الكنفدرالية بأن بعض الخيارات الاقتصادية التي تم انتهاجها في السنوات الأخيرة ارتكزت على قرارات لا تتناسب مع تطلعات المستثمرين الخواص، لذا بات من الضروري- حسبها- مراجعة تلك القرارات  في إطار استراتيجية شاملة للإصلاح الاقتصادي
 النصر: الوزير الأول أعلن مؤخرا بأن الحكومة ستقترح استراتيجية اقتصادية جديدة، شهر افريل المقبل، تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الحاصلة خاصة ما يتعلق بتدني مداخيل البلاد بسبب تراجع أسعار النفط، ما هو موقف الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية من هذه المبادرة ؟
سعيدة نغزة: بالفعل الوزير الأول عبد المالك سلال أعلن بأن الحكومة ستقدم استراتيجية اقتصادية جديدة تسمح بمواكبة التحولات الاقتصادية العالمية بشكل عام، و أوضاع سوق النفط خاصة، فالحكومة تريد تكييف الاقتصاد الوطني مع الوضع الاقتصادي الناجم عن تدني أسعار النفط، وما ترتب عنه على ميزانية الدولة خاصة وبشكل اشمل الرؤية الشاملة للتنمية.لكن اعتقد بأن المعلومات غير كاملة، طالما أن الأمر يتعلق لحد الآن بإعلان ولم يتم الكشف عن التفاصيل أو الإجراءات التي ستتضمنها المبادرة الحكومية، ومع ذلك، نلاحظ ويمكن القول أن السياسة الاقتصادية التي تم إتباعها وتطبيقها لم تؤد إلى نتائج ملموسة، خاصة ما يتعلق بتنويع الاقتصاد الوطني ومصادر الدخل، وهو ما من شأنه أن يحمي الجزائر من تداعيات تراجع أسعار المحروقات الذي يظل المصدر الأساسي لإيرادات الدولة، وهذا ما قد يدفع الجزائر مجددا للعودة إلى الاستدانة من الخارج بسبب الانخفاض الحاد في عائدات المحروقات.
  النصر: هل تعتقدون بأن الحكومة تأخرت قبل إعلان رؤيتها الاقتصادية الجديدة؟ ولماذا انتظرت حتى انهيار أسعار البترول لاقتراح استراتيجية جديدة؟
- سعيدة نغزة: الارتفاع الذي عرفته أسعار المحروقات خلال السنوات الأخيرة، كان السبب الرئيس وراء هذا الوضع الذي نحن فيه فطالما ظلت الأسعار مرتفعة لم تكن الحكومة بحاجة إلى سياسة بديلة وهنا يكمن الخطأ، كان من الضروري استشراف المستقبل على أساس أن البترول مادة غير أمنة، أي لا يمكن الجزم بأن أسعارها ستظل مرتفعة، كونها تخضع لعوامل استراتيجية وأخرى اقتصادية، ولسوء الحظ انهارت الأسعار بمجرد رفع الحصار عن إيران وعودتها إلى السوق البترولية بقوة، ودخول منتجين جدد إلى السوق ما أدى إلى زيادة العرض النفطي.
  ما هي القطاعات التي يجب أن تكون المحرك أو القاعدة التي تستند عليها السياسة الاقتصادية الجديدة؟
سعيدة نغزة: نحن في الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية نعتقد بل نؤمن بأن الاقتصاد الجزائري له الكثير من المؤهلات والإمكانيات التي يمكن أن تشكل مصدر قوة لإعادة بعث العجلة الاقتصادية خارج نطاق المحروقات، ونرى بأن أي سياسة اقتصادية يجب أن ترتكز أساسا على الإمكانات والمؤهلات المحلية مثل الفلاحة والسياحة والصناعة الفلاحية والغذائية، لا يجب أن تبقى الجزائر لسنوات أخرى رهينة تقلبات السوق النفطية، والاعتماد أساسا على مداخيل لا نتحكم فيها، بل التوجه نحو قطاعات تمكن البلاد من ضمان إيرادات بديلة.
ونعتقد في الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، بأن أي استراتيجية صناعية جديدة يجب أن تهدف في المقام الأول إلى تغطية حاجيات المواطنين، وخاصة ضمان الأمن الغذائي وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة لدفع مردودية القطاع الزراعي، بالموازاة مع ذلك يتم التركيز على الصناعة الغذائية بشكل يسمح بتوجيه فائض الإنتاج إلى الخارج، هناك الكثير من التجارب الناجحة، وأخرى لم يكتب لها النجاح، يتوجب رفع العراقيل التي تعيق المستثمرين لجعل السوق الجزائرية سوقا منتجة ومصدرة للمواد الفلاحية والغذائية، ومن الضروري كذلك إدراج تطوير السياحة ضمن العناصر الأساسية لأي استراتيجية اقتصادية جديدة، فهذا القطاع يمكن لوحده أن يكون مصدرا لمداخيل هامة بالعملة الصعبة، خاصة وان الجزائر تتوفر على مؤهلات سياحية طبيعية كبيرة تستدعي الاهتمام.
  ما هو موقع القطاع الخاص في السياسة الاقتصادية الجديدة؟
سعيدة نغزة: أي استراتيجية صناعية دون إشراك القطاع الخاص الوطني لن يكتب لها النجاح، بل أكثر من ذلك يمكن القول بأن القطاع الخاص يجب أن يكون له دور أساسي في أي سياسة اقتصادية جديدة، وعلى السلطات العمومية أن تأخذ بعين الاعتبار مشاكل المستثمرين وتعمل على معالجتها.
  بعض تنظيمات الباترونا اشتكت من عدم تنفيذ القرارات المنبثقة عن اجتماعات الثلاثية، وهم يرون بأن تلك القرارات ظلت حبرا على ورق، كما يشتكي البعض من العراقيل التي تضعها بعض الوكالات التي دورها الأساسي تشجيع الاستثمار، ما هو رأي الكنفدرالية؟
سعيدة نغزة: بعض تلك الانتقادات حقيقة، فقد عقدت العديد من الاجتماعات الثلاثية واتخذت قرارات هامة دون أن تطبق على أرض الواقع، ما نتج عنه نوع من عدم الثقة في جدية الشريك الحكومي لتنفيذ الالتزامات التي يقدمها، ويمكن القول بأن هذا الوضع استمر مع العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي والذي هو عقد موثق وملزم لكافة الأطراف الموقعة، ورغم ذلك فان لجنة المتابعة التي كلفت بتنفيذ العقد فشلت في تنفيذ أهم بنوده خاصة ما يتعلق بتكييف القرارات الاقتصادية مع ما يهم الشغل والتنمية.
وما نؤكد عليه هو أن الحوار الثلاثي لا يجب أن ينحصر فقط على الطابع الاجتماعي، بل يناقش الأبعاد الأخرى خاصة الاقتصادية منها، لأن مصير الشركات ودورها في خلق الثروة وفرض العمل يعتمد أساسا على قرارات سياسية وهي للأسف لا تتناسب في الغالب مع رؤية القطاع الخاص، لذا بات من الضروري بل الملح مراجعة بعض القرارات من خلال استراتيجية شاملة للإصلاح الاقتصادي.

مصطفى مقيدش نائب رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي
على القطاع الخاص أن يخرج من ذهنية البزنسة نحو الانتاج والتصدير
يؤكد مصطفى مقيدش الخبير الاقتصادي و نائب رئيس المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي أن النموذج الاقتصادي الجديد الذي تعتزم الحكومة الكشف عنه لاحقا لابد أن يقدم محركات جديدة للتنمية خارج التبعية لعائدات المحروقات، و أن يخرج القطاع الخاص الوطني من نمطه التقليدي المبني على البزنسة والاستيراد فقط نحو الإنتاج واقتحام الأسواق الخارجية، وكذلك من الضروري غلق كل منابع ومجالات الريع واعتماد اقتصاد السوق المبني على المنافسة والشفافية.
ويقول مصطفى مقيدش أن المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي كان سباقا للحديث على ضرورة اعتماد نموذج اقتصادي جديد وذلك في سنة 2012 بمناسبة تظاهرة خمسينية الاستقلال، حيث نظم ندوة وطنية حول تقييم وتقويم الاقتصاد الجزائري، هذه الأخيرة خرجت بتوصيات مهمة منها إلزامية وضع نموذج اقتصادي جديد يستطيع ضمان التنويع للاقتصاد الجزائري، وخروجه من التبعية للمحروقات التي تعتبر عنصرا وحيدا لتمويل الاقتصاد الوطني حتى الآن.
 ويثير المتحدث إلزامية اعتماد محركات جديدة للتنمية، وكان قطاع المحروقات في ذلك الوقت قد بدأ يعرف انخفاضا في الانتاج، و من هذه المحركات الجديدة حسب نائب رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي إعادة النظر في الصناعة، وقد وضعت استراتيجية جديدة لهذا القطاع بعد ذلك بسنوات قليلة، إذ لابد من الرجوع للتصنيع لأننا تأخرنا في هذا المجال، حيث لا تتعدى نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الدخل الوطني الخام 04 أو 05 بالمائة فقط.
ومن هنا لابد إذن من استثمارات صناعية جديدة في القطاع العمومي والقطاع الخاص
و بالشراكة مع الأجانب أيضا، وقد بدأنا في ذلك في مجال الإسمنت وغيرها من القطاعات.
ثانيا لابد من التأكيد على المؤسسة الجزائرية بصورة عامة، والمؤسسة الخاصة بوجه خاص، التي عليها الخروج من رؤيتها  ونمطها التقليدي القائم على البزنسة والاستيراد و أن توجه نحو الانتاج واقتحام الأسواق الخارجية وبخاصة في القارة الإفريقية، لأنه لما نمشي إلى تشاد أو السنيغال مثلا نجد مؤسسات تركية أو مؤسسات لدول مجاورة لنا، لكن لا أثر للمؤسسات الجزائرية.
المرتكز الآخر الذي يراه محدثنا ضروريا لإقامة بديل اقتصادي جدي هو غلق كل منابع ومصادر الريع، واعتماد المنافسة والشفافية، لأنه لا يمكن بناء اقتصاد السوق دون منافسة ودو شفافية أيضا، لأن روح المبادرة يجب أن تعطى على قدم المساواة للجميع، بعيدا عن المحاباة و العلاقات الخاصة.
كما يشدد مصطفى مقيدش في ذات السياق على ضرورة التقليص من التبذير، و أن تذهب أموال الدعم للأسر المحتاجة فعلا ولها دون غيرها، ووقف التهريب، و رمي المواد الغذائية وغيرها دون حسيب ولا رقيب ولا ضمير.
ويلح على أنه لا يمكن بناء اقتصاد سوق حقيقي دون عدالة جبائية يحس بها المواطن حقيقة، وهي شرط ضروري كي يكون هناك إجماع وطني حول النموذج الاقتصادي المرتقب، لأنه دون توفر هذه الشروط وهذا الإجماع لا يمكن لهذا النموذج أن يكون فعالا ولا أن يعرف طريقه نحو النجاح.
ومن شروط نجاح النموذج الاقتصادي الجديد حسب نائب رئيس «الكناس» دائما الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وترقيته كون كل الاقتصاديات العالمية مبنية على العنصر البشري، وكذا  العدالة الاقليمية في  توزيع فرص التنمية، لأن كل إقليم فيه نخبة معينة وله إمكانات محددة يقدم من خلالها نسبة معينة من النمو للاقتصاد الوطني، وإعطائه    لا مركزية حتى يترقى ويتطور.
 م- عدنان

الرجوع إلى الأعلى