تعرف أسعار الفواكه  خلال الفترة الأخيرة، بمختلف أسواق الجملة والتجزئة عبر ربوع الوطن، ارتفاعا قياسيا لم يسجل من قبل في تاريخ السوق الجزائرية، صاحبه ركود  وعزوف من طرف المواطنين وحتى تجار التجزئة على إقتنائها. وهو  ارتفاع برره تجار جملة بإجراءات تقليص رخص الإستيراد المتخذة من طرف الحكومة وقلة المنتوج  المحلي، ما أدى إلى بروز “مضاربين” ومحتكرين فرضوا منطقهم وبسطوا سيطرتهم على السوق.
روبورتاج لقمان قوادري
النصر تنقلت إلى سوق الجملة للخضر والفواكه بشلغوم العيد بولاية ميلة وأطلعت على الأسعار وتحدثت إلى التجار والفلاحين عن واقع السوق وأسباب الزيادات الحاصلة.
عزوف تجـار التجزئـة  يسبب الكســاد
كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا، عندما دخلنا سوق الجملة حيث كان مكتظا عن آخره بالشاحنات من مختلف الأحجام وبألواح ترقيمية لولايات شرقية ووسطى ، وما لفت انتباهنا عبر أرجاء السوق هو قلة السلع المعروضة في مختلف انواع الفواكه خلافا لما تعرفه في السنوات الماضية من وفرة.
وعلى الرغم من أن السوق كانت تعج بالباعة والتجار إلى أن الواقع الحقيقي يدل على ركود وكساد للسلع نتيجة ارتفاع أسعار الفواكه، فلا الفلاح و لا تاجر الجملة يعجبه ما عرض عليه من أثمان ولا تاجر التجزئة راض عن السعر الذي اقتنى به السلعة، كما ذكر لنا تجار جملة بأنهم متواجدون بالسوق منذ أزيد من أسبوع لكنهم لم يتمكنوا من بيع سلعهم.

لم نكن نتوقع لدى اتجاهنا إلى سوق الجملة، أن نجد أسعار الفواكه بهذا الإرتفاع، حيث كنا نظن في البداية بأن المضاربة واستغلال تجار التجزئة لتهافت المواطنين خلال شهر رمضان، هو السبب الرئيسي في الغلاء الموجود بجميع أسواق التجزئة، فقد وصل سعر الخوخ العادي إلى 350 دينار وحب الملوك إلى 900 دج وعين البقرة إلى 500  دج كما بلغت أسعار التفاح والتين من النوعية المتوسطة سقف 350 و 250 دج على التوالي، في حين تراوح سعر الدقلة ما بين 750 للنوعية المتوسطة و1200 للنوعية الجيدة، في حين تراوحت أسعار المشمش ما بين 80 و 120 دج، والتين فيما بين 230 و 250 دينارا كما سجلت أسعار الدلاع انخفاضا محسوسا، حيث نزل إلى 70 دينارا بعدما تجاوز سقف 100 دينار في سوق الجملة و 150 دج  في سوق التجزئة.
 حال السوق، دفعنا إلى التوغل أكثر والبحث عن خبابا وأسباب الإرتفاع الجنوني في الأسعار، فقد ذكر محمد تاجر جملة يقطن  بشلغوم العيد، بأن النشاط والتجارة في مجال الفواكه قد تراجع بشكل كبير، حيث علق قائلا  «إننا نعمل في ظروف قاسية والبيع تراجع بشكل كبير والركود والعزوف، باتا سمتان تلازمان السوق وتجار الجملة»، مشيرا إلى أن تجار التجزئة أصبحوا يقتنون من 5 إلى 6 صناديق في أحسن الأحوال، نتيجة ارتفاع الأسعار بأكثر من 6 أضعاف عما كانت عليه السنة الماضية،  فعلى سبيل المثال بحسب محدثنا، فإن سعر  حب الملوك من النوعية المتوسطة  وصل إلى 900 دينار  بعدما كان لا يتجاوز 300 دينار، في السنة الماضية، والنوعية الرديئة منه التي كانت لا تتجاوز 100 دينار أصبح ثمنها يزيد عن 300 دينار ، مؤكدا بأن السوق تحكمها الفوضى وقانون المضاربة الذي فرضه كبار الفلاحين والتجار بحسب قوله.
السوق الجزائرية تتغذى بـ 70 بالمائـة من الفواكـه المستوردة
ويجمع غالبية التجار إلى أن السوق الجزائرية كانت تتغذى بأزيد من 70 بالمائة من المنتجات المستوردة من الدول الأوروبية وحتى بعض الدول الشقيقة، غير أن تقليص عدد رخص الإستيراد وفرض إجراءات جديدة على المستوردين، أدى إلى تقليص حجم المنتوجات والسلع المتداولة في السوق الجزائرية، ما تسبب في اختلال كبير على المنظومة التجارية التي أنتجت مضاربين ومحتكرين للسلع، زادها حدة بحسبهم قلة المنتوج الفلاحي المحلي،وتدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع مختلف أنواع السلع بحسب قولهم.
وسطــاء و مضاربــون يتحكمـون في الأسعــار
ويشير سمير، تاجر جملة يمارس النشاط منذ أزيد من 20 سنة، بأن ثمن الخوخ على سبيل المثال تجاوز سقف 450 دينارا قبل أيام قبل أن ينزل إلى 300 دينار خلال الفترة الأخيرة، حيث ذكر بأن الأسعار من المرجح أن تنخفض بشكل طفيف بعد انتهاء شهر رمضان، لافتا إلى أن الأسعار لم  تشهد ارتفاعا مماثلا كما هو حاصل خلال هذه السنة.
ويؤكد محدثنا، بأن الإنتاج المحلي للسنة الجارية لا يغطي حجم الطلب، حيث الفلاحين تكبدوا خسائر كبيرة خلال  هذا الموسم نتيجة العوامل الطبيعية، ناهيك عن قلة اليد العاملة وغلائها، وهو وضع زاد من حدة الندرة التي تعرفها جل الأسواق بعد تراجع نشاط الإستيراد، حيث أن الفلاح ما إن يدخل إلى السوق بسلعه حتى تكون الحشود من التجار تجري خلفه من أجل الظفر «بصناديق للتزيين فقط”، كما أكد بأن جل المستوردين الذين يتعامل معهم باتوا مجبرين على إدخال 05 حاويات فقط في الشهر بعدما كانت حصتهم تتجاوز 60 حاوية خلال نفس الفترة بحسب تأكيده.
ويضيف التاجر، بأن سوق الفاكهة يسيطر عليها تجار وفلاحون مضاربون حيث يقومون بتخزينها في غرف التبريد ومن ثم إعادة بيعها بالأثمان التي يريدونها، فعلى سبيل المثال بحسب محدثنا فإن تجار من العاصمة اقتنوا التمور من مناطق انتاجها وخزنوها ثم أعادوا بيعها بـ 750 دينار للكيلوغرام من النوعية المتوسطة و 1200 دينار للكيلوغرام للنوعية الجيدة، ما اضطرهم إلى جلب النوعية المتوسطة إلى السوق نظرا لعزف تجار التجزئة عن إقتنائها.
وذهب علي وعمار تاجران متخصصان في التفاح والموز المستوردين ، بأن عدد المستوردين تراجع بشكل كبير حيث بقي النشاط مقتصرا فقط على عدد قليل ممن أسموهم بالمحتكرين، مشيرين إلى أن ارتفاع أسعار التفاح ووصولها إلى سوق التجزئة إلى سقف 500 دينار، يعود لارتفاعها في سوق الجملة حيث وصلت إلى 360 دج، في حين ان المستورد يجلبها بأثمان منخفضة لا تتجاوز 120 دج ويعيد بيعها  بـ 350 دج فارضا منطقه دون أي حسيب أو رقيب، مؤكدين بأن الإنتاج الوطني من التفاح يقتصر على ولاية باتنة فقط ولا يغطي حاجيات السوق الوطنية إلا في شهر واحد فقط.
ويرى حسين فلاح ينتج فاكهة  المشمش من مدينة نقاوس بولاية باتنة، بأن الإنتاج في جميع الشعب الفلاحية قليل جدا مقارنة بحجم الطلب المحلي، ما سيجعل الأسعار مرشحة إلى الإرتفاع أكثر في السنوات المقبلة في حال إبقاء مجال الاستيراد مغلقا، كما أوضح بأن الفلاح في الجزائر لا يعمل ولا يستثمر في الأرض، فيما تساءل العديد من التجار عن أسباب السماح لفئات معينة من المستوردين بجلب الفواكه دون غيرهم ما فتح المجال للمضاربة و الاحتكار نتيجة الندرة الحاصلة، ليبقى المواطن هو المتضرر والخاسر الأكبر بحسب قولهم. وتحدث التجار أيضا عن وجود فئة الوسطاء التي تقوم بشراء المنتوجات من الفلاحين عن طريق المحسوبية، ومن ثم إعادة بيعها لتجار الجملة،وهو ما يتسبب في حدوث اختلالات في الحلقة التجارية وبالتالي ارتفاع الأسعار،مطالبين وزارتي التجارة والفلاحة بإعادة تنظيم ومراقبة العملية التجارية بدءا من الفلاح ووصولا إلى المستهلك، خاصة وأنهم تعرضوا إلى خسائر مادية  كبيرة لاسيما في هذا الموسم بحسب تأكيدهم.
أسعـار الدلاع تتراجـع بتسويـق منتــوج الشمــال
يؤكد غالبية تجار الدلاع بأن أسعاره عرفت خلال اليومين الأخيرين تراجعا محسوسا نتيجة دخول منتوج الولايات الغربية إلى الأسواق ، حيث أرجعوا أسباب ارتفاعه خلال الأسابيع الماضية إلى الخلل الذي تزامن مع نفاذ منتوج الولايات الصحراوية وعدم جاهزية منتوج الولايات الشمالية، لكنهم أكدوا بأن ثمنه حاليا مرتفع بشكل كبير بالنسبة للمستهلك نتيجة تدهور قيمة الدينار والقدرة الشرائية لديه، مشيرين إلى أن سعره وفي أحسن الأحوال لن ينزل عن سقف 50 دينارا، متحدثين عن وجود غش في نوعية المنتوج، حيث أن العديد من الفلاحين يقومون بسقيه بمادة المازوت لتضخيم حجمه  وهو ما من شأنه أن يعرض المستهلك إلى أمراض خطيرة،خاصة وأنه من الصعب أن يتم التمييز بسهولة بين النوعية الجيدة من الرديئة.

رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار للنصر
ارتفاع الأسعار يعود إلى الخسائر الناجمة عن سوء الأحوال الجوية
فسر الحاج الطاهر بولنوار رئيس الإتحاد العام للتجار والحرفيين، أسباب ارتفاع أسعار الفواكه في الأسواق الجزائرية، إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها الفلاحون بفعل سوء الأحوال الجوية والجفاف ، كما أوضح بأن نظام تقليص رخص الإستيراد لم يؤثر كثيرا على ارتفاع أثمانها.
وذكر بولنوار في اتصال بالنصر، بأنه تم تسجيل انخفاض محسوس في أسعار الفواكه خلال الأسبوع الثاني من شهر رمضان، حيث كان سعر الخوخ على سبيل المثال يتراوح فيما بين 350 و 400 دينار خلال الأسبوع الأول، فيما يصل ثمنه حاليا إلى 250 دينارا من النوعية المتوسطة، مشيرا إلى أن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الفلاحون،  نتيجة سوء الأحوال الجوية والجفاف أدى إلى قلة المنتوج وبالتالي ارتفاع الأسعار بحسب قوله. وأشار محدثنا، بأن السوق حاليا تعيش في مرحلة وسطى من ناحية الإنتاج، حيث أن ارتفاع أسعار الدلاع تزامن ونفاذ مخزون الولايات الصحراوية ما تسبب في وصول أثمانه إلى مستويات جنونية، لافتا إلى أنها ستنخفض تدريجيا مع دخول منتوجات الولايات الشمالية إلى السوق بحسب تأكيده. وتابع بولنوار، بأنه لا يمكن الحديث عن وجود أي مضاربة أو إحتكار، خلال الفترة الحالية باعتبار أن الفواكه طرحت في الأسواق في غير وقتها، كما أوضح بأن نظام تقليص رخص الإستيراد لن يؤثر على السوق بشكل كبير باعتبار أن الجزائريين يعتمدون في غذائهم على الفواكه الموسمية، التي من شأنها أن تساهم في تخفيض أسعار الفواكه المستوردة، خلال الفترة المقبلة وفقا لقانون العرض والطلب على حد تعبيره. وأكد محدثنا بأن الأسعار  ستعود إلى مستواها الطبيعي، ابتداء من شهر جويلية المقبل، كما شدد على ضرورة زيادة الإنتاج ودعم الفلاح، داعيا وزارتي الفلاحة والتجارة إلى الضمان والتقدير الأمثل لحاجيات السوق وتسهيل سبل توزيع مختلف المنتجات، بالإضافة إلى مساعدة الفلاحين على تكثيف الإنتاج وتوفير آليات للتسويق والتصدير، لافتا إلى ضرورة إنشاء مصانع تحويلية لتشجيع الصناعات الغذائية بحسب قوله.  

الرجوع إلى الأعلى