• استغلال مسالك المهربين والإرهابيين في البحث عن المعدن الأصفر
بالموازاة مع الطوق الأمني الذي تفرضه وحدات الجيش لمواجهة التهديدات الإرهابية، تقود تلك الوحدات المنتشرة على الحدود عمليات تعقب ضد التنظيمات الإجرامية وعصابات التهريب، ومنها عصابات التنقيب واستخراج الذهب والمعادن النفيسة بطريقة غير شرعية، و ذلك من خلال عملية تمشيط واسعة و متواصلة لصحراء الأهقار بتمنراست وعين قزام، لتقفي أثر العصابات المختصة في نهب وتهريب الذهب الجزائري، وتشير إحصائيات رسمية إلى توقيف أكثر من 3 آلاف منقب عن الذهب من جنسيات افريقية.
تشير إحصائيات رسمية، إلى تزايد عدد المهربين الأفارقة الذين يدخلون الجزائر يوميا للتنقيب عن الذهب بطرق غير شرعية، وعادة ما يسلك المنقبون عن الذهب، نفس المسالك التي يتخذها المهربون والإرهابيون في محاولة للإفلات من الرقابة الشديدة المفروضة من قبل وحدات الجيش على طول الشريط الحدودي، وتظهر الأرقام التي قدمتها وزارة الدفاع في الأشهر الماضية، تزايدا مقلقا في أعداد المنقبين القادمين من عدة دول وعلى رأسها السودان وتشاد والذين أضحوا يستخدمون تجهيزات متطورة للتنقيب عن المعدن الأصفر
وبالموازاة مع الرقابة الأمنية المفروضة على طول الشريط الحدودي والانتشار الواسع والكثيف للجنود لمواجهة خطر المجموعات الإرهابية المتواجدة على حدود مالي والنيجر يجد أفراد الجيش أنفسهم مضطرين للتعامل مع المنقبين عن الذهب الذين غالبا ما يتخذون نفس المسالك الوعرة التي يأخذها المهربون والإرهابيون.
وسمح هذا الطوق الأمني المفروض على الحدود، إضافة إلى عمليات الاستطلاع والبحث التي تقوم بها مختلف الوحدات الأمنية، من وضع حدا لنشاط عدة شبكات محلية وإفريقية للتنقيب عن الذهب بصحراء الجزائر، وكانت آخرها العملية التي نفذتها مفارز للجيش الوطني الشعبي بكل من برج باجي مختار وعين ڤزام/ن.ع.6، يوم أول أوت، حيث تم توقيف أربعة مهربين وحجزت أجهزة كشف عن المعادن و(03) مطارق ضغط و(03) مولدات كهربائية و(650) غرام من الديناميت ومُعدات تفجير و(04) دراجات نارية.
وقبل ذلك وفي 27 جويلية، بكل من تمنراست وبرج باجي مختار/ن.ع.6 أوقفت مفارز للجيش الوطني الشعبي (21) مهربا وضبطت (05) مركبات رباعية الدفع و(06) أجهزة كشف عن المعادن ومولدين (02) كهربائيين و(04) مطارق ضغط ومعدات تفجير. وقبلها بثلاثة أيام بكل من تمنراست وعين صالح وعين قزام، أوقفت مفارز للجيش الوطني الشعبي (05) مهربين و(30) مهاجرا غير شرعي وضبطت مركبتين (02) رباعيتي الدفع و(06) أجهزة كشف عن المعادن و(08) مولدات كهربائية و(05) مطارق ضغط ومعدات تفجير.
وبتاريخ 16 جويلية وبكل من تمنراست وعين قزام، أوقفت وحدات الجيش (26) مهربا وضبطت (05) مركبات رباعية الدفع و(06) أجهزة كشف عن المعادن وشاحنة محملة بـ (22) طنّا من المواد الغذائية الموجهة للتهريب. وفي بداية جويلية وبتمنراست، أوقفت مفرزة (08) مهربين وضبطت سيارة رباعية الدفع و(05) أجهزة كشف عن المعادن.
توقيف أكثر من 3 آلاف منقّب غير شرعي عن الذهب خلال 16 شهرا
وتشير حصيلة أعلنتها وزارة الدفاع الوطني، وذلك في إطار مكافحة التهريب والجريمة المنظمة خلال الفترة (بين جانفي وماي)، عن توقيف 1117 مهربا و 105 تاجر مخدرات و 2309 مهاجر غير شرعي من مختلف الجنسيات، كما تم حجز 205 عربة رباعية الدفع و 611 جهازا لكشف المعادن و 237 ألفا و 958 لترا من الوقود، 76 مطرقة ضاغطة 139 مولدا كهربائيا
وتظهر حصيلة لوزارة الدفاع أن مختلف عمليات حماية الحدود ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة التي نفذتها مفارز الجيش ومختلف قوات الأمن في سنة 2015 أفضت إلى توقيف 2076 مهربًا للسلع، منهم 543 أجنبيًا، وتوقيف 1977 منقبًا عن الذهب منهم 1274 من جنسيات أفريقية.
وتشير الحصيلة إلى حجز 656 قطعة سلاح لدى المهربين وتجار المخدرات، بالإضافة إلى 18 قطعة سلاح لدى المنقبين عن الذهب، وحجز أكثر من 1434 طنًا من المواد الغذائية الموجهة للتهريب خارج الحدود الجزائرية. كما حجزت عناصر الجيش الجزائري لدى هؤلاء الأفارقة كميات كبيرة من الوقود كانت موجهة للتهريب، و 1722 جهاز كشف عن المعادن، بالإضافة إلى عدد كبير من المولدات الكهربائية ومطارق الضغط، و أكثر من 1000 شاحنة ومركبة، منها 171 عربة رباعية الدفع لدى المنقبين عن الذهب.
عصابات مزودة بأسلحة كلاشنيكوف وأجهزة كشف متطوّرة  
ويشار إلى أنّ مصالح الدرك الوطني أوقفت لوحدها في سنة 2014، 220 أجنبيا من جنسيات مالية وتشادية ونيجيرية، ينشطون ضمن شبكات مسلّحة مختصة في نهب الثروات المنجمية والذهبية، في مناطق تيريرين، غرسو وايليني الجبلية بولاية تمنراست وتهريبها للخارج، وتستعمل هذه الشبكات في عمليات التنقيب عن الذهب والألماس والمعادن الثمينة السيارات رباعية الدفع، وخرائط سرية بعضها تستخرج من مواقع الكترونية بإضافة إحداثيات المواقع، وتستخدم أجهزة كشف متطوّرة يمكنها الوصول إلى الذهب على أعماق بعيدة في باطن الأرض.
 وكشفت تحقيقات أمنية، أن بعض تلك العصابات تكون مزودة بأسلحة نارية خاصة من نوع كلاشنيكوف، وتقوم باختراق الحدود الجزائرية على متن سيارات رباعية الدفع، باتجاه مناطق مواقع قريبة من منجم الذهب في أمسماسة بولاية تمنراست للبحث عن المعادن الثمينة.
وتكشف حصيلة العمليات الأمنية التي تشنها وحدات الجيش وقوات الدرك ضد شبكات التنقيب عن الذهب، عن تواطؤ جزائريين يعرفون المناطق الصحراوية وأماكن انتشار المعادن الثمينة بدقة، والتي تكون عادة بالقرب من المناجم، حيث تمّ توقيف أكثر من 700 جزائري ضمن هذه الشبكات. وغالبا ما يتحرك المنقبون عن الذهب في مناطق صحراوية يمنع التنقل فيها طبقا لإجراءات الأمن سارية المفعول، حيث تحظر إجراءات الأمن التنقل في الصحراء خاصة في المناطق الحدودية، إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الجهات الأمنية.
سودانيون يتمتعون بخبرة كبيرة في التنقيب عن المعدن النفيس
البحث والتنقيب عن الذهب في أقصى الجنوب في إقليم ولاية تمنراست وأجزاء من ولاية إليزي، تحول بالنسبة للكثيرين إلى هوس، واضحي البحث عن الذهب في الصحراء وبرغم المخاطر التي يتم مواجهتها، مغامرة تجلب يوميا المزيد من المرشحين الراغبين في تحقيق الثراء، ولا يقتصر الأمر على مهاجرين أفارقة بل طال هذا الهوس والبحث عن الثراء، بعض السكان المحليين الذين «تحولوا» إلى منقبين، بعدما سمعوا روايات عن أشخاص اكتشفوا كميات ضخمة من المعدن الأصفر، ورغم أن أغلب تلك الروايات زائفة.
ويؤكد لاجئ نيجيري مقيم بصورة غير شرعية بولاية الجزائر، أن الكثير من أبناء جلدته يستقرون في تمنراست للبحث عن الذهب ويضيف بأن «الكثير من الشبكات المنظمة تعتمد على السودانيين الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في التنقيب إضافة إلى التشاديين بحكم معرفتهم بطرق التنقيب والمسالك التي يمكن من خلالها الانتقال إلى الأماكن التي يفترض أنها تحوي كميات ضخمة من الذهب».
تتضارب الروايات التي يقدمها المنقبون عن الذهب في صحراء تمنراست، ويؤكد عارفون بالمعطيات الجيولوجية في المنطقة بأن توفر الذهب على سطح التربة الصحراوية بكميات كبيرة مستحيل. و يقول اللاجئ النيجري الذي رفض الكشف عن هويته، أنه «سمع بعض هذه الروايات والتي تتحدث عن حصول أفراد على كميات كبيرة دفعة واحدة على شكل كتل كبيرة». و قال بأن تلك الروايات وبحكم التجربة التي اكتسبها في التنقيب «مبالغ فيها» رافضا الخوض في التفاصيل بشأن الكميات التي يحصل عليما المنقبون.
ويضيف المتحدث الذي كانت له تجربة في السابق مع نشاط التنقيب عن الذهب، أن تلك العصابات «تستعين بأشخاص لديهم دراية بالدروب الوعرة في الصحراء أو من يسمون بمقتفيي الأثر مقابل حصة من الذهب»، ويضيف بأن «أعمال التنقيب تبدأ في غالب الأحيان ليلا أو قبل طلوع الفجر ويبدأ المنقبون في تشغيل أجهزة كشف المعادن وسماع أجراس التنبيه المنبعثة من أجهزة». ويضيف «في بعض الأحيان يكون هناك مجموعة من ثلاثة أو أربعة وفي أحيان أخرى قد يصل العدد إلى 10 أو أكثر وذلك بحسب المنطقة والتضاريس والمناخ والوضع الأمني».
 ويشير إلى أن أول ما يبدأ به المنقب «اختيار المكان المناسب بالاعتماد على تقنيات وخرائط يمكن الحصول عليها عبر طرق مختلفة»، ثم الشروع في تشغيل جهاز التنقيب والتنقل في المكان حتى يصدر الجهاز صوتا يدل على وجود الذهب، بعدها يتدخل آخرون ويشرعون في الحفر بوسائل تقليدية لبعض سنتيمترات تحت الأرض، ويستخرج طبقات التراب من الأرض وبعدها يوضع جهاز التنقيب مجددا في مكان الحفر وإذا صدر عنه صوت مرة يكون ذلك إشارة لوجود الذهب وتتواصل عملية حفر طبقات الأرض بحثا عن المعدن الثمين يدويا إذا كان الأمر ممكنا أو باستعمال المطارق الكهربائية «.
ويؤكد محدثنا بأن الكثير من منقبي الذهب سقطوا بين أيدي وحدات الجيش، ويضيف بأن الكثير من أصدقائه أُلقي عليهم القبض وتم ترحيلهم إلى بلدانهم بعد القرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية، موضحا بأنه فضل الابتعاد نهائيا عن هذه المغامرة والبحث عن وسيلة أخرى تمكنه من كسب قوت يومه بعيدا عن المطاردات الأمنية والمخاطر التي تحيط بك في الصحراء.
و أفرجت السلطات الجزائرية عن 289 سودانيا أوقفوا لدخولهم التراب الوطني بشكل غير مشروع من أجل التنقيب عن الذهب، كما استفاد 503 تشاديين قد تم القبض عليهم من قبل عناصر الجيش الشعبي الوطني وهم ينقبون عن الذهب من عفو رئاسي، بعدما دخلوا التراب الوطني من منطقة تيبستي سنة 2014، حيث تم نقلهم إلى التشاد.   

أنيس نواري

الرجوع إلى الأعلى