أخيرا قرّر الإسلاميون المشاركة في الإنتخابات التشريعية التي ستقام في الربيع القادم، بعد أخذ و ردّ و إعطاء انطباع عام بأن الأحزاب ذات النزعة الإسلامية المعتمدة قانونا، قد جنحت إلى نوع من الراديكالية التي قد تهوي بها إلى القاع، و بالتالي تقصي نفسها بنفسها من اللعبة السياسية قبل أن يقصيها الصندوق الإنتخابي.
فقد أعلنت تباعا أحزاب مثل النهضة و حمس
و البناء..في انتظار ما تبقى من فصائل كانت بالأمس القريب تشكل مجموعة سياسية واحدة، عن دخولها التشريعيات و عدم المقاطعة، رغم التحفظات التي تبديها كل مرة و تقدم نفسها على أنها « الضحية» باعتبارها الخاسر الأكبر بعد إعلان النتائج الرسمية، حيث يبدو فيها وعاؤها خاويا إلا من مقاعد معدودات.
و حسب الأصداء الواردة من قواعد الأحزاب هذه، فإن قرار المشاركة في الإنتخابات قد حسمته القواعد النضالية التي ترفض سياسة «الكرسي الشاغر» الذي تريد من خلالها القيادات الحزبية ممارسة نوع من الإبتزاز السياسي تجاه السلطة و الدخول في ممارسات خفية هي نفسها تدينها علانية.
و لذلك لم تجد «قيادات الأركان» إلا خيار الإمتثال إلى رغبات القواعد و إلحاح تيار قوي من المناضلين الذين يريدون المشاركة في السلطة و الحكم، بهدف إبلاغ قضايا و انشغالات الذين يمثلونهم من جهة،
و من جهة أخرى استغلال المنابر التي توفرها الهيئات الدستورية، لممارسة المعارضة البناءة التي تساهم في بناء الجزائر و الحفاظ على أمنها و استقرارها.
و يكون الإسلاميون الجزائريون قد أدركوا أن التخلف عن المشاركة في الإنتخابات رغم التحفظات، قد يكلفهم غاليا و يدخلهم مرحلة النسيان السياسي في أذهان العامة و الأجيال الصاعدة، خاصة بعد أفول ما سمّي بالربيع العربي و تحوله إلى خراب
و دمار أتى على عدد من البلدان العربية، أين تشكل فيها تيارات الإسلام السياسي وقود حرب لا تريد أن تنطفئ.
استراتيجيا لا يمكن لأحزاب تدّعي أن لها امتدادا شعبيا في المجتمع السياسي، أن تكون على هامش المواعيد الإنتخابية القادمة، أي تشريعيات الربيع و محليات الخريف، و هي مواعيد حاسمة في تحديد معالم رئاسيات 2019.
و ربما هذا ما فهمته و تسعى إليه أحزاب سياسية تحسب نفسها على المعارضة الراديكالية التي كانت لسنوات طويلة تنادي في إطار ما يسمّى بتنسيقية التحول الديمقراطي، بأشياء تتعارض شكلا
و مضمونا مع مقتضيات الدستور المعدل في فيفري الماضي.
و يتذكر المتابعون للحياة الحزبية ببلادنا كيف أن اللقاءات التي كان يجلس فيها «الإخوة الأعداء»
و الذين جاءوا من الأرسيدي و الإسلاميين و المغضوب عليهم من الوطنيين، قد انتهت بأن كل حزب رجع إلى قواعده بحثا عن البوصلة المفقودة، بعد ثلاث سنوات من التيه السياسي داخل الصالونات.
المشاركة في المواعيد الإنتخابية أو عدم المشاركة، لم يعد خيارا استراتيجيا يمكن لأصحابه أن يناوروا به أو يضغطوا به على نظام الحكم و حرمانه من التباهي أمام الغرب الديمقراطي بمقولة توسيع منظومة الحكم. فالتنوع الكبير للعائلات السياسية في بلادنا و رغم التجربة الديمقراطية القصيرة، يسمح كل مرة و عند كل موعد انتخابي بتمثيل واسع لمختلف فئات المجتمع و أن تخلف أي فصيل حزبي لن يضر العملية الإنتخابية في شيء.
الإسلاميون الذين سيكون لهم موعد مع الربيع الإنتخابي العام المقبل ، يبدو أنهم أدركوا الضمانات المتعددة التي قدمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال الدستور الجديد الذي ينص على هيئة مستقلة للإشراف على الإنتخابات، و سيكون على رأسها شخص رفعته مكانته العلمية و التزامه المهني في خدمة الدولة، من شخصية حزبية محسوبة على التيار الإسلامي، إلى مصاف شخصية وطنية تحكم بين المتنافسين على المقاعد الإنتخابية.
النصر

الرجوع إلى الأعلى