الحــاجــة إلـى العلــوم الإنســانيــة هـي حــاجـــة أخــلاقيــــة
نظم طلبة الدكتوراه في الفلسفة، بجامعة محمد لمين دباغين/ سطيف2، نهاية الأسبوع، ملتقى علميا حول «قيمة الإنسان بين القانون الطبيعي والقانون الأخلاقي». وتناول عدة محاور مختلفة، منها: ضبط المفاهيم التأويلية، مشكلة المنهج في العلوم الإنسانية، العلوم الإنسانية والصراع الإيديولوجي. وتم تقديم مداخلات ومقاربات تأويلية ضمت قراءات في نماذج وموضوعات متنوعة.
وقد قدم الأستاذ بن هلال وليد، مداخلة بعنوان «المُتَخَيَّل الاجتماعي وأثره في تشَّكل النظرة الأخلاقية الحديثة»، تطرق فيها إلى إبراز دلالة المُتَخَيَّل الاجتماعي وأثره في تشكُّل النظرة الأخلاقية الحديثة عند أحد أهم الفلاسفة المعاصرين، وهو الكندي تشارلز تايلور، والذي حاول استعادة سؤال القيم وعلوم الإنسان وفق وجهة نظر فلسفية جديدة تؤخذ بعين الاعتبار التحولات الكونية التي ميزت العالم اليوم. وقد طرحت المداخلة في ذات السياق دائما، عدة أسئلة عن الأطر المرجعية أو السرديات الكبرى التي تؤثر في تمثلنا للوجود، للعالم وللقيم؟، مثل: هل نحن أمام أعقاب حداثة واحدة محددة هي الحداثة الغربية، أم أنّنا إزاء حداثات متعددة متنوعة ومتجددة؟. كما تناول المُحاضر في نص مداخلته، الحالة المأزومة التي يمر العالم بها اليوم في ظلّ هيمنة الفراغ الوجودي.
في حين تناولت الأستاذة نبيلة العمزاوي في ورقتها، إشكالية إعادة النظر في الإنسان الذي فقد ماهيته وتذبذب وجوده، وهو ما تطلب العودة -حسب قولها- إلى المتون التراثية التي أفردت حيزا كبيرا للإنسان من خلال نموذج ابن رشد الذي يثوي في كتاباته بما يسمى بالأسئلة الكبرى. وخلصت المُتدخلة في الأخير إلى طرح تساؤلات كبيرة أكثر من إعطاء إجابات من بينها سؤالها الشائك الإشكالي: «بماذا تتقوّم إنيّة الإنسان؟ هل تتقوّم بوصلها بالغير (بالإلهي والطبيعي)، أم بالجوهر والماهية أي بفصلها عنهما؟ ثمّ ما أبعاد ذلك على صعيد الوجود العملي للإنسان؟».
أما الأستاذ نسيم إدير، فتحدث في مداخلته عن الحياة الأخلاقية من منظور المذهب الإنسانوي. وكما هو معروف يعتبر المذهب الإنسانوي من أهم المذاهب الفكرية والفلسفية التي تناولت مسألة الحياة الأخلاقية لدى الإنسان، فقد حاول هذا المذهب أن يضع أسس ومرجعية محددة للفعل الأخلاقي، نابعة من الداخل، من سلطة الذات وحرية الفرد الغريزية فالاختيار، وليس من سلطة مفروضة من الخارج.
الملتقى شهد تدخل العديد من المحاضرين الذين قدموا أبحاثهم ومقارباتهم، منها مداخلة للأستاذة هاجر طالب، بعنوان «نحو مقاربة منهجية ومعرفية لحل أزمة العلوم الإنسانية: علوم التربية نموذجا»، وتطرقت فيها إلى معاناة العلوم الإنسانية من أزمة أبستمولوجية تداعت فيها مختلف النظريات والمناهج في دراستها للواقع من خلال امتلاكها لحقيقة حل الأزمة الراهنة الناتجة عن التطور الحاصل على مستوى نظيرتها العلوم التجريبية.
كما تم تقديم مداخلة أخرى بعنوان «نظرات في ركن الأدب والأخلاق في الفكر الصوفي ودوره في بناء الإنسان الكامل»، للأستاذ دلوم هشام، وجاء فيها أن الصوفية ترسم صراط الإنسان الكامل، ولهذا من الضروري المساءلة عن منزلة الأخلاق والأدب في ثنايا هذا المشروع. المداخلة وبقدر ما قدمت أجوبة ومقاربات، طرحت أسئلة أخرى من قبِيل: ما هي منزلة الأدب والأخلاق في الفكر الصوفي؟ وما مصدر هذه الأخلاق؟ وما دورها في بناء الإنسان؟.
في حين جاءت مداخلة الأستاذ حيدر العايب، لتغوص في جذور مشكلة سيادة الإنسان على الطبيعة، ولتسليط الضوء على سجال المناهج في مقاربتها للظاهرة الإنسانية ومدى نجاعة كلّ مقاربة في احتوائها للتجربة الإنسانية وما تتسم به من ذاتية وتجدد، وما تنطوي عليه من قِيم وفكر وما تتطلع إليه من رؤى وآفاق تأبى الركون إلى مجرّد الواقع الطبيعي المادي.        
نوّارة/ ل

الرجوع إلى الأعلى