
* تدابير مالية بشعار «لا تقشف ولا تبذير»
حدد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، معالم السياسة المالية التي ستنتهجها الحكومة خلال العام المقبل، والتي اتسمت بالوضوح والشفافية والابتعاد عن القرارات الشعبوية والمناسباتية، وهو ما برز من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه الأحد، من خلال استبعاد فرض ضرائب جديدة، والحفاظ على التوازنات المالية الكبرى للدولة، وضمان استمرار تدفق وتنفيذ الاستثمارات، ورفع العراقيل التي تعيق المتعاملين.
وعكس مضمون مشروع قانون المالية للعام المقبل تماما مضمون التعليمات التي قدمها الرئيس تبون للوزير الأول الجديد عند تكليفه بقيادة العمل، وتأكيده على وضع انشغالات المواطنين على رأس الأولويات، وجعل المطالب الاجتماعية للجزائريين الشغل الشاغل للحكومة، وهو ما ترجمته الحكومة، بناء على تعليمات الرئيس تبون، بعدم إدراج أي زيادات تُرهق القدرة الشرائية أو تُثقل كاهل الجزائريين.
هذا التوجيه يعكس إصرار الرئيس تبون على حماية المواطنين من أي ارتدادات تضخمية أو جبايات إضافية، ويكرّس منطقا جديدا في إعداد الموازنات العامة، يقوم على العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية بدل اللجوء إلى الحلول السهلة التي يتم اللجوء إليها عادة، عند بروز تحديات اقتصادية.
القدرة الشرائية خط أحمر
شدّد رئيس الجمهورية، خلال اجتماع مجلس الوزراء، على عدم إدراج أي زيادات ضريبية ضمن قانون المالية لسنة 2026 قد تمسّ القدرة الشرائية للمواطن، ما يؤكد أنّ الاستقرار الاجتماعي خيار استراتيجي تلتزم به الدولة في ظل تقلبات الأسواق العالمية وضغوطات الأسعار التي تمس السلع الأساسية، كما شدد الرئيس على ضرورة الإبقاء على الدعم الاجتماعي رغم ارتفاع كلفته.
وإضافة إلى ذلك، ستعمل الحكومة على تجسيد القرار الرئاسي المتمثل في إدراج زيادات جديدة في الأجور ومنحتي البطالة والطالب، وهي الزيادات التي قد تشمل أيضا منحة المتقاعدين، حسب إمكانيات الدولة. وذلك بدءًا من العام المقبل، حيث من المقرر أن يتم إدراج القرار ضمن مشروع قانون المالية للعام المقبل وضبط تبعاته المالية على خزينة الدولة.
وكان الرئيس تبون قد أكد في لقائه الإعلامي الدوري أنه «متمسك بالتزاماته التي قطعها للشعب الجزائري».
وبحسب الخبراء فإن القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، والتعليمات التي أسداها للحكومة تعكس مرة أخرى تمسك الدولة الجزائرية بطابعها الاجتماعي، وهو ما دأب عليه الرئيس منذ توليه الحكم سنة 2020. كما يجمع الخبراء بأن هذا التوجه لا يتعارض مع المسار الاقتصادي الحالي القائم على دعم التنمية الاقتصادية، وتحفيز الاستثمارات، وزيادة الإنفاق العمومي، دون الإضرار بمستوى معيشة المواطن أو المساس بتوافر المواد الأساسية.
التسيير الذكي للموارد وضمان التوازنات المالية
وأكد الرئيس تبون في التعليمات الموجهة للحكومة على ضرورة ضمان التوازنات المالية والحرص على عدم إغراق الخزينة العمومية بالديون والتكاليف الثقيلة بسبب القرارات التي قد تكون متسرعة وغير مدروسة خاصة فيما يتعلق بالتدابير الاجتماعية أو المشاريع القطاعية المبرمجة دون استيفاء كل الشروط المتعلقة بالدراسات التقنية والمالية والتي غالبا ما تكون سببا في إعادة تقييم كلفتها المالية.
وتتجه الجزائر نحو مقاربة جديدة أكثر واقعية وإنصافا، ترتكز على مبدأ “التسيير الذكي” بدل التقشف على حساب المواطن. وهو ما أكده رئيس الجمهورية في آخر لقاء، حيث قال بأن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الجزائر اليوم تهدف إلى خلق توازن بين الاستيراد والإنتاج المحلي لتلبية مختلف الحاجيات الوطنية، مشدداً على أن هذا التوجه “لا علاقة له بالتقشف”.
ويحرص الرئيس تبون على أن يوفر مشروع قانون المالية، البيئة المناسبة لمواصلة المجهود الوطني نحو بلوغ وتيرة جيّدة للنمو ضمن معادلة اقتصادية واجتماعية متوازنة تستجيب للمتطلبات من جهة، وللتطلعات من جهة أخرى، وبالتالي تخطي خيار التقشف وتعزيز خيار التسيير الرشيد للموارد والاستغلال الأمثل للقدرات المحلية.
وضمن هذا المنظور، تعتمد المقاربة الجديدة على اعتبار الانفاق العمومي كعامل لتحقيق الاستقرار الاجتماعي من جهة ودفع الحركية الاقتصادية عبر تشجيع الاستهلاك وهو ما يعود بالفائدة على الشركات الوطنية العمومية والخاصة، إذ أثبتت التجارب أن المواطن ليس مجرد مستهلك للثروة، بل شريكٌ في صنعها متى ما توفرت له بيئة معيشية مستقرة وفرص اقتصادية عادلة. ما يسمح برسم سياسة مالية تُوازن بين العدالة الاجتماعية والانضباط المالي، وتُعيد ترتيب الأولويات.
2026.. سنة الاستثمار والمشاريع الكبرى
كما ستعمل الحكومة على تنفيذ التعليمات التي وجهها الرئيس تبون، لترقية الاستثمار وتشجيع المبادرات والمنافسة بعيدا عن الشعبوية، بالإضافة إلى القرارات التي يتضمنها مشروع قانون المالية لرفع العراقيل البيروقراطية عن المشاريع الاستثمارية، وهي القرارات التي ترمي إلى الرفع من مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام.
وستركز الحكومة ضمن التدابير المرتبطة بالاستثمار، على تجسيد الالتزام بضمان المرافقة النوعية، لا سيما للمتعاملين الذين يطمحون لتوسيع نشاطاتهم الصناعية والإنتاجية بشكل عام، من خلال مختلف التدابير والتسهيلات، على غرار التمويل عن طريق القرض، وغيره من الحلول. خاصة وأن مشروع قانون المالية لعام 2026 يأتي في سياق مناسب خصوصاً مع التراجع الواضح في نسبة التضخم التي انخفضت إلى 4 بالمائة بعدما كانت 9 بالمائة سنة 2022، واستقرار احتياطي الصرف في مستويات جد مناسبة.
كما تتمتع الحكومة بهامش مناورة أكبر لتحضير الميزانية السنوية للعام القادم بفضل بعض المؤشرات الإيجابية، من بينها قرار بنك الجزائر خفض نسبة الفائدة من 3 بالمائة إلى 2 بالمائة، ما يُسهّل الحصول على القروض للأفراد والمؤسسات دون أعباء مالية ثقيلة، ويزيد من تدفق السيولة لتمويل الاقتصاد الوطني.
وتعَدّ هذه الرؤية جزءا من التحول العميق الذي يشهده النموذج الاقتصادي الجزائري، والذي يوائم بين الانفاق الاجتماعي ومتطلبات الإقلاع الصناعي، مع الإمكانيات المالية للدولة وقدرة النظام المالي على الاستجابة لمطلب خفض العجز بالموازاة مع الإبقاء على مستويات مناسبة من الإنفاق العمومي حتى ينعكس إيجابيا على حياة المواطن.
وبذلك تراهن الجزائر على جعل سنة 2026 سنة مفصلية خاصة فيما يخص الاستثمارات الكبرى، حيث من المتوقع ان يشهد العام المقبل إطلاق عديد المشاريع الكبرى، ودخول استثمارات كبرى حيز الاستغلال في عديد القطاعات، على غرار الصناعات الغذائية والميكانيكية والنسيجية، إضافة إلى قطاع المناجم، والمشاريع الهامة في مجال الطاقة بالشراكة مع كبرى الشركات الطاقوية في العالم، على غرار الشركات الامريكية والأوروبية، ما سيضع الاقتصاد الجزائر على سكة الإقلاع ليتبوأ مكانة رائدة ضمن كبرى الاقتصادات في إفريقيا.
ع سمير