
•17 أكتوبر جسّد التحام المهاجرين الجزائريين بالثورة التحريرية المجيدة
أحيت الجزائر، الجمعة، الذكرى الـ 64 لمظاهرات 17 أكتوبر من سنة 1961 بباريس، التي شهدت واحدة من أبشع المجازر المرتكبة في حق أبرياء عزل حيث قام المستعمر الفرنسي بقمع متظاهرين أبرياء وألقى بهم أحياء وأموات في مياه "نهر السين". في جريمة نكراء تبقى مسجلة في السجل المخزي الذي تحاول "بلاد حقوق الإنسان" طمس آثاره منذ عقود.
فقبل 64 سنة وبالتحديد يوم الثلاثاء الذي أصبح يصطلح عليه بـ" الثلاثاء الأسود" ارتكبت فرنسا أحد أبرز الأحداث الهمجية في تاريخ القوى الاستعمارية للقرن العشرين، حيث شهدت العاصمة باريس واحدة من أبشع المجازر المرتكبة في حق أبرياء عزل، خرجوا للتظاهر السلمي احتجاجا على حظر تجوال "تمييزي" فرضه محافظ شرطة باريس، وقتها، موريس بابون، المدان سنة 1998 بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية حينما تولى قبلها، منصب والي على عمالة قسنطينة.
وفد فشلت شرطة باريس في إسكات صوت الحرية بأعماق نهر السين الذي امتزجت مياهه بدماء الشهداء، حيث تصدرت صور التقتيل والتعذيب الوحشي الذي تعرض له آلاف المتظاهرين الجزائريين السلميين، عناوين الصحف الأوروبية والعالمية، ما جعل المؤرخين يصنفون تلك المجازر كأعنف قمع مارسته دولة ضد متظاهرين في الشارع بأوروبا الغربية في التاريخ المعاصر.
وتُخلّد الجزائر، هذا اليوم كل سنة، وفقًا لمرسوم رئاسي صدر عن الرئيس عبد المجيد تبون، حيث يتم الوقوف دقيقة صمت في الساعة الحادية عشرة صباحًا في كل أنحاء البلاد وفي الممثليات الدبلوماسية بالخارج، ترحمًا على أرواح شهداء المجازر، كما أنشأت وزارة المجاهدين معلمًا تذكاريًا بباريس لتخليد ذكرى الضحايا.
واعتبر رئيس الجمهورية، ان تاريخ 17 أكتوبر 1961، الشاهد على مجازر السلطات الاستعمارية الفرنسية ضد أفراد الجالية الوطنية بباريس يمثل يومًا خالدًا في الذاكرة الوطنية، كونه يعبر عن التحام المهاجرين الجزائريين بالثورة التحريرية المجيدة، التي كانت آنذاك، بعد سبع سنوات من الكفاح المسلح، قد ارتقت إلى ملحمة تحررية، استقطبت بزخمها وصداها الثوري دعم أحرار العالم لشعب مكافح، عازم على تغيير مجرى التاريخ الاستعماري بالتخلص من سطوته وجبروته بأغلى التضحيات.
وتعد مجازر 17 أكتوبر 1961 من بين المحطات الكثيرة التي أبان فيها الجزائريون بالمهجر عن ارتباطهم الوثيق بقضية وطنهم الأم، حيث أن الجالية كانت تمثل المحرك الأساسي والمحيط الحيوي الذي استمدت منه الثورة التحريرية دعمها.
وتوثق تلك المشاهد المأساوية في محطات ميترو الأنفاق وجسور نهر السين “لحقد الاستعمار ودمويته وعنصريته في تلك اللحظات المجنونة، الخارجة عن أدنى حس حضاري وإنساني”، مثلما أكده رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون في مناسبة سابقة، اعتبر خلالها أن هذه المجازر تؤكد من جهة أخرى على عمق الرابطة الوطنية المقدسة بين أبناء الوطن في الداخل والخارج وعلى التحام أفراد الجالية بالقضايا المصيرية لبلدهم الأم.
وبعد أكثر من ستة عقود من الزمن على واحدة من أفظع الجرائم المرتكبة في قلب أوروبا، عاد ملف مجازر 17 أكتوبر 1961 إلى واجهة النقاش السياسي في فرنسا، هذه المرة من بوابة البرلمان. حيث تقدم عدد من نواب الجمعية الوطنية الفرنسية بـ"مقترح قرار جديد يدعو بشكل صريح إلى الاعتراف بما حدث في ذلك اليوم، من عنف دموي طال المتظاهرين الجزائريين في باريس" على اعتباره " جريمة دولة" ارتُكبت بأوامر رسمية وبغطاء مؤسساتي، وليس مجرد "تجاوزات معزولة".
وتمّ تقييد المقترح وفقا لوسائل إعلام فرنسية تحت رقم 1899، ضمن الدورة التشريعية الـ17، إذ جاء بمبادرة من النائب إيدير بومرتيت، وعبر دعم من تكتل اليسار "فرنسا الأبية"، ووقع عليه عشرات النواب من بينهم: أيمريك كارون، ماتيلد بانو، دانيال أوبونو، ومانويل بومبار.
ويدعو النص التشريعي الحكومة الفرنسية بالاعتراف العلني والكامل بمسؤولية الدولة عن أحداث 17 أكتوبر 1961، مع التأكيد أن الجريمة لا يمكن اختزالها في شخص محافظ شرطة باريس آنذاك موريس بابون، ما يدعو إلى إدراج هذا التاريخ ضمن التقويم الجمهوري الفرنسي كيوم وطني لإحياء ذكرى الضحايا، والاعتراف الرسمي بالحقيقة التاريخية التي طُمست لعقود.
ع سمير