
* نحو تعزيز مسار توثيق الجرائم البيئية للاستعمار
أكد الاجتماع التنسيقي الذي جمع، أمس، أعضاء اللجنة الوطنية للتاريخ والذاكرة وأعضاء اللجنة الوطنية للذاكرة البيئية، والمديرية العامة للأرشيف الوطني، تحت إشراف وزيرة البيئة وجودة الحياة، كوثر كريكو، أن الجزائر تتقدم بخطوات واثقة في ورشة إعادة بناء الذاكرة الوطنية، ضمن مسار استراتيجي تشرف عليه مؤسسات الدولة، بهدف تحرير السردية التاريخية من التشويه الاستعماري وضمان تثبيت الحقائق عبر أدوات علمية موثوقة.
وجاء هذا الاجتماع ليبرز حجم التحضيرات التي باشرتها اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، باعتبارها الهيئة المركزية المكلفة بجمع الحقائق التاريخية وتدقيقها، وإعداد سردية علمية موثقة للجرائم التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي في مختلف مناطق البلاد، بما في ذلك الجرائم البيئية التي بدأ الاهتمام بها يأخذ مسارا منهجيا جديدا.
وفي كلمتها الافتتاحية، أكدت وزيرة البيئة وجودة الحياة أن اللقاء يأتي في سياق تكامل القطاعين (البيئة والمجاهدين) مع اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، التي أسسها رئيس الجمهورية في 30 نوفمبر 2022، وأن عمل اللجنة الوطنية للذاكرة البيئية يشكل امتدادا لجهود هذه الهيئة المركزية في توثيق الجرائم الاستعمارية وفق مقاربات متعددة.
وأوضح أعضاء اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة أن المرحلة الحالية هي مرحلة إعداد مرجعية علمية مشتركة تجمع الوثائق والشهادات والمعطيات البيئية والتاريخية، بهدف رسم خريطة شاملة للأضرار التي خلفها الاحتلال، سواء كانت نتيجة المجازر الجماعية، أو التجارب النووية، أو التخريب البيئي المباشر وغير المباشر.
وتستند هذه التحضيرات إلى منهج متعدد المصادر، يشمل، ‘’المعطيات الأرشيفية الجزائرية والفرنسية والدولية’’، ‘’شهادات المجاهدين وأعيان المناطق المتضررة’’، و ‘’ التحقيقات الميدانية التي تعتمد على أخذ العينات البيئية’’، إلى جانب ‘’ العمل البحثي المشترك بين المرصد الوطني للبيئة ومركز البحث في التاريخ التابع لوزارة المجاهدين’’.
وفي هذا السياق ، شدد منسق اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، الدكتور محمد لحسن زغيدي، على أن اللجنة تعكف منذ أشهر على وضع الأسس التي تسمح بانتقال الملف من مستوى التوثيق التاريخي إلى مستوى المطالبة القانونية الدولية، موضحا أن اعتراف الأمم المتحدة سنة 2022 بالبيئة كحق أساسي للإنسان يشكل مرتكزا رئيسيًا لملف الذاكرة البيئية.
وأكد زغيدي أن توسيع البحث ليشمل الأثر البيئي هو جزء من رؤية شاملة للجنة تهدف إلى ‘’إثبات الجرائم الاستعمارية في كل أبعادها، بما فيها تلك التي مست الأرض والموارد الطبيعية والصحة العامة’’، معتبرا أن هذا المسعى سيؤدي إلى إعداد دليل علمي موثّق تشرف عليه اللجنة وتدعمه شهادات حية وتحاليل مخبرية.
أما المدير العام للأرشيف الوطني، محمد بونعامة، فقد أشاد بالمقاربة الجديدة التي تسمح لأول مرة بدمج البعد البيئي ضمن ملف الجرائم الاستعمارية، معتبرا أن هذا المسار ‘’يفتح أفقا جديدا في استراتيجية الدولة للدفاع عن الذاكرة الوطنية’’.
وأكد السيد بونعامة، أن المديرية العامة للأرشيف الوطني تعمل على فتح ملفات أرشيفية دقيقة وموثقة يمكن أن تدعم التحقيقات الجارية، مشددا على أن «إثبات الجرائم البيئية يتطلب دمج الوثيقة التاريخية بالمعطيات العلمية، وهو ما يتم التحضير له على أعلى مستوى».
كما اعتبر أن انطلاق اللجنة الوطنية للذاكرة البيئية، بإشراف وزارة البيئة و وزارة المجاهدين، سيسمح بتوسيع منظومة التوثيق خارج الإطار الكلاسيكي نحو فضاءات لم تتم دراستها معمقا من قبل، كالمناطق المتضررة من الألغام، مخلفات التجارب النووية، والمناطق التي تعرضت للاستنزاف البيئي خلال فترة الاحتلال.
اللقاء، الذي جاء في سياق رمزي يتزامن مع ذكرى 11 ديسمبر واليوم العالمي لحقوق الإنسان، أعاد التأكيد على أن اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة تضطلع بدور محوري في التحضيرات الجارية لتطوير ملف وطني شامل حول الجرائم الاستعمارية في أبعادها، التاريخية والسياسية و الإنسانية و البيئية.
ويسجل المشروع تقدما ملحوظا، خاصة بعد تأسيس اللجنة الوطنية للذاكرة البيئية وإدماج المؤسسات العلمية المختصة وتوجيه العمل نحو بناء قاعدة بيانات وطنية موثقة، والاعتماد على رؤية مشتركة بين السلطات العمومية والباحثين والخبراء.
ويعكس هذا المسار الديناميكية التي أطلقتها الدولة الجزائرية في السنوات الأخيرة لإعادة قراءة الذاكرة الوطنية ضمن رؤية حديثة تجمع بين الحفظ والتوثيق والتأهيل العلمي، بما يسمح لاحقا بتثبيت الحق التاريخي والبيئي للجزائر في مختلف المنابر الدولية.
عبد الحكيم أسابع