فقدت الساحة الفنية الجزائرية الجمعة، أحد أهم أعمدتها برحيل المخرج والمنتج محمد لخضر حمينة، عن عمر ناهز 95 عاما، وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد عزى في وفاته، معتبرا غيابه «فاجعة» واصفا إياه بـ «عملاق السينما العالمية».
وأعلن أبناء المخرج الراحل في بيان لهم أن لخضر حمينة: «توفي في منزله بالجزائر العاصمة عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، تاركا وراءه إرثا سينمائيا لا يقدر بثمن»، مشيدين «برؤيته الفريدة التي طبعت تاريخ السينما».
وأشارت العائلة إلى أن محمد لخضر حمينة تمكن من إقامة «جسر ثقافي فعلي بين الجنوب والغرب، فأصبح بذلك صوت العالم الثالث وبلده، مدى 40 عامًا تقريبا».
وفي رسالة تعزية، عبر الرئيس عبد المجيد تبون عن «بالغ الحزن والأسى» بوفاة من وصفه بـ»عملاق السينما العالمية» الذي ترك «بصمة خالدة في تاريخ السينما».
وأشار السيد الرئيس إلى أن «رائعة» وقائع سنوات الجمر «فتحت عيون العالم عن قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار».
وقال: «قبل أن يكون مخرجا عالميا مبدعا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهدا أبيا، ساهم في تحرير بلاده، بما نقل من صور ومشاهد عرفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفرة».وشكل النضال من أجل استقلال الجزائر محور فيلم «وقائع سنوات الجمر» الذي يتناول من عام 1939 إلى عام 1954، ولادة أمّة ورحلة الشعب الجزائري وصولا إلى اندلاع الحرب ضد الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال (1954-1962).
صوت العالم الثالث وأحد رواد السينما التحررية
يعتبر حمينة، المخرج العربي والإفريقي الوحيد الذي افتك "سعفة كان الذهبية"، وقد وقع المشهد الأخير من قصته عشية الاحتفال بخمسينية الذكرى، ليكون رحيله مرا مرارة «وقائع سنين الجمر» عمله المتوج بالجائزة المرموقة.اف
تك الفيلم السعفة خلال دورة المهرجان لسنة 1975، وكان من بين الأعمال التي أبرزت تمظهرات الهوية القيمية الاجتماعية، وسلطت الضوء على معاناة الجزائريين إبان الحرب، بوصفها ملحمة سياسية تاريخية تركت بصمة في الساحة السينمائية العالمية.
وقد شهد مهرجان كان هذه السنة، لفتة تكريمية لحمينة الذي يعد من العرب والأفارقة القلائل الذين نافسوا أربع مرات على جوائزه، وكان التكريم من خلال عرض نسخة «فور كاي» من فيلم «وقائع سنين الجمر»، ضمن برنامج فئة «كان كلاسيكس».هذه التحفة كانت قد وضعت المخرج ضمن قائمة رواد السينما التحررية، خصوصا وأنه اشتهر كذلك بأفلام أخرى صورت معاناة الشعوب وتحدثت كثيرا عن الثورة الجزائرية تحديدا، فقد قدم إلى جانب الفيلم المتوج، أفلاما خالدة مثل «ريح الأوراس»، الذي أنتجه سنة 1966، ونال بفضله جائزة أفضل فيلم أول في مهرجان كان سنة.
و رافع حمينة، عبر الكاميرا ومن خلال مشاركاته في المهرجانات الدولية من أجل قضايا التحرر، وكشف الوجه البشع للاستعمار و معاناة الشعوب المحتلة، ولذلك فقد عرف بين صناع الفن السابع بصوت العالم الثالث، لأنه كان من المبدعين القلائل الذين استطاعوا أن يحجزوا لأنفسهم مكانا بين الكبار خلال سنوات الستينيات والسبعينيات.
مجاهد وفنان
محمد لخضر حمينة، مخرج، وممثل، وكاتب، ومنتج من مواليد المسيلة عام 1934، درس الزراعة، ثم غادر الجزائر شابا ليواصل دراسته في « أنتيب» بفرنسا، التي تركها نحو تونس إبان الثورة التحريرية المجيدة ليلتحق بصفوف المناضلين هناك سنة 1958، بعدما كان الاستعمار قد اختطف والده وعذبه قبل وفاته.عمل في قسم الأخبار بالتلفزيون التونسي لفترة، وتعلم السينما بالممارسة، عن طريق تدريب في إحدى القنوات هناك، قبل الشروع في أفلامه القصيرة الأولى، حيث بدأ مسيرته كمخرج في 1964، وكانت انطلاقته بفيلم «لكن في أحد أيام نوفمبر» الوثائقي.
قرر التخصص في الفن السابع فسافر إلى تشيكوسلوفاكيا أين اشتغل على أعمال وثائقية حول الثورة على غرار وثائقي « بنادق الحرية» الذي قدمه سنة 1962، بالتعاون مع المخرج جمال شندرلي، كما أخرج أيضا فيلم « صوت الشعب». تولى بعد الاستقلال مناصب منها رئاسة الديوان الجزائري للأخبار، كما أنتج وأخرج خلال ذات الفترة عديد الأعمال على غرار «البحث عن اللوم»، » وعود جويلية»، « النور للجميع»، و» يوم من نوفمبر». وله أيضا روائع سينمائية أخرى منها « حسان الطيرو1968»، إضافة إلى فيلمي « ديسمبر1973»، و» الإرهابي» ، «رياح الرميلة1982»، و « الصورة الأخيرة1986»، وكان آخر سينمائي قدمه خلال مسيرته هو « شفق الظلال 2014».
تفاعل كبير مع خبر رحيله
وشكل رحيل المخرج الجزائري حدثا بارزا في الساحة الفنية محليا وفي الخارج، فقد تداولت عديد المواقع الإخبارية خبر وفاته مع الإشارة إلى أنه واحد « من أعمدة السينما في الجزائر وعربيا»، و» صاحب السعفة الذهبية الوحيدة للعرب وإفريقيا»، و» الرجل الذي مد الجسور بين عالمين الجنوب و الغرب»، و» صوت الجنوب»، و «رائد السينما الملحمية والشعرية».
وتداول الكثير من الناشطين عبر المنصات التفاعلية صورا له ومقاطع فيديو، فيما أعاد التلفزيون الجزائري بث فيلم « وقائع سنين الجمر» تكريما لروح الفقيد. وزارة الثقافة، عزت في وفاة الراحل عبر رسالة نشرتها صفحتها الرسمية على فيسبوك جاء فيها:» ببالغ الأسى والتأثر، تلقّى السيد «زُهَير بَلَّلُو» وزير الثقافة و الفنون، نبأ وفاة المنتج والمخرج السينمائي الكبير «لخضر حمينة» أحد أعمدة السينما الجزائرية والعربية، واسمها المضيء في المحافل الدولية.
برحيله، تفقد الجزائر قامة فنية شامخة، ومخرجًا رائدًا كرّس حياته للفن الملتزم، وأثرى الذاكرة الوطنية بأعمال خالدة، جسّدت نضال شعب، وهموم أمة، وجمال الصورة السينمائية الأصيلة.
وقد نال الفقيد جائزة السعفة الذهبية لمهرجان «كان» عام 1975 عن فيلمه الملحمي «وقائع سنين الجمر»، في تتويج عالمي استثنائي يعكس عبقريته الإبداعية وتمكّنه التقني، وارتباطه العميق بالقضية الجزائرية.من رياح الأوراس إلى غروب الظلال، ومن صوت الشعب إلى الصورة الأخيرة، ظل الفقيد وفيًّا لذاكرته، لوطنه، ولرسالته الفنية النبيلة، مؤمنًا بأن السينما سلاح من لا سلاح له.
وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدّم السيد الوزير بخالص التعازي وصادق المواساة إلى أسرة الفقيد، وأهله وذويه، وإلى الأسرة الثقافية والفنية داخل الوطن وخارجه، راجيًا من الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويُلهم ذويه جميل الصبر والسلوان.
وعلق الفنان يوسف سحايري، على خبر الوفاة بمنشور قال فيه «غادر المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة صاحب جائزة أول عمل سينمائي وصاحب السعفة الذهبية الضائعة 1975و الكثير من الجوائز السينمائية القيمة تارك خلفه روائع و تحف سينمائية ( ريح الأوراس ، وقائع سنين الجمر، حسان طيور، ديسمبر، ريح الرمل، الصورة الأخيرة).
وكذلك نعاه القائمون على المركز الجزائري للسينيماتوغرافيا، من خلال نص تعزية وصفه بأنه «أيقونةً لا تتكرر، وصوتًا سينمائيًا عبّر عن الجزائر الجريحة، الثائرة، والحالمة… مخرج «وقائع سنين الجمر»، أول عمل عربي وإفريقي يتوّج بـالسعفة الذهبية من مهرجان كان سنة 1975، لم يكن مجرد فنان، بل كان شاهدًا على عصر، وناقلًا لوجدان شعبٍ بأكمله من خلال عدسته البصرية الشاهقة».ونشر حساب الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة « ببالغ الحزن والأسى، تلقّى الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة نبأ وفاة المخرج والمنتج القدير «محمد لخضر حمينة» العضو بالديوان، احدى أبرز رموز السينما الجزائرية». هدى طابي