استطاعت محلات لصناعة «الزلابية» بالحامة بقسنطينة، أن تحقق شهرة محلية، وتستقطب محبي الحلوى من مختلف الأحياء و البلديات، فصارت زلابية الحامة تنافس على الجودة و الذوق، وتكاد تصبح علامة مسجلة ترتبط برمضان وعاداته.
لينة دلول
يقصد المدينة يوميا صائمون يشتهون الحلوى«المقرمشة الخفيفة» ويطلبون غيرها من الأصناف بما في ذلك «الصامصة» و «صبع العروس» و «المقرقشات» التي تحضر باحترافية في محلات ينشط بعضها منذ سنوات.
ملكة السهرات الرمضانية
تنتشر في المنطقة محلات «زلابجية» باتوا يشتهرون بصناعة ألذ حلوى على مستوى الولاية، وقد شدنا خلال تواجدنا هناك، حجم الإقبال على دكاكين معينة ينشط بعضها منذ سنوات، و يشتهر بالزلابية و بما لذ من أنواع أخرى مثل الصامصة و المقرقشات، وهما صنفان لا يقل الطلب عليهما عن تهافت الزبائن على الحلوى الشهيرة، التي تعد ملكة السهرات الرمضانية وعروس الموائد بعد الإفطار.
وحسب زبائن تحدثنا إليهم، فإن السر في شهرة زلابية الحامة، يكمن في العجين فهي حلوى خفيفة جدا مقارنة بما يباع في أماكن أخرى، و يمكن أن تتناول منها أكثر من قطعة واحدة خلال السهرة، لأنها لا تتشرب الكثير من الزيت عند قليها و لا تحبس العسل بكثرة في داخلها، حيث يطهى العجين جيدا ولا يشعرك طعمه بأن في فمك شيئا نيئا.
مقرمشة و لذيذة
محمد وعامر تاجران من العلمة، قالا بأنهما حضرا إلى الحامة لغرض العمل وقررا أخذ الزلابية لأجل السهرة أيضا، وأخبرانا بأنها ليست المرة الأولى التي يجربانها فقد أدمناها منذ العام الماضي، عندما أهداهما تاجر من المنطقة يتعاملان معه بشكل دائم، بعضا منها، فأحباها جدا وصار شراؤها طقسا حاضرا عند كل زيارة للحامة معا أو بشكل منفرد خصوصا في رمضان.
أما وسيلة فقالت، إن الزلابية من الحلويات التي لا تكاد تغيب عن مائدة السهرة في رمضان، موضحة بأنها موظفة في مؤسسة عمومية للصحة الجوارية و هناك من زميلاتها اللواتي يقمن في بلديات أخرى، من يقصدن « الزلابجية» يوميا لأجل هذه الحلوى تحديدا، وذلك رغم توفرها في أماكن أخرى، أما السبب حسبها، فهو تميز الذوق فزلابية الحامة « خفيفة» وهو ما يصنع شهرتها.
من جانبه، قال رستم شاب ثلاثيني، إنه يحضر من بكيرة إلى الحامة بشكل شبه يومي تقريبا، وذلك قبل المغرب بساعتين على الأقل ليحصل على الزلابية المقرمشة التي يعدها محل يتردد عليه منذ سنوات، مضيفا أن والده من أبناء المدينة القدامى وقد كان زبونا وفيا لذات المحل قبل أن يغادر الحامة نحو وسط المدينة ثم بكيرة، ولا يزال إلى اليوم مولعا بطعمها ويفضلها عن كل الحلويات الأخرى، كما يصر في رمضان على أن تكون حاضرة بعد الإفطار حتى وإن تناول منها القليل فقط.
مهنة متوارثة أبا عن جد
محل«حلويات تقليدية»، الذي يشرف عليه حسين معاذ، هو واحد من بين أقدم دكاكين « الزلابية» في الحامة، وذلك بحسب ما أكده لنا زبائن و تجار من المنطقة، حيث يعود في الأصل إلى المرحوم عمي حسان بلباقي الذي ورثه عن والده، وهو ما كرس الحرفة في العائلة وحافظ على سر الوصفة بين أنامل أبنائها.
قال لنا معاذ الشاب الذي يشرف على المحل اليوم، بأن والده بدأ في ممارسة الحرفة منذ سنة 1970، وكان آنذاك من القلائل الذين يصنعون الزلابية في الحامة، مفصلا : « علمنا أنا وأخي ونحن صغار كيفية تحضير عجين الزلابية على أصوله، وكيفية طبخها دون أخطاء لأنه كان يأمل دائما في أن نحافظ على محله بعدما يتقاعد، وهو ما تم فعليا عقب رحيله حيث لا نزال إلى الآن نعد نفس الوصفة التي تركها و دون أية تعديلات، رغم كل الإضافات التي أدخلت على هذه الحلوى مع استخدام البعض للملونات الغذائية و المكسرات لجذب الزبائن، لأننا نؤمن بأن السر يكمن في الذوق الأصلي».
يبدأ معاذ وشقيقه في تحضير الوصفة على الساعة الخامسة صباحا ويستمران إلى السادسة زوالا في شهر رمضان، كما أوضح محدثنا، حيث يحضران العجين كل مساء ويحرصان على نوعية السميد قبل استخدامه وذلك للحصول على القوام المطلوب و الهش، وقال الشاب في معرض حديثه، إنه لا يتهاون ولا يقصر في عمله لأن سمعة المحل تعتمد على الجودة وضمان نفس الطعم والشكل و النكهة، علما أن المحل لا يغير قائمة حلوياته طوال السنة ويحتفظ بنفس الأصناف حيث يوفر الصامصة و المقرقشات أيضا، مع ذلك تبقى الزلابية الصنف الأكثر طلبا في رمضان تحديدا.
وأضاف معاذ، أن الإقبال على اقتناء الزلابية لا يخص سكانها و سكان قسنطينة و ضواحيها، بل تستقطب مواطنين من كل الولايات ، وهو ما يؤكده ترقيم سيارات أغلب الولايات الموجودة بالمدينة في شهر رمضان أما محله، مشيرا في ذات السياق أن نشاطه لايقتصر على شهر رمضان وفقط بل طيلة السنة.
وذكر المتحدث، أنه يحضر كميات كبيرة من عجينة الزلابية، بعض منها يقوم بطهيها وتعسيلها وبيعها لزبائنه، والبعض الأخر يرسلها إلى محلات في سكيكدة.
سر الوصفة
غير بعيد عن المحل الأول، ينشغل نبيل سيداني، بتحضير الزلابية ليلبي طلبات زبائن اجتمعوا أمام باب دكانه، كانت الرائحة قوية مغرية تصعب مقاومتها، شدنا الطابور الذي تشكل في المكان فاقتربنا و كان لنا حديث مع الصانع الذي أخبرنا بأنها حرفته منذ ثلاثين سنة.
قال إن زلابجية الحامة يتشاركون سر الوصفة، ويعرفون كيف تعد الزلابية الأصلية الهشة الخفيفة على المعدة، حيث يتم اختيار المكونات بعناية بداية بنوع السميد و الزيت لإعداد « العجين « المطلوب.
وعن طريقة تحضيرها يتحدث سيداني قائلا: « قبل أن تنبعث روائح العجين المقلي في الزيت و تغمس الملاعق الطويلة في قدور العسل، يتم أولا خلط المكونات المتمثلة في الدقيق والماء والخميرة حتى نتحصل على عجين طري نتركه يرتاح ويختمر مع مراقبته باستمرار، نشكله بعد ذلك كما نريد ثم نضعه في المقلات مباشرة، ومنها إلى قدر العسل قبل تقدم الحلوى جاهزة للزبائن» .
وأكد المتحدث، أن تجارة الزلابية تنتعش في شهر رمضان بشكل غير مسبوق، لاسيما وأن هذه الحلوى تعتبر أساسية وضرورية في صينية القهوة بالنسبة للبعض و بخاصة في قسنطينة، مشيرا إلى أن الزلابية حلوى شعبية تخص الشهر الفضيل وتستمد شعبيتها من أنها غير مكلفة وتتوفر في كل مكان، ويمكن أن تكون هدية مجاملة تقدم للجار أو خلال الزيارات و توزع أيضا كصدقة في المساجد.
وأضاف، أنه رغم منافسة العديد من الأصناف الأخرى تبقى الزلابية الحلوى الأشهر و لا يمكن أن يستغنى عنها لأنها تزين الموائد في رمضان.
أما بالحديث عن شهرة زلابية الحامة، فقد أوضح لنا، أنها ترتبط بطريقة تحضير الحلوى التي تعتبر وصفة مشتركة بين كل زلابجية المنطقة حتى إنها كما قال، وصفة متوارثة، لأن معظم أصحاب المحلات التي تنشط في المجال ورثوها عن أبائهم ولهم زبائن أوفياء منذ سنوات.
وأكد أن نشاط بيع الزلابية لا يقتصر فقط على «الصنايعية»، بل تمارسه حتى ربات بيوت يحضرنها في المنزل، ويقدمنها لأزواجهن وأبنائهن لبيعها والاسترزاق منها، وهو ما رصدناه خلال جولتنا الميدانية، حيث يعرض شباب أصنافا منها على طاولات بيع بمحاذاة المحلات.