تعرف أشغال ترميم أزقة المدينة القديمة بقسنطينة تقدما واضحا بعد انطلاقة متعثرة بسبب العراقيل التي واجهت المؤسسات المنجزة، لاسيما ما تعلق بأشغال شبكة المياه الصالحة للشرب التي كانت في وضعية متدهورة مما اضطر الجهات المعنية إلى تغييرها بالكامل قبل الشروع في التهيئة ، ما أدى إلى تسجيل تأخر في الإنجاز خلال الأسابيع الأولى.
وانطلقت العملية خلال شهر مارس الفارط وذلك إثر زيارة وزير الداخلية إبراهيم مراد للمدينة القديمة، حيث رصد للمشروع غلاف مالي أولي يقدر بـ 37 مليار سنتيم، حيث تم من خلالها الشروع في تهيئة الأرصفة وإعادة ترصيف الأزقة بحجارة تقليدية مصقولة وتهيئة شبكات الإنارة والصرف الصحي فضلا عن المياه الصالحة للشرب، حيث أوكلت لأربع مؤسسات أشغال عمومية .
وقد عرفت الأشغال في بدايتها صعوبات عديدة لاسيما ما تعلق بإصلاح الشبكات المهترئة فضلا عن حركية الراجلين ، قبل أن تعود وتيرة الإنجاز إلى نسقها الطبيعي، حيث يجري العمل على إعادة الاعتبار للطرقات الداخلية والأرصفة، وسط ارتياح نسبي لسكان الأحياء المعنية الذين أبدوا تفاؤلا بمستقبل الأحياء القديمة، إذا ما تم احترام خصوصيتها المعمارية وضمان النوعية في الإنجاز، فيما عبر بعض القاطنين عن استيائهم من استخدام أنواع حجر قالوا بأنها غير مطابقة بالطابع التاريخي للمدينة وذلك على مستوى الأجزاء المنقوصة، إضافة إلى تأخر إنهاء بعض المسالك ما صعب الحركة اليومية.
وقد أكد مدير التعمير والبناء السابق لوزير الداخلية إبراهيم مراد خلال زيارته للمشروع، أن الإمكانات المادية من أجل تجسيد المشروع على أكمل وجه غير متوفرة، غير أن الوزير رد بأن الدولة مستعدة كامل الاستعداد لتمويل هذه العمليات، لكنه طالب من المستثمرين الخواص المساهمة في مثل هذه المشاريع التي لا يجب أن يقتصر تمويلها على ممثلي الدولة فقط، كما أكد الوزير أن قسنطينة بحاجة إلى مثل هذه المشاريع لأنها مدينة ليست ككل المدن.
وخصصت السلطات مؤخرا مبلغا إضافيا بقيمة 122 مليار سنتيم، لمواصلة الأشغال وتطوير مشروع ترميم المدينة القديمة، و الذي يهدف، وفق السلطات، إلى تثمين التراث المادي للمدينة القديمة وتحويلها إلى فضاء اقتصادي وسياحي وثقافي ، فيما أكدت الولاية استعدادها لتوفير غلاف مالي إضافي حسب الإمكانيات، كما أكدت على ضرورة تحقيق تقدم ميداني ملموس في الأشغال وضمان احترام دفتر الشروط من طرف المقاولات.
وشددت السلطات المحلية، على ضرورة التنسيق بين مختلف المتدخلين وتكثيف الرقابة التقنية لتفادي أخطاء الماضي، خاصة بعد الانتقادات التي طالت مشاريع مماثلة نفذت خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، والتي لم تصمد كثيرا بسبب ضعف نوعية الأشغال وسوء اختيار المواد، مثلما سجل بشارع 19 جوان بقلب المدينة والذي اضطرت السلطات بعدها إلى استبدال حجارته المستوردة بالخرسانة المطبوعة ما شوه الطابع التاريخ للمكان.
ويأمل العديد من سكان المدينة القديمة، أن تساهم هذه الأشغال في إعادة الروح لأحيائهم التي عانت من التهميش والإهمال لسنوات، معتبرين أن عمليات الترميم الجارية قد تعيد الحياة إلى نسيج عمراني طالما كان رمزا لهوية قسنطينة، بينما يرى البعض أن العمل لا يجب أن يقتصر على ترصيف الطرقات وتجديد الأرصفة، بل يجب أن يمتد إلى ترميم الواجهات والمباني التاريخية التي تشكل جزءا من الذاكرة الجماعية للمدينة.
من جهتهم دعا ناشطون في المجتمع المدني إلى إشراك الكفاءات المحلية من مهندسين ومؤرخين ومهتمين بالتراث في متابعة الأشغال وتقديم اقتراحات تضمن احترام البعد التاريخي للمدينة، كما شددوا على أهمية توعية المواطنين بقيمة الفضاءات التي يعيشون فيها وتحفيزهم على المشاركة في الحفاظ عليها، خاصة أن نجاح هذا المشروع لا يتوقف فقط على المؤسسات المنجزة بل أيضا على وعي السكان وإرادتهم في الحفاظ على طابع المدينة الأصيل.
لقمان/ق