يشكّل الاحتفال باليوم العالمي للعمال في غرّة ماي 2024، فرصة للوقوف على التحوّل النوعي الذي عرفته الجزائر في السنوات الأخيرة، والجهود المبذولة على الصعيد الاجتماعي من خلال الزيادة التي أقرها الرئيس تبون في الرواتب لصالح ملايين الموظفين، والتدابير الحمائية الأخرى التي ساهمت في استرجاع كرامة العامل بعد سنوات من التهميش وتوظيف أصحاب عقود ما قبل التشغيل وعمليات الإدماج في قطاع التربية، وتعزيز منظومة العمل بدعامات المقاولاتية والاستثمار المنتج وتحفيز المبادرات الخلاّقة، وهي كلها مبادرات تأتي تجسيدا لمسعى بناء الجزائر الجديدة.

وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وقف انهيار القدرة الشرائية واستعادة كرامة العمال على رأس أولوياته، وهو ما سعى إلى تجسيده طيلة السنوات الأربعة الأخيرة من خلال تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، ومراجعة واسعة لأجور فئات كبيرة من الموظفين بنسب غير مسبوقة، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات هامة تخص توظيف خريجي الجامعات وحاملي الشهادات العليا، ومراجعة القوانين الأساسية لقطاعات الصحة والتعليم العالي والشؤون الدينية، في انتظار صدور القانون الأساسي لعمال التربية، وهي كلها قرارات ساهمت في تعزيز المكاسب الاجتماعية والمهنية للعمال.
وحرص رئيس الجمهورية، على توجيه الحكومة خلال اجتماعات مجلس الوزراء، للعمل من أجل تحسين الإطار المعيشي، ودعم القدرة الشرائية وفق ما تتيحه التوازنات المالية للبلاد، مع الحرص على توفير الظروف اللائقة والمحفزة من خلال ترقية الحوار الاجتماعي وتأطير العمل النقابي صونا لحقوق العمال، وتحصينا لمستقبلهم المهني.
ويؤكد الرئيس تبون، على ضرورة  الاعتماد على العمل كقيمة جوهرية لبناء اقتصاد عصري وقوي بسواعد العمال وكسب رهان اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي بالاستغلال الأمثل للآليات والأجهزة المستحدثة الموجهة لتشجيع المبادرة وروح الابتكار، وتكريس الشفافية في تسيير الشأن العام وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص أمام العاملات والعمال والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.
ومنذ 2020، أدرج رئيس الجمهورية، تحسين أوضاع العاملات والعمال في صميم أولويات الدولة من خلال إجراءات متدرجة برفع قيمة الأجر الوطني الأدنى المضمون، وإلغاء الضريبة على ذوي الدخل المحدود، ورفع الأجور ومنح ومعاشات التقاعد والحرص على الإدماج المهني لأصحاب العقود في مناصب عمل دائمة، وتحويل عقود جهاز نشاطات الإدماج الاجتماعي إلى عقود غير محددة المدة، مما سمح في فترة وجيزة بتوظيف أزيد من نصف مليون عامل في مناصب عمل قارة .
كما تجدر الإشارة إلى المبادرة التي تم استحداثها من خلال الاستفادة من عطلة لإنشاء مؤسسة تسمح للموظفين بإنجاز مشاريع استثمارية دون الخوف من فقدان مناصب عملهم. وهي الآلية التي بادر بها رئيس الجمهورية لتمكين المواطنين العاملين خارج البلاد من الانخراط الطوعي في المنظومة الوطنية للضمان الاجتماعي والحصول على حق التقاعد.
تحسين القدرة الشرائية وتدابير حمائية للعمال
وحرص رئيس الجمهورية على إبراز عزم الدولة للاستمرار في الإصغاء للانشغالات الأساسية في عالم الشغل، بحثا عن أنجع السبل لتعزيز المكاسب التي تحققت في أرض الواقع تجسيدا لالتزامه بالسهر على حماية حقوق العمال والحفاظ على مكتسباتهم المهنية والاجتماعية. حيث أكد رئيس الجمهورية في مناسبات عدة أنّ حماية القدرة الشرائية والحفاظ على مناصب الشغل والرعاية الاجتماعية ستبقى من «بين الأولويات التي نوليها اهتماماً خاصاً، ونعمل على رصد ما أمكن من موارد مالية لها، لا سيما لصالح الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود والفئات الهشة».
وتجلى هذا من خلال حزمة قرارات غير مسبوقة، حيث عرفت الجزائر زيادة تدريجية للأجور بين عامي 2020 و2023، بشكل انعكس بالتأكيد على مستوى معيشة المواطنين، حيث تم رفع الأجور بـ 47 بالمائة في انتظار استكمال النسبة المتبقية في آفاق 2026 ما يسمح بمضاعفة الأجور، بالتزامن مع خوض الدولة معركة حقيقية لحماية القدرة الشرائية للمواطن من خلال مكافحة كل أشكال المضاربة و الفساد بكل مظاهره.
وفي إطار السياسة الاجتماعية للدولة الجزائرية الرامية إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطن، أقرّ رئيس الجمهورية، في أفريل الأخير، رفع منحة التضامن، بواقع 12 ألف دينار لمن كان يتقاضى 10 آلاف دينار وإلى 7 آلاف دينار لمن تقاضى 3 آلاف دينار في مرحلة سابقة، وشملت المراجعة قرابة مليون مستفيد. وتمّ تعديل قانون التقاعد لتكييفه مع الزيادات الاستثنائية في المنح والمعاشات والتي أقرها رئيس الجمهورية في جانفي 2023، مجدّداً التزامه بمواصلة استراتيجية تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ومنهم المتقاعدون كفئة قدمت الكثير للجزائر خلال سنوات الخدمة.
كما وافق رئيس الجمهورية خلال اجتماع لمجلس الوزراء على مراجعة منح المتقاعدين، في كل الأصناف بالنظر إلى تطور المستوى المعيشي، ، مشددا على الحماية الاجتماعية لهذه الفئة، التي قدمت الكثير للوطن. ووجّه الرئيس تبون، الحكومة بإعادة دراسة المقترح بدقة في مجلس الحكومة، ومباشرة دراسات معمقة لتحديد مستوى الزيادات، التي سيتم إقرارها بطريقة مرحلية في مجلس الوزراء المقبل.
وفي السياق ذاته، شدّد رئيس الجمهورية، أيضا على ضرورة مواءمة شبكة الأجور مع القدرة الشرائية أولا، ثم مع الدعم المستمر للفئة الضعيفة اجتماعيا، وذلك بمراعاة قيمة العمل ودفع عجلة الإنتاج كمرجعين أساسيين لرفع الرواتب، حيث أمر الحكومة خلال اجتماع لمجلس الوزراء شهر فيفري من العام الماضي، برفع الحد الأدنى لمنح التقاعد إلى 15000 دج لمن كان يتقاضى أقل من 10000 دج وإلى 20000 دج لمن كان يتقاضى 15000 دج لينسجم مع الحد الأدنى للأجور الذي عرف بدوره زيادة من 18000 إلى 20000 ألف دج منذ العام 2021. وأمر رئيس الجمهورية، كذلك برفع منحة البطالة من 13 ألف إلى 15 ألف دج صافية من كل الرسوم، بالإضافة إلى تكفل الدولة بأعباء التغطية الصحية للبطالين خلال فترة استفادتهم من المنحة.
وفي إجراء آخر يعزز هذا المكسب، أقر رئيس الجمهورية زيادة في الرواتب على مدار سنتي 2023 و2024 ليتراوح مستوى الزيادة ما بين 4500 دج إلى 8500 دج بحسب الرتب، وهو ما يجعل الزيادات المقرّرة خلال سنوات 2022، 2023، و2024، تصل إلى نسبة 47 بالمائة.
  ترسيم المتعاقدين وطي ملف عقود ما قبل التشغيل
وقد أكد رئيس الجمهورية، في مناسبات عديدة على ضرورة الحفاظ على مناصب الشغل، بالرغم من إكراهات الأوضاع الناجمة عن الحالة الوبائية التي خلفتها جائحة كورونا، مع إيلاء أهمية لتسوية وضعية أصحاب عقود ما قبل التشغيل، حيث تم اتخاذ تدابير لاستيعابهم في مناصب شغل، بوضع آليات لدعم المؤسسات الاقتصادية المدعوة لامتصاص اليد العاملة وتقليص نسبة البطالة عبر مقاربات تتلاءم واقتصاد المعرفة لاسيَّما عبر المؤسسات الناشئة الصغيرة والمتوسطة.
وقد تمكنت الحكومة من طي ملف عقود ما قبل التشغيل مع سنة 2023. كما اتخذت الدولة تدابير محفزة للتوظيف والترسيم، في مناصب عمل دائمة والتي تتمثل في استفادة القطاع الاقتصادي من عقود العمل المدعم ” CTA” . والذي يعتبر بمثابة عقد عمل كامل الأركان، حيث يتم تأكيد هذا التوجه من خلال مخرجات الاجتماع الوزاري المشترك. المنعقد بتاريخ 18 ديسمبر 2023. بتكريس التوظيف الدائم للمعنيين بهذه العملية. بالمؤسسات العمومية الاقتصادية بصيغة عقود العمل المدعم في الآجال المحددة في التنظيم الساري المفعول.
كما أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قبل عامين، بالترسيم الفوري لكل المعلمين والأساتذة المتعاقدين في قطاع التربية والذين يقارب عددهم الستين ألفا.
  مراجعة القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية
كما أولى رئيس الجمهورية عناية خاصة لبعض الأسلاك في قطاع الوظيف العمومي، على غرار الصحة، التعليم العالي، والتربية والشؤون الدينية، وتجسد ذلك من خلال إصدار القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالباحث الاستشفائي الجامعي والأستاذ الباحث، والباحث الدائم، الأسلاك الطبية وشبه الطبية والإمام،  باحتساب الأثر الرجعي للرواتب والعلاوات التي سوف تترتب عن هذه المراجعة، في انتظار صدور القانون الأساسي لقطاع التربية.
وأكد الرئيس في مناسبات عديدة، التزامه الكامل تجاه هذه الفئات المهنية عرفانا لهم بكل الجهود التي بذلوها في الأوقات الصعبة التي مرت بها بلادنا، وهم لا يزالون أوفياء لعزيمتهم. وبهذا الخصوص شدد الرئيس تبون على  وجوب تحسين  الوضعية الاجتماعية والمهنية للمنتسبين لهذه الفئات  عبر قوانين خاصة. و من هذا المنظور لفت رئيس الجمهورية إلى أن مهنا مثل قطاعات التربية والتعليم العالي والصحة والإمامة، هي مهن تؤطر المجتمع وذات أبعاد سامية وليست مجرد وظائف، وعليه وجب أن تتضمن القوانين الخاصة بها قيمة مضافة حقيقية خاصة من الجانب الاجتماعي.
وتندرج توجيهات رئيس الجمهورية بخصوص مراجعة القوانين الخاصة لعديد القطاعات في إطار  الالتزامات الخاصة التي وعد بها، حيث سبق له أن أكد  أنه سيعمل من أجل تحسين الوضع الاجتماعي و المهني لجميع فئات الموظفين وتسخير كل الإمكانيات لهم، وذلك بما يتناسب والديناميكية الجديدة التي تعرفها البلاد على أكثر من صعيد وأيضا الإستراتيجية الخاصة بالبحث العلمي والتربية الوطنية، وشدد في هذا الصدد على ضرورة تبني رؤية استشرافية لما يجب أن تكون عليه الجزائر الجديدة، التي قررت بشكل نهائي التخلي عن الأنماط التقليدية في التسيير في جميع القطاعات.
 كما تدخل مراجعة القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للفئات المذكورة كذلك في إطار تكييف مختلف القطاعات مع مسعى بناء الجزائر الجديدة.    
  تعزيز وتكييف العمل النقابي
كما شكّلت مراجعة قانون الممارسة النقابية في الجزائر، خطوة هامة ولبنةً إضافية على درب تعزيز وتكييف وتجديد العمل النقابي في الجزائر وتقوية مكانتها في المحافل الدولية، كما مثّل التعديل تجسيداً للالتزامين السابع والثامن من التعهدات الانتخابية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والمتعلقين بتعزيز الديمقراطية التشاركية وبناء مجتمع مدني حرّ ونشيط وقادر، وحمايةً لحقوق العمال دفعاً لعجلة التنمية الوطنية.
ويتضمّن القانون عدّة فصول حول حماية الحرية النقابية، منها استقلالية المنظمات النقابية ووضعها القانوني، ومواردها المالية، وحقوق وواجبات أعضائها، إلى جانب تقدير تمثيلية المنظمات النقابية للعمال والمستخدمين. حيث جاء القانون ليؤكد مرة أخرى، الإرادة القوية للسلطات العمومية للرقيّ بصرح المنظومة التشريعية للعمل النقابي
ورمت التعديلات المدرجة على القانون المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، إلى «تعزيز الحقوق المكتسبة للعمال»، بتكييف أحكام هذا النص مع الاتفاقية الدولية للعمل رقم 87، المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، كما يأتي هذا النص، ليسمح للنقابات العمالية بـ «تشكيل فيدراليات واتحادات وكونفدراليات، بغض النظر عن المهنة والفرع وقطاع النشاط التي تنتمي إليه».
ويوفّر النص ضمانات قانونية تخوّل لـ «العمال الأجراء ولأرباب العمل تأسـيس منظمات نقابية بكـل حريـة دون تمييز للدفاع عـن مصالح أعضائها المادية والمعنوية»، وعلاوة على ذلك، تكفل هذه التعديلات «حماية المندوب النقابي ضد أي قرار تسريح تعسفي يرتبط بممارسة الحق النقابي»، من خلال آليات إضافية تمكّن من إعادة إدماجه القانوني في حالة رفض المستخدم ذلك».
وحدّد مشروع النص الخاص بقانون الممارسة النقابية، شروط تأسيس الفدراليات والاتحادات والكونفدرالية، حيث اشترط لتأسيس الفدرالية أن تتكون من ثلاث منظمات نقابية مسجلة على الأقل للعمال الأجراء أو للمستخدمين المؤسسة قانونا ومن فدراليتين على الأقل أو خمسة منظمات نقابية مسجلة على الأقل لتأسيس اتحاد أو كونفدرالية نقابية للعمال الأجراء أو المستخدمين.
وسمح هذا التعديل لـ «المنظمات النقابية القاعدية من الانضواء في تجمعات نقابية»، وهو ما يتيح «ضمان الحقوق الأساسية في العمل للجميع فضلاً عن تطوير أطر الحوار الاجتماعي، وبناء قدرات الشركاء الاجتماعيين». كما اقر البرلمان، القانون الذي قدمته الحكومة والمتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، والذي يهدف إلى تعزيز آليات الحوار الجماعي.
ويحرص رئيس الجمهورية على تجسيد التزامه بالعمل على ضمان استقلال القرار الاقتصادي للبلاد وبناء اقتصاد منتج، مدر للثروة، موفر لمناصب الشغل ومكافحة البطالة، لأنها عدو الاستقرار ومصدر المشاكل الاجتماعية، ويتجه بقوة نحو التصدير. وإعادة القيمة الحقيقية للعمل، وعلى تعزيز مكانة العمال، وخاصة الطبقتين المتوسطة والدنيا، ورفع قدرتهما الشرائية وتوفير الظروف الملائمة للحياة الكريمة لهم ولأبنائهم، إيمانا منه أن العمال هم المحرك الرئيسي للازدهار الوطني.
ع سمير

 

الرجوع إلى الأعلى