صدرت عن منشورات القرن الواحد والعشرين مجموعة نصوص جديدة للكاتب الشاب عمار بن طوبال، تحت عنوان “”شذرات الغواية”، يتطرق فيها إلى هواجس الذات الجزائرية بأسلوب خاص، عبر مواضيع حركها من زوايا مختلفة.
الكتاب يقع في 192 صفحة، و قد شارك به مؤلفه  في المعرض الدولي للكتاب، حيث أوضح في تصريح للنصر، بأنه كتب نصوصه خلال أربع سنوات، بشكل متقطع وعلى فترات متباعدة، استجابة لحالات نفسية خاصة أو تعقيبا على قراءات معينة، فيما كانت أخرى عبارة عن تعليقات على مواضيع منشورة الكترونيا ولم تكن معدة في الأصل للنشر في كتاب، وقام بوضع معظمها من قبل على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، لكنها تختلف عن باقي النصوص “الفيسبوكية” التقريرية أو المباشرة، حسبه، فهي تلتقي في كونها مبنية على نسق أسلوبي واحد وخاص، كما أنها ذات طبيعة أدبية لا تخلو من السرد وتقترب من مفهوم الشذرة كما هو معروف في الثقافة الغربية.
وأكد محدثنا أن نصوص الكتاب ليست قصصا، وإنما هي فقرات قصيرة مكثفة تشتغل على الإيحاء بدل التعليل والتحليل، مشيرا إلى أنه حاول  من خلالها اختبار أسلوبه، نائيا به قدر الإمكان عن المنهج التعليمي والتوجيهي والمتعاليات، التي “يُلقي منها الحكم والمعرفة على متلقين متعطشين لاستقبالها والتسليم بها”، بالإضافة إلى بنائها على الهاجس النفسي والفكري والشاعرية التي لا تغرق في الغموض، و”تنتقي الكلمات وترصفها في محاولة لتحميلها أكثر من دلالتها القاموسية”، كما وصفها بأنها “محاولة للتلاعب بهندسة الجملة العربية الكلاسيكية”، وقد كتبت، حسب  المؤلف، استجابة لهواجس نفسية شديدة الحميمية، كالرغبات والمشاعر والغزل والتخيلات المفتونة بتفاصيل دون غيرها، بالإضافة إلى الأفكار العابرة حول “مواضيع تشغل البال وتستفز العقل” للخوض فيها، وكلها مشدودة إلى خيط الغواية، التي لولا القوة التي تمارسها، ما كان لهذه النصوص أن توجد، على حسب تعبيره، حيث قال أنها “تتبع لآثار الغواية التي تُخلق في النفس اتجاه ما يستفزها”، لتتحول إلى رغبة تنتهي في شكل نص يستظهرها عبر كلمات “لا تقتصد في الاحتفاء بموضوع الكتابة”.
وتتفاوت هذه النصوص في الطول بين الشذرة القصيرة التي تصل إلى بضعة أسطر، والمقال الذي لا يتجاوز الصفحتين على الأكثر، فهي بحسب وصف صاحبها، شكل من المغازلة وموضع تأمل للمواضيع المتسمة “بشبقية تتجاوز الجنسي والحسي نحو خلق متعة ذهنية يرتضيها القارئ”، حتى وإن كانت آراؤه تختلف مع مضامينها، فالمؤلف يعتبر أن الكتابة الشذرية تمارس غوايتها من خلال ما يتبقى من لذة وخيالات بعد الانتهاء من القراءة، رغم أنه شدد على أن النصوص المذكورة غير معنية بالتوضيح وبنيت في معظمها على قوة التلميح، الذي يغري بما لم يُقل بعد، كما أكد لنا أن الكتاب مقسم إلى مواضيع، بحيث يقارب الكاتب عبر كل مجموعة من النصوص موضوعا واحدا من زوايا مختلفة، جمعت في فترات وسياقات مختلفة.
ولم ينف عمار بن طوبال، البالغ من العمر 36 سنة، تأثير تكوينه الأكاديمي وتخصصه في علم الاجتماع الثقافي على بعض النصوص، وخصوصا في موضوعي الرواية والتاريخ، بالإضافة إلى مواضيع الحب والكتابة والمرأة، التي قال أن لها جانبا أكاديميا في سياق التاريخ الثقافي المشتغل عليه، مؤكدا بأن اهتمامه مركز على المحلي والذات الجزائرية، التي يحاول فهم طريقة تفكيرها وسلوكها وتعاملها مع الحب ونظرتها للأشياء، وقد وصفها بأنها ذات في طور التكوين، وغالبا ما لا تستقر على قيم واحدة لفترة طويلة، ما يفسر حسبه، التغير السريع للمفاهيم الثقافية و الاجتماعية، وتبدل العلاقات بين الأفراد، على غرار العلاقات بين الآباء والأبناء والعلاقات العاطفية المتجهة بشكل أكبر نحو التمرد، وأفول الأصنام بشكل سريع.
سامي حباطي

الرجوع إلى الأعلى