المـــرأة بين أدوار الأم و المعلمـــة والسائـــق
تخفي مظاهر الاستقلالية و رفاه الحياة العصرية التي يبدو للبعض أن النساء العاملات و المتعلّمات و المثقفات و حتى الماكثات بالبيت تنعمن بها، معاناة و قصصا لحياة مريرة تتكبدها نسبة مهمة من الجنس اللطيف وقعت على عاتقهن مسؤوليات كثيرة كانت فيما مضى من مهام الرجال وحدهم، لكنهم انسحبوا تدريجيا و تخلّصوا منها بمساهمة من الزوجة و الأم و الإبنة. فكل ما وصلت إليه المرأة من مكتسبات اجتماعية في الحياة المعاصرة، من حق في التعليم و العمل و تحقيق للذات و الاستقلالية المادية و حرية التعبير، لم يكن دون ثمن، هذا ما يبدو من خلال نماذج و عيّنات لنساء أسررن للنصر ما تخفينه وراء مظاهر قوة الشخصية و الاستقلالية الاقتصادية و السفر و سياقة السيارة من متاعب و أعباء حوّلتهن إلى أجساد تعيش لإسعاد الآخرين على حساب سعادتهن وراحتهن و صحتهن، لأنهن يبذلن جهودا كثيرة و كأنهن تدفعن ثمن التعايش السلمي و ضريبة خروجها للعمل أو الدراسة أو حتى الترويح عن النفس.
روبورتاج مريم بحشاشي
يخترن تحمل كل الأعباء الأسرية لشراء راحتهن
حكاية أمال تعمل كأستاذة لا تختلف عن قصص الكثير من نظيراتها ممن تضاعفت مسؤولياتهن بمجرّد تحقيقها لحلمها بافتكاك منصب عمل منذ 19سنة، و حصولها على راتب منتظم، جعل والدها يتخلى عن مسؤولية دفع فواتير الكهرباء والغاز و الماء و الهاتف رويدا رويدا بحجة أنه عاجز عن تلبية طلبات باقي إخوتها الخمسة، وكان في البداية يشكرها على مساعدتها، لكن مع الوقت اعتبر الأمر واجبا وحقا عليها تأديته، كلما استلمت العائلة فاتورة ما و استمر الأمر حتى بعد حصول شقيقيها على مناصب عمل، و لم تتخلص من تلك الأعباء إلى غاية زواجها من إطار في شركة خاصة، قالت أنها أحيانا كثيرة تشعر بأنه ارتبط بها لأنها أستاذة باعتبارها المهنة المحبذة عند معظم الرجال، لأن المرأة تتمكن بفضلها  من التوفيق بين العمل و الواجبات المنزلية لتوفرهن على الوقت و العطل. وأضافت محدثتنا بأن أملها بتخفيف أعبائها التي رماها والداها علي كتفيها باعتبارها البنت البكر، تبددت بعد إنجابها لولديها، حيث لاحظت تخلي زوجها عن أبسط مسؤولياته بما فيها توفير حليب الرضع و الحفاظات، دون الحديث عن نقل الصغيرين إلى الطبيب، و تكاليف ذلك، مسرة بأن شجارات كثيرة نشبت بينها و بين زوجها بسبب ذلك، مما جعلها تشتري راحة بالها بتنفيذ وتلبية كل حاجيات صغارها و بيتها دون اللجوء إليه.
من جهتها سردت خديجة طبيبة مختصة في طب الأطفال علينا يومياتها، مؤكدة بأنها هي من تهتم بطلبات طفليها لؤي و رشا منذ ولادتهما و إلى غاية اليوم و هم في طور المتوسط، فزوجها لم يكن يوما معنيا بإيصالهما إلى الروضة و لا إلى المدرسة و كلما اشتكت من عبء المسؤولية، ذكرها بأن أفضل حل هو المكوث بالبيت، لأنه يدرك جيّدا عدم استعدادها عن التخلي عن منصبها و مكانتها، الشيء الذي شجعها على شراء سيارة للتخلص من مشكلة النقل و تكرّر سيناريو الشجارات اليومية بسبب رفض الزوج إيصال صغارها لدروس الدعم و قاعة الرياضة.
يوميات إيمان و خديجة و ما تحمله من معاناة و ثقل مسؤولياتهن تقاربت مع جل النساء اللائي تحدثنا إليهن بخصوص تضاعف أعباء و مسؤوليات المرأة داخل و خارج البيت، حيث ترددت عبارة «أنا رجل في الصباح، أم بعد الظهر، معلمة في المساء و ممرضة في حالة المرض و سائق و عائل».
الأناقة و الاستقلالية وجه لحياة مرهقة
 الملفت أن الإجابات التي تلقينها من عدد من النساء لم تكد تختلف عند النساء المتزوجات كما العازبات، و هذا ماوقفنا عليه من خلال حكاية آسيا المستشارة القانونية في شركة خاصة للمواد الصيدلانية و التي أكدت بأنه بقدر المكانة التي باتت تتمتع بها داخل عائلتها بفضل دراستها و راتبها الشهري المهم الذي ساعدها على حل مشاكل عائلتها و ضائقاتهم المالية المتكررة، بقدر زيادة أعبائها و تعبها و حاجتها و أملها المستمر في التخلص من كل ذلك ذات يوم و إن كان الأمر شبه مستحيل مع تعوّد الجميع على دينامكيتها و قدرتها على حل المشاكل مهما كان نوعها مثلما قالت، مضيفة بأن والدها الذي اختار التقاعد المسبق منذ قرابة العشرين سنة لظروف صحية، عجز عن تلبية أبسط طلباتها و طلبات إخوتها الستة و رغم أنها الإبنة الثالثة في العائلة كانت تبادر أكثر من غيرها في حمل قسط من المسؤولية عن والديها، خاصة بعد نجاحها في البكالوريا وتفوقها في دراساتها العليا و حظها في الفوز بمنصب عمل بمجرّد تخرجها من الجامعة.
أسيا قالت أنها لم تكن تشعر باختلاف بينها و بين شقيقها الوحيد لأنها تقوم بكل الواجبات المسندة عادة للرجال، الشيء الذي جعل والدها ينسى أو يتناسى بأنها فتاة و كان يوافق على خروجها حتى ليلا، عكس باقي شقيقاتها، و قالت بأنها لم تكن تفهم إن كان ذلك قائم على ثقته المفرطة فيها أم أنها كبش فداء لابد عليها التضحية لأجل راحة الآخرين، و استرسلت بأن مسؤولياتها تجاه إخوتها تضاعفت بعد وفاة والدها، حيث تكفلت بمصاريف زواج ثلاثة من بين شقيقاتها الخمس و هي اليوم على مشارف الأربعين تواصل كفاحها لأجل راحة والدتها و شقيقتيها، لأن شقيقها تخلى عنهن بمجرّد زواجه، و أردفت بأنها اضطرت لشراء سيارة عن طريق القرض البنكي لأجل والدتها المسنة و كذا لتكون أكثر استقلالية و لا تحتاج إلى اللجوء إلى شقيقها الذي لم تعد تتحمل تأففه كلما طلبت منه نقلها أو والدتها إلى الطبيب أو إلى زفاف أو زيارة الأقارب، و لم تتوّقف أعباءها عند هذا الحد، بل تحوّلت إلى شبه شقيق لأخواتها البنات خاصة المتزوجات اللائي يقصدنها و يطلبن مساعدتها كلما احتجن من يوصلهن إلى مكان ما.
المكانة الاجتماعية و المهنية لا تشفع للمرأة
عدد كبير من النساء اليوم يشتكين كثرة المسؤولية و تخلي الرجل عن دوره في المنزل، و مهما كانت صفتها و مكانتها الاجتماعية و المهنية و حتى إن كانت إعلامية أو طبيبة أو أستاذة أو موظفة عادية فهي من تراجع الدروس مع الأبناء و تعتني بتفاصيل تربيتهم و توجيههم و هواياتهم و توصلهم للمدرسة و الروضة و الرياضة و توّفر تكاليف السفر و الاستجمام إن هي رغبت في قضاء و توفير عطلة مريحة لها و لصغارها، هي من يشتري كسوة العيد و  لوازم البيت و تبادر إلى تغيير لوازم المنزل و تستخرج الوثائق والمساهمة في شراء أضحية العيد ومصاريف رمضان و أقساط شراء البيت أو تكاليف الإيجار، و كل ما يخطر على بال من أمور كانت ذات يوم من واجبات الرجل.
و اعترف البعض أن اعتمادهن على الزوج في توفير تكاليف علاجهن أو كسوتهن بات حلما، بل هن من يضطررن لشراء ملابس لهم، تجنبا لانتقادات الأقارب و الجيران، لأن مظهر الرجل يعكس مدى توفيق المرأة بين عملها خارج البيت و واجباتها المنزلية و هو ما تستميت الكثيرات لأجل تحقيقه و التظاهر بقدرتهن على تحقيقه و لو على حساب أعصابهن و راحتهن وصحتهن أيضا.
اعتراف ضمني بانسحاب الرجل و كل اللوم على المرأة
أردنا معرفة رأي الرجال في الموضوع، فقال البعض أنها من أوصلت الرجل إلى هذه الحالة من الكسل و الانسحاب المتتالي من الواجبات الأسرية، حيث يرى المواطن الستيني عبد الوهاب سحيري، صاحب محل للمواد الغذائية  بوسط مدينة قسنطينة بأن تعامله و احتكاكه مع زبائنه جعله يتأكد يوما بعد يوم من تضاعف أعباء النساء لأن أكثر زبائنه نساء و أمهات يقصدنه صباحا مع صغارهن لأجل شراء اللمجة ثم باقي المواد الضرورية للبيت، كما يرى أكثر مرافقي الأبناء الذين يتبعون الدروس الخصوصية بالبيت المحاذي لمحله هن الأمهات حتى في الليل. وقال شاب في مقتبل العمر أن العصر عصر النساء و كل شيء سهل بالنسبة إليهن، فهن الأكثر تفوقا في الدراسة و الأكثر حظا في الفوز بمناصب العمل، و بالتالي فرصة تحقيق أمانيهم في اكتساب سيارة و بيت و عليه فإنه من واجبها مساعدة الأسرة مثلها مثل الرجل و علّق بنبرة تهكم قائلا:»طالبن بالمساواة في كل شيء فليتحملن مسؤولية اختيارهن».
و قال إطار في شركة للكهرباء و الغاز بأن ما يفعله الكثير من الرجال في وقتنا هذا لا يقبل و اعتبره نوعا من «الحقرة» و وجها جديدا من وجوه التسلّط الذكوري، مؤكدا بأنه سمع مرات كثيرة رجال يتفاخرون بتحكمهم في رواتب زوجاتهم و كذا بالحرية التي باتوا ينعمون بها بعد ارتباطهم بنساء»فحلات»أي يقمن بكل شيء.

المختص في علم الاجتماع البروفيسور محمد طايبي
موازين القوة بين الرجل و المرأة تغيّرت من منظور تغيّر السلطة في العمل و الكسب
يرى المختص في علم الاجتماع البروفيسور محمد طايبي بأن النساء عموما يردن الحصول على مكتسبات و يقدمن تضحيات كثيرة للحفاظ على توازن البيت، باعتبار الرجل يريد أن يكون رجلا مثل جده و المرأة تجد نفسها بين نار التقليد و ضرورة العمل و الحياة الحديثة، لذا فإنها بعد تمكنها من تحقيق الاستقلالية، باتت ترى في الرجل عبئا عليها فأخذت تستقل عنه و هو ما اعتبره محدثنا من سلبيات التطوّر المجتمعي، باعتبار موازين القوة بين الرجل و المرأة تغيّرت من منظور تغيّر السلطة الآتية من العمل و الكسب و هي المعطيات التي حصلت عليها المرأة و منحتها فرص التفاوض مع الرجل، مشيرا الى وجود نساء يتمتعن بذكاء كبير و أدركن كيفية التعامل مع ردود فعل الزوج و الأب و الأخ من منظور الثقافة التقليدية و عادات الأجداد  بخصوص الذكورة، و يتعاملن معهم بذكاء لتجنب الاصطدام، و القيام و تحمل جل المسؤوليات جزء من ذلك.  
و أضاف محدثنا بأن المرأة كانت في التاريخ البشري منعرجا في تغيّر الحضارة و تحوّلها فالعرب نشأ ملكهم الأول بملكة و بدأوا يسقطون بإسقاطهم العبقرية النسوية من إرثهم الحضاري، و أضاف بأن المرأة تتمتع بصفة السخاء الذاتي  و العطاء  و ليست كما يصوّرها علم الاجتماع الوضعي الأوروبي،  كمجرّد فاعل اجتماعي بارد شأنه شأن الرجل، بل قيمتها كانت أكبر عبر التاريخ و المرأة الجزائرية حققت بما يجب أن تحقق به نموها و هو العلم و التحصيل الفكري و العبقرية، ليس من باب الظهور و التمظهر مثلما يعتقد البعض، غير أن  ثقافة توزيع الأعباء، لا زالت تتحكم فيها تقاليد قديمة تقاوم التحوّلات الكثيرة الطارئة على الحياة الأسرية اليوم، و مسألة تطوّر المرأة لم يعد محور نقاش، لكن واقع تراكم مسؤوليات المرأة أكبر من مسؤوليات الرجل، لأن هذا الأخير يختبئ وراء التقليد،  مشددا على ضرورة عدم  التعميم لأن ثمة من الرجال من يقومون بأدوارهم و واجباتهم كما يجب و أكثر.

الرجوع إلى الأعلى