أكتوبر شهر ظلمته الصدفة يتطير منه الجزائريون و يلقبونه بالأسود
يعتبرونه شهر الكوارث الطبيعية و المطبات الاجتماعية، يتطيرون منه و يتشاءمون من أبسط حدث فيه، أكتوبر بالنسبة للعديد من الجزائريين هو أسوء أشهر السنة يأتي عادة حاملا معه الأعاصير و الزلازل و كل أنواع المحن، وقد ارتبط هذا التصور في أذهان الكثيرين بأحداث قديمة شهدتها بلادنا خلال سنوات ماضية لا زالت تحفر عميقا في ذاكرة و نفسية من عايشوها.
نور الهدى طابي
زلازل عالقة في الذاكرة
أعادت الهزة الأرضية التي سجلت أمس بقسنطينة و ضواحيها و تزامنت مع   ظاهرة فلكية شهدتها سماء الولاية، إلى الواجهة تطير الجزائريين من أكتوبر، فقد اعتبر البعض الظاهرة بمثابة إذعان بقرب فناء الأرض مستشهدين في ذلك بتلك التنبؤات التي تداولتها وسائل الإعلام كثيرا في السنوات الأخيرة و التي توقعت بأن نهاية البشرية ستكون نهاية شهر سبتمبر و بداية أكتوبر.
 و فتحت الحادثة نقاشا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي أبرز بوضوح بأن الشهر يشكل عقدة للكثيرين، فدرجة التطير منه بلغت حد الخوف من كوارث قادمة و توقع تكرار بعض الأحداث الاجتماعية التي قلبت يوميات الجزائريين في سنوات ماضية و كانت سببا وراء عشرية كاملة من الصراع و الدم، كأحداث 5 أكتوبر 1988 أو أكتوبر الأسود كما يطلق عليها و التي عرفت خروج متظاهرين إلى الشوارع احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية لتنتهي الظاهرات بحصيلة ثقيلة من القتلى و الجرحى، ثم تنزلق الأوضاع الأمنية معها إلى ما يحمد عقباه.
أكتوبر يرتبط أيضا بذكرى مأساوية يحتفظ بصورها الكثيرون هي ذكرى  زلزال الأصنام في 10 أكتوبر 1980 إذ ضربت هزة أرضية عنيفة قوتها  7.3 على سلم ريشتر  منطقة الأصنام بولاية الشلف على الساعة الواحدة ظهرا وخمس وعشرين دقيقة، و كان الزلزال عنيفا جدا لدرجة تدمير 80 في المائة من المدينة وقد خلف وراءه خسائر بشرية بلغت 10000 ضحية من بينهم 2633 قتيلا، و استمرت الهزات الارتدادية لهذا الزلزال عدة أشهر بعد الهزة الأولى، كما خلف صدعا طوله 36 كيلومترا مع ارتفاع الطبقات الصخرية بـ 6 أمتار بالقرب من منطقة بني راشد.
 القسنطينيون يتطيرون كذلك من الشهر الذي شهدوا خلاله ذات أحد من سنة 1985، زلزالا بلغت شدته قرابة 5.9 درجات على سلم ريشتر خلف 5 قتلى في أقل من نصف دقيقة، كما تسبب في جرح العشرات، بينما تشرد المئات بعد أن انهارت منازلهم، كما خرج الآلاف إلى الشوارع و اضطروا لافتراش الأرض و المبيت داخل السيارات خوفا من الموت لأيام.
قوة الزلزال الذي وقع حوالي الساعة الثامنة و النصف، حددت حينها بأقل من 6 درجات على سلم ريشتر، و رغم أن هذه القوة تعتبر معتدلة من الناحية العلمية، إلا أنها خلفت خسائر بشرية، فقد توفي وقتها ثلاثة أطفال و أمهم تحت أنقاض منزلهم بمنطقة بني يعقوب التابعة لبلدية ابن باديس، كما لفظ طفل لم يتعد عمره 5 سنوات أنفاسه بمنطقة الدخلة الواقعة بضواحي الهرية، و انهارت العديد من المنازل الريفية الهشة و طالت التشققات العمارات الجديدة و الهياكل الإدارية و التربوية بابن باديس و البلديات المجاورة لها، كما عرف مركز الهزة ببني يعقوب تشققات أرضية بطول ألف متر.
وفي العالم يطلق على الشهر أيضا اسم أكتوبر الأسود في العديد من البلدان و على اختلاف القارات ففي 24 أكتوبر1929 انهارت بورصة المال و الأعمال العالمية "وول ستيرت" مخلفة أزمة اقتصادية عالمية و ارتفاعا جنونيا في أسعار المواد الغذائية الأساسية، ما خلف الندرة في عديد البلدان.
وفي سنة 2015 ضربت عدة كوارث طبيعية عددا من دول العالم فشهدت مصر و دول الخليج في 1 أكتوبر أمطارا طوفانية خلفت  عشرات القتلى و الجرحى و المفقودين، كما ضرب إعصار قوي دول أسيا و كانت باكستان في 18 أكتوبر أمام كارثة إنسانية حقيقة بسبب إعصار قوي دمر المباني و قتل الأبرياء و شرد الكثيرين.
شباب يتطيرون من الكوارث الطبيعية و شيوخ يستذكرون زلزال قسنطينة
سألنا عددا من القسنطينيين من مختلف الأعمار عن موقفهم من الشهر فجاءت الردود متقاربة شباب و كهول يتطيرون من أكتوبر و يعتبرونه شهر الكوارث الطبيعية و الأحداث المأساوية.
نبيل طالب صيدلة حرك نقاشا ساخرا على إحدى صفحات موقع فيسبوك مباشرة بعد حادثة مرور النيزك، إذ عبر عن تشاؤمه الشخصي من هذا الشهر، مشيرا إلى أن بدايته جاءت بأمطار و رعود و انتهى بنيزك لا يدري أحد أية مفاجئات يحملها معه، مشيرا إلى أن أكتوبر شهر ثقيل الظل يعرف في العالم ككل بأنه شهر المآسي و الكوارث.
 أما وداد موظفة بمصالح المالية ببلدية عين سمارة فقالت بأنها لا تزال تذكر ليلة الزلزال الذي ضرب قسنطينة قبل 31سنة، قالت بأنها كانت ليلة مأساوية اضطر والدها خلالها إخراجها هي وأشقائها من البيت على وجه السرعة، حتى أنهم قضوا ليلتهم في العراء، أما الموقف  الأسوأ فقد كان إصابة أحد أشقائها بالحمى و بسبب حالة الفوضى التي كانت قائمة ليلتها فقد عجز والدها عن إسعافه نحو المستشفى، تقول محدثتنا بأنها إلى اليوم لا تزال تتذكر صور تلك الليلة كلما حل هذا الشهر.
بدوره أكد نور الدين الكهل الخمسيني بأنه لا يحب التطير لأنه حرام، لكنه يحس في قرارات نفسه بشعور بعدم الارتياح من هذا الشهر الذي قال بأنه يرتبط دائما بالكوارث الطبيعية مستذكرا زلزال الأصنام و زلزال قسنطينة، الذي قال بأنه حفر عميقا في ذاكرته، يعبر " في  ذلك اليوم كانوا يعرضون فيلم بوعمامة على التلفزيون الجزائري، كان الجميع مستمتعا بمشاهدته قبل أن تهتز الأرض فجأة" ، هذا الشهر حسبه كثير المخاطر لأنه يرتبط بتقلبات جوية سببها الانتقال الشتوي و التغير المفاجئ في درجات الحرارة ما ينتج حسبه الزلازل و الأعاصير وهو أمر معروف كما قال.
مختصون في علم الفلك و رصد الزلازل
  الشهر بريء علميا

يوضح البروفيسور جمال ميموني رئيس جمعية الشعرى لعلم الفلك بأن هذا التطير من شهر أكتوبر غير مقبول عقائديا لأنه حرام، كما أنه علميا لا يستند لأية أسس علمية، فالشهر لا يرتبط بأية حركة غير طبيعية للقشرة الأرضية كما أنه لا يعتبر فترة استثنائية فيما يخص حركة السحب و الرياح، أي أن الحديث عن كونه شهر التقلبات المناخية و العواصف أمر غير منطقي و لا أساس له من الصحة، بل بالعكس يضيف المختص فإن أكتوبر شهر عادي لا يختلف كثيرا عن باقي أشهر السنة و ربطه بالكوارث هو مجرد معتقد شعبي تغذيه الخرافة، مقللا من أهمية الهزة الأرضية التي شهدتها قسنطينة أمس، و مؤكدا بأن مرور النيزك هو أمر جد عادي و ظاهرة كونية معروفة ولا علاقة لها برزنامة الأشهر.
من جهته أكد محمد حمداش من مركز رصد الزلازل بالعاصمة بأن أكتوبر لا يتميز عن باقي الأشهر بأية خصوصية طبيعية، لأن رزنامة الأشهر أساسا هي تقويم وضعي أعده الإنسان وهو من أطلق المسميات على كل فترة من فترات السنة. و أضاف المختص بأن المعدل العادي لحركة الأرض خلال كل شهر تقريبا هو 100هزة، و هي حركة مرتبطة أساسا بموقع الجزائر القريب جدا من الصفحة الأرضية الإفريقية التي توجد حاليا في وضعية تصادم مع الصفحة الأورو أسيوية وهو ما يكشف حركة الأرض.
المتحدث قال أيضا بأن حركة الزلازل لا تمت بصلة لطبيعة المناخ ولا يوجد أي دليل علمي أو منطقي يربط أكتوبر بالكوارث بل هي مجرد أفكار و تصورات لها علاقة بالثقافة الشعبية و ربط الأحداث ببعضها البعض بطريقة عاطفية.

الرجوع إلى الأعلى