منذ عقود طويلة ظل حوض سيبوس الخصيب و الإقليم الشرقي بقالمة موطنا ملائما لزراعة أشجار البرتقال و التفاح و التين و الرمان على نطاق واسع، حتى صارت هذه الزراعة الصديقة للبيئة و الإنسان مصدرا لمعيشة سكان المنطقة إلى جانب زراعة القمح، تربية المواشي و الدواجن.
و تعد بلديات حمام النبائل، الدهوارة، بوحشانة، عين صندل، بوشقوف و وادي الشحم و مجاز الصفا الموطن الرئيسي للتين و الرمان، و مع حلول كل صيف و خريف يتوجه الناس و معهم كبار تجار الخضر و الفواكه من مختلف الولايات الشرقية إلى الإقليم من أجل الاستمتاع بجمال الطبيعة الجبلية العذراء و التجوال بين بساتين الفواكه، و شراء أجود أنواع التين و الرمان، الفاكهة الطبيعية التي لم تمسسها يد البشر بالمحاليل العضوية التي أصبحت تستعمل على نطاق واسع بقطاع الزراعة لمواجهة الأمراض النباتية و زيادة المردود لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة.
و يعد التين الأسود بحمام النبائل و الدهوارة و بوحشانة و عين صندل من أشهر فواكه الخريف بالمنطقة، و تباع هذه الفاكهة بأسواق قالمة و الولايات المجاورة، و صار التين مصدرا لمعيشة الكثير من سكان الإقليم الشرقي إلى جانب رمان حمام النبائل و وادي حلية و المالح و بوشقوف.
و مع مرور الزمن أصبحت حقول التين و الرمان منافسا قويا لزراعة القمح ببلديات الإقليم الجبلي الكبير، و في كل سنة تتوسع هذه الحقول و تنمو معلنة عن ميلاد قطب زراعي هام عماده أشجار الفواكه ذات القيمة الغذائية و الاقتصادية الكبيرة.
و تعمل محافظة الغابات و مديرية الفلاحة بقالمة على تطوير هذه الزراعة بالمنطقة من خلال برامج الدعم المالي و التقني، حيث يخوض مهندسو الزراعة تحديات كبيرة لتدريب مزارعي الإقليم الشرقي على العناية بشجرة التين و الرمان من مرحلة الغرس إلى النمو و الإثمار، حتى تكون الجدوى الاقتصادية أكبر، و ينتقل السكان من الزراعة التقليدية إلى البستنة الحديثة ذات المردود الجيد.
و يمتاز الإقليم الشرقي بقالمة بمناخ معتدل خلال فصل الصيف، و تساقط معتبر للأمطار في فصل الشتاء مما ساعد على نمو الأشجار المثمرة و الغابية منذ عقود طويلة.
و مازال سكان الإقليم يطالبون ببناء سد كبير على وادي غانم لتوسيع زراعة الفواكه الموسمية و التحول إلى أنظمة السقي المجدية للمحافظة على بساتين التين و الرمان، و زيادة الإنتاج و تحسين الظروف المعيشية لسكان الإقليم الجبلي الذين ظلوا يعانون من تدني مستوى المعيشة و تراجع فرص العمل، قبل أن يهتدوا إلى شجرة التين و الرمان التي أغدقت عليهم بالخير الكثير و حولت المنطقة إلى قطب هام لمختلف أنواع الفواكه ذات الجودة و المذاق الطبيعي المميز.  
هنا كانت حُقول التفَّاح والبرتقال
على مدى عقود طويلة من الزمن ظلت ولاية قالمة مهدا لزراعة الأشجار المثمرة على نطاق واسع، و يعد حوض سيبوس الخصيب موطن الفواكه الشهير كالبرتقال و التفاح و المشمش، لكن الوضع اليوم انقلب رأسا على عقب عندما اختفت تلك الحقول الشهيرة على ضفتي النهر الكبير، و تحولت إلى مساحات جرداء تزرع فيها خضر و فواكه موسمية و محاصيل القمح و البقول، في واحدة من أسوأ الاعتداءات التي تطال حقول الأشجار المثمرة و البيئة بولاية قالمة على مدى العشرين سنة الماضية.
و بالرغم من الاهتمام المتزايد بأشجار الفواكه بالأقاليم الجبلية الوعرة كحمام النبائل، بوحشانة، عين صندل،  الدهوارة، وادي الشحم و بوشقوف فإن سهل سيبوس الخصيب يعيش على النقيض تماما من تلك الأقاليم النائية، حيث يواصل المزارعون تجريف البساتين العريقة و تحويلها إلى مساحات للخضر و الفواكه و القمح، لكن القليل منهم مازال وفيا للشجرة المثمرة ذات الفوائد الاقتصادية و البيئية الكبيرة.  
و يقول بعض المزارعين العاملين بسهل سيبوس بقالمة بأن حقول الأشجار المثمرة استثمار متعب و يحتاج إلى وقت طويل و عناية مستمرة، خلافا لمحاصيل الخضر و الفواكه و الحبوب، حيث أصبحت الأراضي تزرع مرتين في السنة في دورة زراعية مكثفة.
و يتوقع المشرفون على قطاع الزراعة بقالمة أن يعود الاهتمام إلى الأشجار المثمرة بحوض سيبوس الكبير كما في الأقاليم الجبلية، بعد وقف استيراد الفواكه من الخارج و ارتفاع أسعارها بالسوق الوطنية.
مجهودات لعصرنة الزراعة والعودة إلى التنوع
و تحاول إدارة قطاع الزراعة بقالمة إقناع المستثمرات الفلاحية بالعودة إلى الأشجار المثمرة لتحقيق مسعى التنوع الزراعي و البيئي، و إنشاء مزيد من الثروة و مناصب العمل، حيث تتطلب حقول الأشجار المثمرة الكثير من اليد العاملة المدربة على مدار السنة تقريبا.
و تظهر صور محرك البحث الفلكي غوغل آرث مدى الدمار الكبير الذي طال حقول البرتقال و التفاح و المشمش بسهل سيبوس، الممتد من مجاز عمار غربا إلى حدود ولاية الطارف شرقا، حيث لم تبق إلا مساحات قليلة من تلك البساتين وسط مساحات جرداء تم تجريفها أو تعرضت للموت بسبب العمر و نقص العناية، و من منطقة إلى أخرى بدأت بعض البساتين الفتية تظهر من جديد في مؤشر جيد على عودة الاهتمام بالشجرة المثمرة ذات الفوائد الاقتصادية و البيئية الهامة.
و كان المزارعون القدامى يغرسون مختلف أنواع الخضر و الفواكه بين الأشجار المثمرة لتحقيق مزيد من المداخيل، و ضمان ديمومة النشاط على مدار السنة، و هي طريقة ناجعة لتنويع الزراعة داخل حقل الأشجار المثمرة، و يحاول صغار المستثمرين اليوم خوض نفس التجربة، في محاولة لإحياء البساتين الشهيرة التي ظلت فخر الزراعة بولاية قالمة على مدى عقود طويلة من الزمن.  
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى