من المتعارف عليه أن المؤسسات الاقتصادية و الشركات التجارية تفلس عادة، عندما يتضاعف العجز المالي الداخلي، و ترفض البنوك منح قروض الدفع، فتقوم المؤسسة المتعبة ماليا و بحكم القانون التجاري، بإعلان إفلاسها و دفع الحسابات أمام المحكمة التجارية لإتمام إجراءات التفليسة، غير أن هناك مؤسسات تجارية و يقال أنها محترفة، مرشحة للإفلاس و الاختفاء، رغم أن خزائنها تغرف سنويا مئات الملايير من الخزينة العمومية و خزائن الشركات العمومية بدعوى الاستثمار و البحث عن الربح.
قد يتساءل البعض عن حقيقة هذه المفارقة العجيبة التي تحدث ببلادنا، و عن هوية هذه الشركات التجارية، و عن طبيعة النشاط الاقتصادي الذي تقوم به، و ما هي الفوائد التي تجنيها أو الخدمات العمومية التي تقدمها للمجتمع الجزائري؟.
الأمر يتعلق ببعض الشركات الرياضية التي دخلت عالم الاحتراف منذ سنوات، غير أنها لم تنفطم بعد و مازالت تعيش على إعانات الدولة ممثلة في الجماعات المحلية
و ما تضخه لها الشركات الوطنية الكبرى من أموال و ما تحصل عليه من عائدات الفدرالية الجزائرية لكرة القدم.
الملف الذي أعدته جريدة النصر في عددها أمس حول الواقع المزري الذي آل إليه عميد الفرق الرياضية الجزائرية و الذي يحمل آلام و آمال الآلاف من الشبان، يجيب بوضوح كبير عن الأسئلة المطروحة على المسؤولين المعنيين، المطالبين ليس فقط بتحقيق النتائج الرياضية لإسعاد الجماهير، بل أيضا تحقيق الحصيلة الإيجابية للشركة التجارية.
فقد توصّل التحقيق الصحفي، و على غرار ما توصّلت إليه تحقيقات إعلامية أخرى في المدة الأخيرة، إلى أن الملايير التي تضخ في خزائن فرق رياضية شعبية مثل شباب قسنطينة و المولودية العاصمية ..، تذهب سدى و تمنح لمسيّرين و لاعبين لا يحققون النتائج الباهرة التي تفرح الأنصار و تجعلهم يتعلقون بفرقهم، بل العكس هو الذي يحدث فقد تحوّلت الأموال إلى نقمة و فتنة قد تعصف باستقرار هذه النوادي العريقة كما هو الحال اليوم، أين يتقاضى لاعبون مغمورون أجورا خيالية و لا يحققون نتائج تبرّر ما حصلوا عليه، و على العكس من ذلك تسجل فرق شابة بإمكانيات متواضعة، نتائج مشجعة للغاية، وسط حماس جماهيري منقطع النظير.
الأمر لا يحتاج إلى تحقيق معمق و مدقق لتفسير مفارقة شركة تجارية لديها من الأموال الكافية لتغطية كل النفقات، و لكنها بعد بداية النشاط أو اصطدامها بمشكل بسيط، تجد نفسها عاجزة عن الدفع و ترتفع الأصوات المطالبة بإنقاذ الشركة من أبنائها المفلسين.
و حالها يشبه حال مؤسسات عمومية وجدت نفسها و دون عناء كبير، مثخنة بالأموال التي جنتها وقت البحبوحة البترولية، غير أنها لمّا حلّت الأزمة لم تستطع الصمود و المقاومة، و بدأت تعضّ أصابعها ندما على الأموال التي أهدرتها يمينا و شمالا دون أن تكون لها النظرة الاستشرافية البعيدة المدى لقراءة المستقبل.
من واجب الدولة و بحكم الدستور، السهر على ترقية الرياضة للجميع و إثراء الثقافة الوطنية و تنمية المواهب و رعاية الهواة و مرافقتهم إلى أن يصبحوا محترفين
و مهنيين قادرين على تمويل أنفسهم، غير أن القانون ذاته يحتّم على الآمرين بالصرف معرفة مواضع إيداع المال العام بدقة و حسب ما يقتضيه القانون، سواء في شكل دعم مالي مباشر أو بدعوى الإستثمار في الرياضة أو في أي نشاط تجاري آخر.
فكما أن هناك من يطالب بإعادة النظر في دعم الدولة للمواد الواسعة الإستهلاك، كالماء و الغاز و الكهرباء و الكراء و الخبز و الحليب و غيرها..، هناك أيضا من يطالب بإعادة النظر في الأموال التي تذهب إلى الفرق الرياضية بمختلف الصيغ، و التي تلتهم الملايير دون تحقيق نتائج تذكر على الصعيد الوطني و الدولي، بل أن هذه المفارقة العجيبة أصبحت مصدر توترات دائمة داخل الأسرة الرياضية الواحدة.
تجاريا المفلس هو الذي يصل إلى مرحلة العجز عن الدفع لأسباب معروفة في عالم المال و الأعمال، أمّا الإفلاس الأخلاقي فأمره أخطر عندما يكون المسيّر مغرقا بالأموال و لا يستطيع أن يحقق بها أبسط النتائج المرجوة، وساعتها حاله البائس يشبه الصبيان الذين يحرقون الملايير دون جدوى، ظنا منهم أنهم يحتفلون بالمولد النبوي الشريف.
النصر

الرجوع إلى الأعلى