يتعاطى الكثير من المواطنين في كل مرة مع الاضطرابات الجوية مهما كانت بسيطة، بشيء من التوجّس والخوف من الجوع، وهي عادات لم يتخلص منها المواطن رغم التطوّر الحاصل في مناحي الحياة.
فبمجرد الإعلان عن نشرة جوية خاصة، تشرع العائلات في إعداد مخزون من الخبز والحليب
و السميد، وتقتني ما يغطي حاجة قبيلة بأكلمها من الخضر والفواكه وباقي الأغذية، وطبعا يزيد الطلب على كل شيء، لأن الكل يركن إلى البيت فيتوقف العمل وتشل الخدمات، و يفتح المجال للأكل و النوم.
كلما تساقطت الثلوج تكتسي المدن والقرى حلّة بيضاء، ولكن اليوميات تصبح في نفس البياض لتوقف الحركة والتجارة والدراسة والعمل، رغم أن الشتاء فصل يتكرر كل سنة والثلوج واردة في كل عام وليست بالظاهرة الغريبة المخيفة.
 لكن هذه الظاهرة المناخية أصبحت عندنا مرادفة للعب والنوم و الأكل، حيث تقام ساحات المعارك داخل الأحياء وعبر الطرقات أين يمكن لمقذوفة بيضاء أن تفقأ عين أحدهم من باب اللّهو، كما يحرّم على النساء الخروج لأنهن هدف محبب لهواة الرماية، أما المدارس فتصبح مفتوحة على كل الاحتمالات، هذا إن حصل وتواصلت الدراسة لأكثر من ثلاث ساعات،  طبعا، لأن المعلمات وحتى المعلمون لا يخرجون من منازلهم عند تساقط الثلوج.
الظاهرة تحوّلت إلى تقليد موسمي، رغم أن السنوات الأخيرة أصبحت تعرف تدخلا سريعا للبلديات ومصالح الولايات، حتى وإن كان التحرك فيه شيء من البطء ونقص في التنظيم، إضافة إلى تدخل الأجهزة الأمنية وحتى الجيش في الحالات المتعلقة بالمناطق الجبلية أو بالطرقات المعزولة، ما يجعل من التصرفات التي تعقب كل اضطراب جوي، مجرد رغبة في التوقف عن العمل تدخل ضمن ثقافة سرقة الوقت.
وقد يبرّر البعض عدم خروجهم من المنازل بعدم توفر وسائل النقل، لأن الناقل عندنا ينخرط في نفس التصرف، لكن الحافلات العمومية التي دخلت كل المدن تبطل الحجة بالنسبة لفئة كبيرة من الموظفين، كما نجد في حالات أخرى أن من يتغيّبون لم تصل الثلوج أحياءهم، إنما يخمّنون بأن الإدارة ستكون خالية من باقي العاملين.
الشوارع لا تخلو من الحركة لكنها حركة من نوع آخر لا علاقة لها بالنشاط اليومي العادي، وهنا يجب التأكيد بأن اللّهو في حد ذاته ليس خطأ، إنما متعة تتطلب المشاركة لا الاستهداف العدواني، لأن استعمال حجارة لصنع كريات ثلج يعد اعتداء صريحا لا علاقة له بالسعادة التي ينشرها البياض في نفوس البشر.
وفي مجال التموين تبقى الإشكالية عصيّة، فكل الإجراءات المتخذة لمواجهة التهافت المرضي لم تخفف من حدته إلا نسبيا، رغم أن التجارة لا تتوقف تماما، لكن يظل الهاجس يسيطر على النفوس ويظهر في كل مرة في شكل خوف من الندرة يعكسه سلوك جمعي، يجعلنا في كل مرة نتوقع أننا قد لا نجد ما نستهلكه، حتى في زمن انتشرت فيه المساحات الكبرى وسيطرت فيه التجارة الفوضوية على كل شبر.
هذه السلوكات عادات متجذّرة في المجتمع تعود إلى فترات الأزمة والتخلص منها يكون بخلق ثقافة بديلة تنزل بالغذاء من مرتبة المقدس إلى الحاجة العادية والمتاحة، لكن يجب أن يكون ذلك مقرونا بتقيّد التجار وباقي الأطراف بمفهوم الخدمة العمومية التي يجب أن تكون مضمونة، إلى حد ما، حتى في أسوأ الأحوال الجوية.
النصر

الرجوع إلى الأعلى