يرتبط فلاحو بلدية بني حميدان بولاية قسنطينة، بأرضهم ارتباطا وثيقا، يتجلى في امتهانهم للفلاحة، التي تعد جزءا من يومياتهم ونشاطا متوارثا عن الأجداد، يمارسه أبناء المنطقة بشغف، ويعتبرونه أحد أشكال التعبير عن الانتماء للأرض، ما جعل موسم الجني ببني حميدان، طقسا جماعيا يشهد مشاركة واسعة للأطفال والنساء للاحتفاء بخيرات المنطقة، واستذكار التقاليد.
ربورتاج / لينة دلول
حركية كبيرة خلال جني البازلاء
مع حلول موسم جني البازلاء والفول تتحول سهول بني حميدان الخصبة ومساحاتها الخضراء إلى خلية نحل تعج بحركة المزارعين وعائلاتهم، وقبلة للزوار من داخل وخارج الولاية، للظفر بمحاصيلها المعروفة بجودتها وتميز مذاقها، وهو ما وقفنا عليه خلال جولتنا بالمنطقة، أين شاركنا أبناء البلدية أجواء موسم جني الفول والبازلاء، وشاهدنا حركة الفلاحين الذين باشروا جني محاصيلهم الزراعية بكل حماس ومتعة، الذين تحدثوا للنصر عن سر تعلقهم بخدمة الأرض وما تعنيه الفلاحة بالنسبة لهم،
فهي في نظرهم ليست مجرد مهنة، بل عادة متوراثة والاحتفاء بجني المحصول تقليد سنوي لا يقتصر على الفلاحين فحسب وإنما يشمل حتى النساء والأطفال، وهو ما أكده أحد شباب المنطقة، في حديثه إلينا قائلا، إن موسم الجني لا يقتصر فقط على الفلاحين الأصليين، بل يعرف مشاركة واسعة للأطفال والنساء والرجال والشباب، منهم من قدموا من مناطق قريبة كميلة والقرارم، ومن من بلديات مجاورة، للمساهمة في هذه الحركية الموسمية التي تمثل بالنسبة للكثيرين مصدر رزق وفرصة لإحياء تقاليد الآباء والأجداد.
أصوات من الحقول تعبر عن التحدي والشغف
يستمتع المتجول بين حقول البازلاء والفول، بأصوات الفلاحين المعبرة عن سعادتهم بجني محصول وفير وبجودته، وينبهر بمدى تماسك أبناء العائلة الواحدة، حيث وجدنا عائلات بنسائها وأطفالها تتسابقن لجني المحصول ويتناقشن عن خصوصية منتوج هذا الموسم، فرحين بتحسنه ووفرته مقارنة بالعام الماضي.
وفي حديثنا مع عدد من الفلاحين، قال جلهم إنهم يبدأون يومهم مع أولى خيوط الفجر، حيث يتجمعون وسط الحقول، ثم ينقسمون إلى مجموعات صغيرة، توزع كل مجموعة على مساحة معينة وفق خطة عمل منظمة، وبمجرد توزيع الأفواج، تنطلق عملية الجني التي تستمر بوتيرة متسارعة حتى حدود الساعة العاشرة صباحا، وبعد انتهاء الجني، تبدأ مرحلة أخرى لا تقل أهمية، حيث يعرض الفلاحون ما جنوه من خيرات على تجار يقصدون المنطقة خصيصا، للظفر بأجود المحاصيل من فول وبازلاء المعروفة بطراوتها وجودتها العالية.
قال الفلاح عمار، المنحدر من بلدية بني حميدان، إنه يمارس النشاط الفلاحي منذ سنوات طويلة، متخصصا بالأساس في شعبة البقول الجافة، مثل الفول، البازلاء « الجلبانة «، الحمص، والعدس، موضحا أنه يبدأ عمله مع بزوغ الفجر، ويستمر إلى منتصف النهار، ليأخذ فترة راحة ثم يواصل نشاطه الفلاحي إلى غاية غروب الشمس، مضيفا أن عمل الفلاح لا يتوقف عند جني المحاصيل، بل يتطلب متابعة يومية دقيقة، مردفا بأنه يولي عناية خاصة بمحاصيله من خلال الحرص على تنظيف الحقول من الأعشاب الضارة بشكل دوري، ومعالجة النباتات ضد الأمراض لضمان جودة الإنتاج.
وقد عبر عمار عن معاناته من صعوبة العمل الفلاحي بالطرق التقليدية، خاصة في ظل نقص العتاد الفلاحي الحديث الذي من شأنه أن يخفف من مشقة العمل ويحسن الإنتاجية، وبالرغم من ذلك يفضل ممارسة الفلاحة التي ورثها عن والده ويعتبرها جزءا من هويته وتاريخه العائلي، على نشاط آخر، لتعلقه بممارستها واعتمادها كمصدر رئيسي للعيش.
فول بني حميدان يحظى بمكانة خاصة في الأسواق المحلية
وعن طبيعة منتوجات بني حميدان الفلاحية، قال بأنها تحظى بمكانة متميزة في الأسواق المحلية خاصة البقول الجافة، نظرا لجودتها العالية ومذاقها المتميز الذي يعكس خصوبة أرض المنطقة ونقاء مياهها.
وهو ما أكد عليه الفلاح الندير، صاحب 23 سنة، قائلا أن بلدية بني حميدان من المناطق المشهورة بجودة منتوجاتها الفلاحية، خاصة منتوج البازلاء والفول، نتيجة اعتماد مصادر المياه الطبيعية في السقي، والتي أعطت مذاقا مميزا للمحاصيل، إلى جانب جودة التربة، مبرزا نظام عمل فلاح المنطقة والذي يعد هو الآخر عاملا مساهما في توفير محصول وفير وجيد.
وبالحديث عن يومياته، قال إنه يبدأ يومه مبكرا في حدود الساعة الخامسة صباحا، حيث يتوجه أولا إلى المقهى المحلي، قبل أن يلتقي بأصدقائه للانطلاق إلى الحقول، مشيرا إلى أنه وخلال شهر رمضان، كان يولي عناية خاصة بالنباتات، حيث كان يسقيها في الفترة ما بين السحور وحتى غروب الشمس، في عمل يستمر قرابة أربع ساعات يوميا، ما يعكس التزامه الكبير بالمحافظة على جودة المحاصيل وضمان نموها السليم رغم مشقة الصيام والعمل تحت أشعة الشمس.
وأكد الشاب أن الفلاحة بالنسبة له ليست مجرد مهنة، بل هواية متوارثة عن الأجداد، قائلا إنه يجد متعة كبيرة في العمل بالأرض، سواء خلال موسم الحصاد أو في بقية أيام السنة، مضيفا بأنه مع حلول فصل الصيف، يحول نشاطه إلى تجارة بسيطة، حيث يقوم ببيع «البراج» واللبن، محافظًا على صلته بالأرض ومنتجاتها الطبيعية.
عملية الجني هواية متوارثة عن الأجداد
من جهته، أكد رمزي، أحد فلاحي المنطقة أنه، كغيره من أبناء المنطقة، يستيقظ في الصباح الباكر من أجل جني محصول البازلاء، ويعتبر عملية الجني بالنسبة له هواية وشغفا قبل أن تكون عملا بدأ في ممارسته في سن مبكر، وخدمة الأرض جزءا أساسيا من حياته اليومية.وأوضح رمزي، أن هذا الارتباط الوثيق بالمهنة هو السر الحقيقي وراء تميز منتوجات بني حميدان، التي باتت تحظى بسمعة طيبة وتجذب العديد من الزبائن من مختلف المناطق، باعتبار أن من يشتغلون بها يعرفون أسرار الفلاحة ومراحل الإنتاج من الألف إلى الياء، وهو ما ينعكس إيجابا على جودة المحاصيل.وفي السياق ذاته، أبرز أن العديد من شباب المنطقة ينشطون في هذا المجال الواعد، حيث نشأوا منذ صغرهم وهم يمارسون مختلف الأعمال الفلاحية، مما أكسبهم خبرة كبيرة ووطد صلتهم بالأرض.
قال الفلاح الشاب عماد مقري، المنحدر من بلدية بني حميدان، بأنه جاء رفقة عدد من جيرانه إلى الحقول الفلاحية من أجل حصد محصول الفول، وكسب أجر محترم خلال هذا الموسم الزراعي، مشيرا في ذات السياق، إلى أن منطقة بني حميدان تعد من أهم المناطق الفلاحية، حيث يعتمد أغلب سكانها على المواسم الفلاحية كمصدر أساسي للعمل والدخل، مضيفا بأن موسم جني محصولي الفول والبازلاء، يستقطب زوارا من مختلف الولايات المجاورة، على غرار سطيف وبرج بوعريريج، لما تتميز به محاصيلها من جودة عالية. لم يخف عماد مقري بعض الصعوبات التي تواجهه خلال عمله في الحقول، أبرزها برودة الطقس والصقيع الذي يخيم على المنطقة خلال ساعات الصباح الباكر، ما يزيد من مشقة العمل ويؤثر أحيانا على جودة الحصاد.
جني صندوق من الفول بـ120 دينارا
وبحسب ما وقفنا عليه، فإن العاملون يتقاضون في الجني أجرة رمزية مقابل تعبهم، حيث تتراوح كلفة جني صندوق واحد من الفول بين 100 إلى 120 دينارا ، ما يجعل الموسم فرصة حقيقية لكسب دخل إضافي، بالإضافة إلى التمسك بمهنة توارثوها جيلا بعد جيل.
ل.د