الخميس 1 ماي 2025 الموافق لـ 3 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

زهر و نرجس يعطران الشوارع والبيوت: طقوس و عادات لاستقبال الربيع في قسنطينة


يسعد أهل مدينة قسنطينة، بقدوم فصل الربيع و يحتفلون بقرب حلوله بطقوس وعادات متجذرة في الثقافة المحلية، فللموسم روائح ونكهة خاصة تميّز البيوت و الشوارع وخصوصا الأسواق، أين تتوفر سلال الزهر والورد وقوارير الماء المقطر، وتنتشر طاولات باعة النرجس الزهرة التي تأتي لتعلن عن نهاية الشتاء وانقشاع غيومه السوداء وعودة الدفء إلى صباحات المدينة.

روبورتاج/ إيناس كبير

في المنازل، تحتفل العائلات ببداية تقطير الورد والزهر، و تحضر للمناسبة أو لأجل استقبال أولى نسمات الربيع، بعض الحلويات التقليدية اللذيذة مثل، البراج أو المبرجة كما تسمى في ولايات أخرى، و طمينة الغرس، وطمينة الفرخ، و كلها طقوس مكرسة في عديد البيوت القسنطينية ولا تزال تتوارثها الأجيال.
بدأت جولتنا صباحا بوسط مدينة قسنطينة، وقد وقفنا على حركية ملحوظة خصوصا وأن الجو كان مشمسا ودافئا نوعا ما، وهي فرصة لأبناء المدينة للخروج والتمتع في شوارعها ذات الخصوصية العمرانية الجميلة.
صادفنا عديد المواطنين بينهم عائلات في حديقة « لابريش» و ساحة «دنيا الطرائف، وهناك الأجواء جميلة وتبعث على الإيجابية، كما أن حركية التجارة بدت ملفتة خصوصا وأن المنطقة تتوفر على أكشاك لبيع المثلجات والعصائر، وبعض المنتجات الحرفية التي تشمل حلويات تقليدية، إلى جانب وجود فرصة للأطفال لركوب الدراجات و السيارات الآلية.
تقدمنا نحو الجزء العلوي من حديقة بن ناصر، وقد شدنا منظر بائعي الورد والزهر المنتشرين في الساحة، أين صنعت سلالهم البسيطة بألوانها الزاهية لوحة فنية تمزج بين الأبيض، و الزهري، و البرتقالي، والأصفر.
أجواء الربيع في قسنطينة، يصنعها أيضا باعة بعض النباتات العطرية الأخرى التي تنمو في الفصل وتكون صالحة للاستهلاك، إذ ينتشرون هنا وهناك عند مداخل الأسواق و على حواف الطرقات، يعرضون بضاعة لا يزيد سعرها عن 100دج.
عادات لا تنقطع
يجتمع باعة الورد والزهر وسط المدينة، مع نسمات الصباح الأولى يعرضون منتجاتهم الفواحة ذات الألوان الزاهية التي تزيح كآبة الشتاء وتعلن رائحتها عن قدوم فصل الربيع.
لاحظنا ونحن في ساحة «دنيا الطرائف» أنهم يصنعون جوا لطيفا حيث يلتف حولهم المارة يسألون عن الأسعار التي تتراوح هذا الموسم بين 2000دج بالنسبة لكبة الزهر، و2500دج للورد، وكانت الأحاديث بين الباعة والزبائن وحتى الفضوليين لا تخلو من الإشارة إلى عادة التقطير المكرسة في قسنطينة، وكيف تعتبر طقسا ربيعا مستحبا جدا بل ومقدسا بالنسبة لبعض العائلات، لأنه يدخل البهجة إلى بيوتهم.
ولا حديث في المكان سوى عن ذكريات البيوت العتيقة، ولحظة التقاء المرأة القسنطينية بـ»لقطار»، فضلا عن العادات التي تتبع التقطير وما لها من رمزية، بداية بفتح النوافذ لاستقبال أشعة الشمس، وتحضير حلويات ترافق المناسبة، وتجديد نباتات المنزل، وقالت سيدات إن الربيع يعني أيضا « تبييض البيت»، وهو تعبير شعبي يقصد به دهن الجدران باللون الأبيض كنوع من التجديد لاستقبال طاقة الربيع الإيجابية.
لفتنا تبادل الفأل الحسن والتبريكات بين الباعة والمشترين «تقطيرة مباركة»، «الله لا يقطعها عادة» وهكذا كانوا يتمنون الخير لبعضهم البعض فتشعر لوهلة أن الجو أقرب إلى حفلة.
مكثنا في الحديثة لمدة نراقب الأجواء، وقد دردشنا مطولا خلال تلك الفترة البائع عمي رمضان بوجميلي، الذي بادر إلى تخفيض الأسعار بعدما شارفت بضاعته على النفاذ.
كان يقف مزهوا في زاويته بين الورد والزهر وكأنه قائد «أوركسترا» أخبرنا أنه لا يتذكر متى بدأ يمارس هذا العمل لأنه كان صغيرا جدا في السن، مضيفا أن هذه النباتات تحمل معهما رائحة الربيع إلى قسنطينة، فرائحة الزهر والورد تفوح في كل مكان هذه الأيام مع انطلاق موسم التقطير، وهي عادة متوارثة أبا عن جد ولا يستطيع قسنطينيون التخلي عنها رغم أنها صارت مكلفة في السنوات الأخيرة.
قال لنا، إن سياحا يابانيين زاروه قبل لحظات، والتقطوا صورا، كما سألوه عن سر هذه العادة. مضيفا أن هناك مغتربين يهاتفونه كل موسم للحصول على نصيبهم من الزهر والورد لأجل التقطير، وأنهم حافظوا على العادة وهم وراء البحر.
أجواء تستقطب السياح و تحرك حنين المغتربين
ويتعامل البائع مع عديد الزبائن من خارج قسنطينة أيضا، وذكر زبائن من العاصمة، وباتنة، وتبسة وغيرها، أما من يزورونه فيسألونه عن تفاصيل مختلفة مثل الفرق بين ماء الورد وماء الزهر، وكذا عن إضافة البرتقال المر أو «اللارنج» إلى الخليط، فضلا عن طريقة التقطير والعادات التي ترافقها.
وعبر السيد بوجميلي قائلا : «بالرغم من أن هذا النشاط يكلف جهدا كبيرا إلا أن الفرحة الحقيقية تكمن في الأجواء التي يصنعها بين العائلات خصوصا عند تبادل الماء المقطر أوالاتفاق على يوم محدد للتقطير».
كانت سيدة قالت إن اسمها حسينة، تقف في الجوار وقد لاحظنا بأنها تنقلت لأكثر من مرة بين نفس الباعة، اتضح لنا بعد الحديث إليها بأنها تتفحص الورد والزهر لتحدد الجودة وقد استنتجنا بأنها عارفة بالحرفة.
أخبرتنا، أنها مثل بنات قسنطينة الأخريات وعلى غرار والدتها وجدتها، تزهو عند قدوم الربيع من أجل التقطير وعاداته، لذلك تخرج صباحا للحصول على نصيبها من الورد والزهر كي تفوح رائحة الموسم في بيتها، كما أكدت أنها تحافظ على عادات مدينتها ولا تستطيع الاستغناء عنها.

سألناها عما تفضله فأخبرتنا أنها تقتني كليهما لكن عند التقطير تبدأ بالورد أولا كي لا يتلف، أما الزهر فلا ضرر إن أخرت تقطيره ليوم آخر، وبلكنة قسنطينية ذكرت بعض العادات المرافقة للتقطير فقالت « قبل أن أنصب القطار أتأكد أنه مصنوع من نحاس، أثبته وأضيف الماء، و أرش الملح على جانبيه الأيمن والأيسر، أما القطرات الأولى التي أستخلصها فأرش بها زوايا المنزل».
وأضافت معلقة: « أفعل ذلك حتى تدخل البركة إلينا»، ثم تغسل بنفس الماء ملابس أفراد عائلتها، وتنظف به البيت، مع تحضير «الطمينة البيضاء».
هواء المدينة يفوح برائحة نباتات موسمية
ولا تقتصر المنتجات الموسمية التي تتوفر في المدينة هذه الفترة على الورد والزهر، فهناك شباب و كهول يمتهنون بيع أنواع أخرى من الزهور من النرجس، وهو رمز من رموز الربيع في قسنطينة، ولا يكاد بيت يخلو منه، لأن رائحته زكية جدا تفوح بقوة في المكان و تبعث على الفرح.قال عمي بوجمعة، وهو بائع متجول قابلناه بمحاذاة سوق الإخوة بطو، إنه قدم من بلدية بني والبان بولاية سكيكدة، وقد حط صباحا في المكان ليبيع زهوره، سألناه عن اختياره للمدينة فأخبرنا أن أهلها يحبون الورد والزهر وأن أجواء الربيع فيها مختلفة، ولذلك تكون التجارة جيدة في هذه الفترة.

أخبرنا بائع شاب آخر، كان ينشط على مستوى شارع عبان رمضان، أنه يبيع أزهار النرجس أو ما يعرف بـ»لبليري» في كل موسم، وأنه يجمعها من حقول بني حميدان، ولقرارم، والشياقرا، معلقا أن الناس يحبون تلطيف أجواء منازلهم برائحتها الزكية ويطلبونها بكثرة.وفي وسط المدينة، يعرض هؤلاء الباعة وغيرهم زهورهم في كل مكان تقريبا، إلى جانب نباتات ربيعية أخرى يكثر الإقبال عليها، و تتحول بعض الشوارع الرئيسية إلى سوق مفتوحة لمنتجات الحرف خصوصا وأنه موسم المعارض التقليدية، حيث يبدأ التحضير لفعاليات شهر التراث باكرا في المدينة، و هو موعد ثقافي، و سياحي، و تجاري يترقبه أهل قسنطينة زوارها كل عام ويتزامن مع عودة الربيع.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com