تشهد عدة مدن مغربية، منذ يوم السبت، مظاهرات ومسيرات احتجاجية بدعوة من مجموعة شبابية تطلق على نفسها اسم «جيل زاد» «GEN Z»، للمطالبة بتحسين أوضاع المعيشة وصون كرامة المواطنين ومحاربة الفساد. ورغم الطابع السلمي للاحتجاجات، فإنها قوبلت بموجة قمع واعتقالات نجح متظاهرون في توثيقها وتناقلها على نطاق واسع، حيث ظهر رجال شرطة وهم يقومون بسحل مواطنين في ظروف مهينة، ما أثار موجة من ردود الأفعال المستنكرة من مختلف الأطياف السياسية والحقوقية والفنية.
يعيش المغرب هذه الأيام على وقع توترات اجتماعية متزايدة، مع ارتفاع منسوب الاحتجاجات في الشارع ضد وضعية الصحة والتعليم والقدرة الشرائية، وتواصلت الاحتجاجات لليوم الرابع على التوالي، تنديدا بتردي الأوضاع الاجتماعية وتردي خدمات الصحة العمومية وبطالة الشباب، وسط عمليات توقيف شنتها السلطات الأمنية وشملت عشرات المتظاهرين. ورفعت السلطات سيف المنع والتوقيفات بحق عدد من المحتجين الذين لبّوا دعوات للتظاهر من أجل تحقيق مطالب اجتماعية.
وواصل الشباب تنظيم وقفات احتجاجية متفرقة في عدة مدن على غرار الرباط، الدار البيضاء وطنجة، مدينة تطوان، وكذا فاس، مكناس بني ملال، وجدة ومراكش، ودفعت هذه الاحتجاجات عدد من المسؤولين المحليين إلى الاستقالة من مناصبهم، حيث أعلن مسؤول بالعاصمة الرابط استقالته من مهامه، معبّراً عن تضامنه مع الشباب المحتجّين. وقال المستشار الجماعي بمدينة الرباط وعضو مجلس مقاطعة اليوسفية، في تدوينة نشرها على حسابه إن هذه الخطوة تأتي دفاعاً عن صوت الشباب الذي وصفه بـ”المقموع”، مؤكداً أن قراره يمثّل أيضاً ردّاً جميلاً للثقة التي وضعها فيه الناخبون منذ انتخابه في 2021.
وفي العاصمة الرباط، طوقت القوات الأمنية، ساحة باب الأحد التاريخية لمنع المحتجين من الوصول إليها باعتبارها نقطة انطلاق للتظاهر، وشنت حملة من التوقيفات الاستباقية، في محاولة لمنع أي محاولة للتجمهر. وكشفت إحصائيات نشرها فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (مستقلة) عن توقيف حوالي 100 شاب بأماكن مختلفة من العاصمة.
وفي مدينة الدار البيضاء، كان الأمر أكثر سخونة، إذ تحولت الشوارع والأزقة القريبة من ساحة السراغنة وسط المدينة إلى ساحة كرّ وفر بين قوات الأمن والمحتجين الذين طالبوا بإسقاط الفساد، وبالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ورفعوا شعار «الصحة أولا.. ما بغيناش (لا نريد) كأس العالم». وبينما أسفر التدخل الأمني عن وقوع إصابات في صفوف بعض المتظاهرين.
وتكرر الأمر ذاته بمدينة مراكش، حيث أظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تطويق السلطات الأمنية لمكان الاحتجاج، قبل أن تقدم على توقيف عدد من المحتجين. وبحي السلام بمدينة أكادير عمدت قوات الأمن إلى اعتقال عددا من المشاركين. في الاحتجاجات.
وكان لافتا حضور سياسيين من اليسار في الاحتجاجات، أبرزهم الأمينة العامة السابقة للحزب الاشتراكي الموحد البرلمانية الحالية نبيلة منيب، والبرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي فاطمة التامني. كما تفاعل حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض، سريعاً، حيث أعرب عن قلقه من تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية في مختلف مناطق المغرب، وما رافقها من منع واعتقالات، محمّلاً الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية وغياب الاستجابة لمطالب المواطنين المشروعة المنصوص عليها في الدستور.
وأثار تضييق الحكومة والسلطات على الاحتجاجات ردود فعل منتقدة من قبل أحزاب سياسية وهيئات حقوقية. حيث طالبت «المنظمة المغربية لحقوق الإنسان» بالإفراج الفوري عن الشباب الذين تم توقيفهم إثر مشاركتهم في وقفات سلمية، مؤكدة أن الحق في التظاهر والتجمع السلمي مكفول دستورياً وضمن المواثيق الدولية التي التزم بها المغرب. واعتبرت أن هذه الوقفات، التي دعا إليها الشباب جاءت تعبيراً مشروعاً عن تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمطالبة بحقوق أساسية كالصحة والتعليم والشغل والعيش الكريم.
كما أدان المكتب السياسي لفيدرالية اليسار الديمقراطي بشدة ما وصفه بـ”القمع الذي تتعرض له احتجاجات الشباب المعبرة عن مطالب اجتماعية مشروعة”، معتبراً أن استمرار المقاربة الأمنية وتكريس أسلوب المنع “يمثل خطراً على الاستقرار ويعمق أزمة الثقة في المؤسسات”.
كما عبّرت الفيدرالية عن تضامنها “اللامشروط مع المعتقلين والمتابعين على خلفية الاحتجاجات الشبابية”، مؤكدة أن قطاع محاميها سيقوم بـ”مؤازرة ومواكبة جميع المعتقلين المحالين على النيابة العامة”.
كما حذر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الحكومة من تنامي الاحتقان الاجتماعي، داعيا إياها إلى اتخاذ إجراءات استعجالية تحفظ السلم الاجتماعي، وأكد الأمين العام للاتحاد، محمد الزويتن، أن الأوضاع الاجتماعية بالمملكة تتجه نحو مزيد من التعقيد، في ظل استمرار تدهور القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة، خاصة في صفوف الشباب حيث بلغت 47 بالمائة، إضافة إلى الأزمات التي تعصف بقطاعي التعليم والصحة.
جيل “زاد” من الشاشات إلى الشوارع
وجاءت التحركات التي عرفها المغرب على خلفية نداء أطلقه ناشطون شباب في مجموعة ظهرت قبل أيام على تطبيق للتواصل واستقطبت آلاف المنخرطين في ظرف وجيز. وتركزت النقاشات فيها حول ملفات الصحة والتعليم وفرص العمل، مع تأكيد المنظمين على سلمية مبادرتهم.
وأطلق على الحدث اسم «مسيرة الشباب المغربي» في بعض الملصقات المنتشرة عبر الإنترنت، في حين شدد الواقفون وراء الدعوة إلى الاحتجاج على أن التظاهرة ستكون «سلمية وقائمة على مبدأ اللاعنف»، وأنه لن يجري التسامح مع أي شكل من أشكال «العنف أو الاعتداء أو التخريب»، داعين المشاركين إلى احترام «المواطنين وقوات الأمن» والتصرف بـ»أدب ولباقة».
وعلى مدى الأيام الأخيرة تحولت منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب، دعت إلى التظاهر يومي السبت والأحد الماضيين في مدن كبرى، بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش ومكناس وأكادير، إلى واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية حجماً منذ «حراك الريف». ويتوقع محللون أن تتوسع الاحتجاجات في المرحلة المقبلة بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية التي تعيشها المملكة.
ع سمير