
تحل اليوم الذكرى الثانية للعدوان الصهيوني على غزة، وما ميزه من فصول حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي وحصار وتجويع، وسط مشاهد قاسية عجز العالم عن وقفها، ووقف شلال الدم الذي غرقت فيه غزة، وبقي المجتمع الدولي متفرجا عن قتل عشرات الآلاف من الأبرياء والنساء والأطفال، وحصار وتجويع أكثر من مليوني شخص ومنع عنهم الطعام والدواء، وتدمير آلاف المباني فوق رؤوس ساكنيها.
اتفق العالم على أن هذا العدوان الدامي لم يشهد له العصر الحديث مثيلاً في كل الحروب المتعاقبة على مدار مئات السنين، وأقر العالم بشاعة هذا العدوان، لكن الجميع بقي عاجزاً عن وقف هذه الحرب التي جاءت على الأخضر واليابس وشملت البشر والشجر والحجر، ولم يسلم أحد من همجية الكيان الصهيوني الذي خلف أكثر من 200 ألف ضحية بين شهيد وجريح من سكان غزة، و باعتراف قادة الكيان الصهيوني.
وأظهر هذا العدوان البشع الذي تعرض له قطاع غزة الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، وجيشه المجرم الذي تفنن في قتل الفلسطينيين الأبرياء، دون أي وازع أخلاقي، ولم يكن ذلك غريباً أمام ما يحمله هذا الكيان من معتقدات دينية فاسدة شجعته على سفك دماء الأبرياء، وكانت السبب المباشر في قتل الفلسطينيين وخوض هذا العدوان البشع ضد مدنيين ذنبهم الوحيد أنهم تشبثوا بأرضهم ورفضوا النزوح منها.
وتشير الإحصائيات التي نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بمناسبة الذكرى الثانية للعدوان الصهيوني على غزة إلى بشاعة هذه الحرب التي كانت ضد مدنيين أبرياء، وكشف نفس المصدر عن إلقاء 200 ألف طن من المتفجرات، أحدثت دماراً بنسبة 90 بالمائة في القطاع، الذي تحول إلى خراب وأطلال، و كل من زار غزة من أعضاء المنظمات الأممية والإنسانية يعود منها وهو في حالة رعب من المشاهد القاسية التي وقف عليها، والتي يعجز العقل البشري عن تصورها.
وفي السياق ذاته خلف العدوان الصهيوني على مدار عامين من المجازر المتتالية أكثر من 76 ألف شهيد ومفقود، إلى جانب ما يقارب 170 ألف جريح، إلى جانب ذلك فإن أغلب الضحايا هم من النساء والأطفال، حيث تشير إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي إلى استشهاد 20 ألف طفل و12.500 سيدة.
الصمود في مواجهة مخططات التهجير القسري
لم يخف الكيان الصهيوني منذ بداية العدوان على غزة أن مخططه من وراء تحركه في القطاع لا يتوقف عند تحرير أسراه المعتقلين لدى المقاومة، بل هو تهجير السكان قسرياً إلى خارج القطاع، وتحويل المنطقة إلى منتجعات سياحية للمستوطنين، وهذا ما كشفه أكثر من مسؤول صهيوني في أكثر من مناسبة، في حين أن هذه المخططات تراوح لحد الساعة مكانها أمام الصمود الفلسطيني الأسطوري على الأرض، رغم أنهم ذاقوا كل أنواع العذاب من القتل، والتشريد والتجويع وتدمير المنازل، و البنية التحتية والمنظومة الصحية، وسعى المحتل بكل ما يملك من قوة إلى جعل غزة منطقة غير صالحة للحياة حتى يشجع ما أطلق عليه بالهجرة الطوعية خارج القطاع، لكن مشاهد تشبث الفلسطينيين بأرضهم، وتنصيبهم لخيام فوق أنقاض منازلهم المدمرة، جعلت مخططات الكيان الصهيوني في تهجير السكان قسرياً تفشل مع مرور الذكرى الثانية للعدوان، وكان آخرها ما تعيشه مدينة غزة خلال الأسابيع الماضية من أعمال إبادة جماعية ومجازر بشعة، وانتهاج الاحتلال سياسة الأرض المحروقة لترويع السكان ودفعهم للهجرة نحو خان يونس وجنوب القطاع، إلا أنه بعد أكثر من شهرين من بداية تنفيذ المخطط بقي سكان غزة صامدين، كما لجأ جيش الاحتلال إلى السيطرة على شارع الرشيد الذي يربط شمال غزة بجنوبها منذ أيام، بعد أن تحولت الهجرة إلى هجرة عكسية من الجنوب إلى الشمال، وعاد آلاف الفلسطينيين إلى الشمال، رغم الظروف الصعبة والخطيرة بشمال غزة.
العالم يصحو لغزة بعد انكشاف الوجه البشع للكيان
حرب التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني في غزة جعلت العالم يصحو عن غفلته واكتشف الوجه البشع لهذا الكيان الذي كان يختفي وراء ما يعرف بـ»المحرقة» لكسب تعاطف شعوب العالم، كما أن مشاهد قتل النساء والأطفال وحصارهم ومنع عنهم الطعام والدواء وقتلهم بالقنابل والرصاص والتجويع، جعلت أغلب دول العالم تتحرك ضد الكيان، واستطاعت القضية الفلسطينية أن تكسب المزيد من الانتصارات الدولية، واعترفت في أقل من سنة أكثر من 10 دول بالدولة الفلسطينية، منها دول كانت في وقت قريب تقدم الدعم اللامشروط للكيان الصهيوني، ومنها بريطانيا التي وقعت على بيان ميلاد هذا الكيان، إلى جانب عدد من الدول الأخرى التي ألغت اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع الكيان الصهيوني، وفي نفس الوقت بقي مسؤولو الكيان الصهيوني وجنوده وضباطه مطاردين في أغلب دول العالم بتهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، ولعنة المسيرات الشعبية التي تغزوا عواصم الدول الغربية تلاحقهم، ويصلهم صداها كل يوم.
ومع مرور الذكرى الثانية للعدوان برزت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة، والتي وافق عليها الكيان الصهيوني ثم حركة حماس، وتجري حالياً المفاوضات لتثبيت الاتفاق، ويأمل الفلسطينيون في غزة بعد عامين من المأساة والمعاناة أن يتوقف شلال الدم، وتدخل المساعدات الإنسانية، ويعاد إعمار غزة، وتنتهي إلى الأبد تلك المشاهد القاسية للمجازر والمجاعة والدمار الذي لحق بالقطاع.
نورالدين ع