تسعى الجزائر إلى تنظيم التجارة الخارجية، من خلال عدة تدابير أقرها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لإعادة تنظيم التصدير والاستيراد بعيدا عن الممارسات السابقة، من خلال تطهير النشاط من المتحايلين والغشاشين، ومواجهة محاولات ضرب الإنتاج واستنزاف أموال الخزينة العمومية.
يولي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أولوية قصوى لملف التجارة الخارجية، بهدف رفع مستوى الصادرات خارج المحروقات ووقف استنزاف الخزينة العمومية بواردات غير أساسية ويمكن استبدالها بمنتوج محلي، ويحرص على إنجاح خطته الرامية إلى تنويع الاقتصاد من جهة، وتطوير الصادرات خارج المحروقات، وهي استراتيجية تمر عبر تسريع وتيرة المشاريع الاستثمارية ورفع العراقيل التي تعيق المتعاملين في طريق إنجاز مشاريعهم الاستثمارية.
وترتكز الخطة التي أقرها رئيس الجمهورية ويحرص على تجسيدها في عهدته الرئاسية الثانية، على الرفع من مستوى الصادرات خارج المحروقات بحلول سنة 2030، مع الحرص على أن لا تتسبب العملية في فقدان المنتجات بالأسواق المحلية. حيث أمر الرئيس تبون، مؤخرا، بإعداد مرسوم رئاسي ينظم التجارة الخارجية، بما فيها عمليات التصدير التي تتطلب دراسات جدوى مالية واقتصادية للسوق المحلية والدولية حتى لا يتحول التصدير إلى نقمة وسببا لندرة السلع واختلال السوق المحلية.
ولمواجهة أي تعطيلات لمسعى تنظيم وتطهير التجارة الخارجية، قرر الرئيس الإشراف شخصيا على مرافقة إنشاء هيئتي تنظيم وتسيير التصدير و الاستيراد، من خلال اجتماع وزاري مصغر ينعقد خلال الأيام القليلة القادمة، وهذا بغرض إرساء قطيعة مع كل الانحرافات التي شابت هيئات كانت مسؤولة مباشرة على عمليات الاستيراد في السابق.
كما أمر الرئيس خلال اجتماع مجلس الوزراء، الأحد، بإرجاء الفصل في ملف الهيئتين مع مزيد من الإثراء للنصوص والآليات القانونية التي ينبغي أن تكون مدروسة بدقة عالية وصالحة لعقود قادمة تتواءم مع الآليات الدولية، كما أمر رئيس الجمهورية بضرورة «التنسيق التام بين وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات والبنوك والبنك المركزي والجمارك لمراقبة ذكية وهادفة و ناجعة، تحافظ على الإنتاج الوطني وتوجه الاستيراد طبقا للحاجة الوطنية الضرورية».
وكان رئيس الجمهورية قد أبدى عدم رضاه عن عمل هيئة «الجاكس» التي كانت مكلفة بالتصدير، وإقراره بوجود تراجع في وتيرة الصادرات، على الرغم من بلوغ هدف تصدير سبعة مليارات دولار خارج المحروقات، وقال الرئيس تبون، خلال اللقاء السنوي مع المتعاملين الاقتصاديين: «سجلنا بعض التراجع لظروف موضوعية، وتتعين إعادة تنظيم التصدير، والدولة بصدد تصليح أوضاعها، والحكومة مطالبة بإنشاء هيئتين، واحدة تختص بتنظيم الاستيراد والأخرى بالتصدير».
وشدد الرئيس على أن الهدف من إنشاء هيئتين وطنيتين مكلفتان بالاستيراد و التصدير، هو تحقيق النجاعة في التسيير وفق التصور والآليات الجديدة. كما أكّد الرئيس، أنّ «الطابع المؤسساتي الذي تتمتع به الهيئة المكلفة بالاستيراد بمشاركة عديد القطاعات، تُمَكِنُ بعملها الاستباقي المبني على المعلومة الصحيحة من تحديد احتياجات الاستيراد بدقة، وتضمن سرعة التدخل واتخاذ أنجع وأنسب القرارات بطريقة مرنة و صحيحة، وهي تحت وصاية الوزير الأول».
سياسة جديدة لترقية الصادرات
ويشدد الرئيس تبون، في التوجيهات التي قدمها للحكومة بهذا الخصوص، على ضرورة تحديد سياسة جديدة لترقية الصادرات الجزائرية ودخول الأسواق الدولية لا سيما الافريقية، من خلال مرافقة الشركات والمنتج المحلي في رحلة الولوج للأسواق الخارجية، تجسيداً للأهداف المبرمجة في مجال رفع قدرات البلاد من الصادرات خارج المحروقات، وبلوغ قيمة عشرة مليارات دولار نهاية السنة الجارية، وبالتالي الاستفادة من تطور الإنتاج الجزائري كمّاً ونوعاً، ولا سيما في مجال صناعة الحديد والإسمنت وغيرها.
فالتحديات التي تواجهها الشركات الوطنية تفرض العمل على تذليل جملة الصعوبات التي عبّر عنها رجال الأعمال الجزائريون، تبسيط الإجراءات الإدارية ومرافقة المنتجين والمصدرين على الخصوص، فضلاً عن تجاوز العوائق اللوجستية أو تلك المرتبطة بالتجهيزات القاعدية على مستوى الموانئ وتسريع وتيرة إطلاق مناطق التبادل الحر والقواعد اللوجيستية بأقصى الجنوب لتكون بمثابة بوابة لتصدير السلع الجزائرية نحو الدول الافريقية.
تحديد المواصفات وسحب التراخيص من المتحايلين
كما أمر رئيس الجمهورية بـ«تحديد مواصفات دقيقة للمستوردين والمصدرين ضمن النصوص التنظيمية للهيئتين مع تنظيم وتقنين الاستيراد»، إلى جانب «استحداث آليات جديدة لضبط الاستيراد منها تعاونيات الشراء الجماعي تسمح بتوضيح الرؤية في عمليات الاستيراد».
وأمر رئيس الجمهورية أيضا بـ«مراعاة خصوصية وحجم الإنتاج الوطني بشكل بالغ والأخذ به كمؤشر اقتصادي أساسي، بتحديد دقيق للغاية للموارد التي ينبغي استيرادها للضرورة الاقتصادية الحيوية». وعليه، كلف رئيس الجمهورية وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات بوضع «مقاييس جزائرية خالصة وجب احترامها من طرف كل المتعاملين الاقتصاديين المستوردين، مهما كانت المنتجات المراد استيرادها».
واستنادا إلى إحصائيات السجل التجاري، يبلغ عدد المستوردين نحو 14 ألف مستورد، بعد ما تجاوز 45 ألف مستورد سنة 2019. حيث قامت وزارة التجارة بسحب تراخيص مئات المستوردين بسبب تجاوزات وعمليات تحايل، وفي آخر عملية أعلنت وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات عن اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد 53 مستوردا للموز، متورطين في الإخلال بالتزاماتهم تجاه الدولة، مما تسبّب في اضطرابات حادة في تموين السوق الوطني و أثّر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، وذلك من خلال منعهم من ممارسة نشاط الاستيراد واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم من طرف المصالح المختصة.
وقامت الوزارة باتخاذ تدابير عقابية في إطار حفظ النظام الاقتصادي وتعزيز الشفافية والعدالة في التجارة وإرساء قواعد المنافسة الشريفة، وستواصل مراقبة السوق واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي مخالف للقوانين ويضر بمصلحة المستهلكين واستقرار الأسعار. كما تدخلت الحكومة في عديد المناسبات لضبط أسعار المنتجات الاستهلاكية، حيث قامت بتسقيف هوامش الربح للبن عند الاستيراد والتوزيع بالجملة والتجزئة، ووضع رواق أخضر خاص للمستوردين من قبل مصالح الجمارك لتسهيل إجراءات استيراد هذه المادة. لضمان تزويد السوق بالمواد ذات الاستهلاك الواسع وتوفير حماية القدرة الشرائية للمواطن، ومرافقة المتعاملين الاقتصاديين الناشطين في هذا المجال.
وقبل ذلك تم اتخاذ تدابير لمواجهة الصعود المطرد لأسعار البقول الجافة في الأسواق المحلية، مع تسجيل ندرة في محلات ومساحات البيع بالتجزئة. و آنذاك شدّد الرئيس عبد المجيد تبون، في لقاء صحفي دوري، على أنه لن يتسامح مع اللوبيات التي تتآمر على قوت الجزائريين، بغرض خلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي وأنه سيقف في وجه كل من يحاول التلاعب بالأسعار.
وتؤكد الحكومة بأن سياساتها في إدارة النشاط التجاري مرتبطة بمحاربة ظاهرة تضخيم الفواتير لتهريب العملة الصعبة، وهي ممارسة سببت للبلاد نزيفا ماليا كبيرا تطرق إليه الرئيس تبون في معرض انتقاده للممارسات السابقة، مع التأكيد بأن الجزائر لم توقف الاستيراد، بل اعتمدت مبدأ ترشيد وارداتها بالموازاة مع التطور الذي يشهده الانتاج الوطني، وفق استراتيجية اقتصادية مدروسة
ومتكاملة. ع سمير