الاثنين 22 ديسمبر 2025 الموافق لـ 2 رجب 1447
Accueil Top Pub

أستاذ التاريخ المعاصر البروفيسور سفيان لوصيف للنصر: مجازر 17 أكتوبر جريمة دولة عكست استمرار العنف الاستعماري


أكد أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة سطيف 2، البروفيسور سفيان لوصيف، أمس، أن أحداث  17 أكتوبر 1961 ، لم تكن مجرد لحظة في تاريخ الكفاح الجزائري، بل كانت مرآة مؤلمة تكشف الوجه الاستعماري للجمهورية الفرنسية،   لافتا في هذا السياق، إلى  أن مجزرة 17 أكتوبر، كانت جريمة دولة بكل المقاييس و مثّلت انعكاسًا صارخًا لاستمرارية العنف الاستعماري الفرنسي داخل فرنسا ذاتها، كما أشار من جهة أخرى إلى التعتيم الإعلامي وتواطؤ الصحافة الفرنسية مع السلطات الفرنسية  التي حاولت التغطية على الجريمة.

وقال أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة سطيف 2، البروفيسور سفيان لوصيف في تصريح للنصر ، أمس، أنه  في مساء 17 أكتوبر 1961، انفجرت في شوارع باريس واحدة من أكثر اللحظات مأساوية في تاريخ فرنسا المعاصر، حين خرج ما بين 20 و30 ألف جزائري، رجالا و نساء و أطفالا، في مظاهرة سلمية دعا إليها جبهة التحرير الوطني الجزائرية احتجاجا على حظر التجول العنصري الذي فرضه مفوض الشرطة موريس بابون على الجزائريين فقط، في وقت كانت فيه حرب الجزائر على أشدها.
وأضاف أن  المتظاهرين، خرجوا من أحيائهم الفقيرة في ضواحي باريس وهم يرتدون أفضل ما يملكون من ثياب، يحملون بطاقات الهوية، و يهتفون للحرية و للاستقلال دون عنف أو سلاح، ملتزمين بانضباط كبير يعكس وعيهم بأن المعركة هذه المرة رمزية أمام العالم، لكن السلطات الفرنسية كانت قد أعدت مسبقا حملة قمع غير مسبوقة، حيث انتشر آلاف من رجال الشرطة مدججين بالهراوات والأسلحة في محطات المترو والجسور والساحات الكبرى.
وتابع قائلا: أنه مع بدء توافد المتظاهرين نحو مركز العاصمة، تحوّل المشهد إلى حمّام دم حقيقي، فقد أطلقت الشرطة النار على الحشود في أكثر من موقع، واعتقلت الآلاف بشكل عشوائي، وضربت المئات حتى الموت في الشوارع ومراكز الاحتجاز.
وأضاف البروفيسور سفيان لوصيف، أن  شهادات عديدة تؤكد، أن عشرات المتظاهرين ألقي بهم أحياء أو جثثا في نهر السين، في مشهد صادم هزّ كل من شاهده،  وفي تلك الليلة وحدها، تم اعتقال أكثر من 11 ألف جزائري، نُقلوا إلى مراكز رياضية، مثل قصر الرياضات وملعب كوبرتان وقاعة كوبرليتان، حيث تعرّضوا للضرب والتعذيب والإعدام دون محاكمة.
وأوضح  في هذا الإطار، أن التقديرات اللاحقة، تشير إلى أن عدد الضحايا تراوح بين 120 و200 قتيل على الأقل، في حين حاولت السلطات الفرنسية التغطية على الجريمة بإعلانٍ رسمي يزعم سقوط ثلاثة قتلى فقط، لافتا إلى أن  هذا الحدث، قد  مثل أكبر مجزرة ترتكب على التراب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية، لكنه غُطي بصمت إعلامي رهيب، إذ لم تتجاوز الإشارات إليه في الصحف بضع أسطر تتحدث عن “اضطرابات بين جزائريين”.
و هكذا، تحول التعتيم الإعلامي إلى جريمة موازية للقمع، -كما أضاف-، حيث اختارت الصحافة الفرنسية الكبرى التواطؤ مع السلطة بدلًا من فضحها. ولم تُكسر هذه الجدران من الصمت إلا بعد سنوات، حين ظهرت شهادات فرنسية جريئة كشفت الحقيقة، مثل شهادة الصحافي كلود بوردِه الذي ندد في مقال بعنوان “أيّ جمهورية هذه؟”، وشهادة المصوّر إيلي كاغان الذي وثّق صور الجثث على ضفاف السين رغم الخطر، وكذلك شهادة الناشطة مونيك هرفو التي روت كيف أُطلقت النار على رجال عزّل، كما نشر الزوجان مارسيل وبولت بيجو أول كتيّب توثيقي بعنوان Ratonnades à Paris قبل أن يمنع من التداول.
 وأكد البروفيسور سفيان لوصيف، أن مجزرة 17 أكتوبر،  مثّلت انعكاسًا صارخًا لاستمرارية العنف الاستعماري الفرنسي داخل فرنسا ذاتها، وأبرزت ازدواجية الخطاب الجمهوري الذي يتغنّى بالحرية والمساواة، بينما يمارس التمييز والقمع على أرضه.
      ما جرى كان جريمة دولة بكل المقاييس
واعتبر أنه مع مرور العقود، تحوّل هذا الحدث من “ذاكرة مهاجرين” إلى قضية وطنية فرنسية، خاصة بعد صدور كتاب المؤرخ جان-لوك إينودي La Bataille de Paris في التسعينيات، الذي أثبت بالأدلة أنّ ما جرى كان جريمة دولة بكل المقاييس، لافتا إلى أنه في عام 2012، اعترف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند أخيرًا بأنّ “الجزائريين الذين تظاهروا سلمياً في 17 أكتوبر 1961 ، قُتلوا في قمع دموي”، غير أنّ هذا الاعتراف بقي رمزيًا ولم يتبعه فتح كامل للأرشيف أو محاسبة المسؤولين.
كما أكد البروفيسور سفيان لوصيف ، أنّ أحداث 17 أكتوبر ، لم تكن مجرد لحظة في تاريخ الكفاح الجزائري، بل كانت مرآة مؤلمة تكشف الوجه الاستعماري للجمهورية الفرنسية، وتؤكد أنّ الذاكرة، مهما تأخر الاعتراف بها، تبقى حيّة لا تُمحى، لأنّها تنتمي إلى ضمير الإنسانية قبل أن تكون شأنًا سياسيًا أو وطنيًا.
تعتيم إعلامي و تواطؤ الصحافة الفرنسية مع السلطات
واعتبر أستاذ التاريخ المعاصر البروفيسور سفيان لوصيف، أن التغطية الصحفية الفرنسية للأحداث التي تلت 17 أكتوبر 1961 ، تميزت بقدر كبير من الاختزال و التجريد، ما جعل الجمهور الفرنسي، يعيش في فراغ معلوماتي متعمد، فعلى الرغم من وقوع مظاهرة غير مسبوقة في قلب باريس و سقوط عدد كبير من القتلى و الموقوفين، فإن معظم الصحف اليومية اكتفت بنشر فقرات قصيرة و مقتضبة لا تتجاوز بضعة أسطر، تدرج غالبا في الصفحات الداخلية، تحت عناوين غامضة مثل» اضطرابات بين جزائريين في العاصمة «أو « حادث مؤسف خلال تجمع ليلي «.
و قد اكتفت جريدة « Le Monde « في عددها الصادر في 18 أكتوبر بالإشارة إلى « تظاهرات محدودة جرى تفريقها بسرعة «، دون ذكر أعداد الضحايا أو طبيعة القمع، بينما تبنى» Le Figaro « و « France-Soir « الرواية الأمنية نفسها، هذا الشح في المعلومات لم يكن عفويا، بل نتيجة تواطؤ هيكلي بين السلطات و الوسائط الإعلامية التي فضلت السكوت على الدخول في مواجهة مع الدولة أو المس بـهيبة الجمهورية، كما أضاف المتدخل.
و بذلك تحول الصمت إلى أسلوب كتابة بحد ذاته، إذ غابت الأرقام و الشهادات و الصور، و حلت محلها لغة بيروقراطية باردة، فبدت المأساة و كأنها مجرد حدث إداري، لا يخص إلا الجالية الجزائرية، هذا النقص الفاضح في المعلومات رسخ حالة من الإنكار الجماعي استمرت لعقود، و جعل من الصحافة الفرنسية طرفا فاعلا في إنتاج النسيان، لا مجرد ناقل للأخبار.
وأوضح أن التعتيم الإعلامي، شكل أحد أهم أبعاد مأساة 17 أكتوبر 1961، إذ لم يكن القمع مجرد فعل أمني فحسب، بل كان أيضا عملا منظما للإخفاء و التضليل، فالصحافة الفرنسية باستثناء قلة من الأصوات المستقلة، تبنت الرواية الرسمية للشرطة التي تحدثت عن « أعمال شغب محدودة « و» ثلاثة قتلى فقط»، بينما تشير الشهادات اللاحقة إلى عشرات و ربما مئات الضحايا.
ويرى أن أسباب هذا التعتيم كانت متشابكة، من جهة، فرضت السلطات قيودا مباشرة على النشر بحجة « الأمن الوطني»، و من جهة أخرى مارست الصحف الكبرى  مثل Le Monde و  Figaro    LE» رقابة ذاتية خوفا من الاتهام بعدم الوطنية أو بالتعاطف مع “FLN”، كما أن وكالة الأنباء الفرنسية لعبت دورا في إعادة إنتاج البيانات الرسمية دون تحقيق أو تدقيق مستقل.
  وأضاف أن هذا الصمت الجماعي، مثل نوعا من الإنكار في الوعي الفرنسي، حيث صيغت صورة الحدث ضمن إطار بيروقراطي لا إنساني، يخفي الدماء وراء لغة النظام العام.
و لم يبدأ تفكيك هذا الجدار الإعلامي -كما أضاف-، إلا منذ السبعينيات، عندما أعادت بعض المجلات اليسارية مثل»  Les Temps modernes  « و « Témoignage chrétien « نشر شهادات و صور مسربة من الأرشيفات، بذلك يمكن القول إن التعتيم الإعلامي لم يكن فقط آلية سياسية، بل أيضًا مرآة لأزمة الضمير الفرنسي في مواجهة ذاكرة الاستعمار والتمييز داخل الوطن نفسه.
كما أشار المتحدث إلى أن الخطاب السياسي، كان مشحونا بالخوف من الثورة الجزائرية، مما مهد لتقبل الرأي العام لإجراءات قمعية استثنائية ضد الجزائريين، سيطر الإعلام الرسمي و وكالة الأنباء الفرنسية على الرواية العامة، بينما مارس رؤساء التحرير رقابة ذاتية خوفا من تهمة التواطؤ الثورة حسبهم.وذكر أن موريس بابون كان مفوض شرطة باريس و أحد مهندسي النظام الإداري في الجزائر سابقا ومارس سياسة صارمة ضد الجزائريين في باريس، وفرض عليهم حظرا للتجول، ثم أشرف شخصيا على عمليات الاعتقال و التنكيل، ولاحقا يدان بابون في قضايا جرائم ضد الإنسانية.
مراد -ح

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com