
فقدت قسنطينة أول أمس، أحد أعمدة المالوف برحيل الشيخ أحمد عوابدية، الصوت القوي المتفرد، والوتر الذي أحبه الحاج محمد الطاهر الفرقاني وتنبأ له بمستقبل كبير. انطفأت شمعة عوابدية، وهو في عمر 60 سنة، وقد و وري فقيد الساحة الفنية الثرى أمس، بمقبرة زواغي سليمان بقسنطينة فبكته أفئدة من عرفوه من فنانين و أصدقاء، ونعاه جمهور واسع عشق فنه، واحترم شخصيته كرجل أنيق، هادئ الطباع، حلو المعشر، راق في التعامل وفي اختيارته الموسيقية أيضا.
وقد كان آخر ظهور علني له خلال فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للمالوف مؤخرا، أين حظي بتكريم من محافظة التظاهرة، وعكس التفاعل مع الصور والفيديوهات التي وثقت تلك اللحظة، شعبية الفنان ومكانته بين زملائه وأهل مدينته.
عرف عنه الوفاء للمالوف الأصيل، وحرصه على حفظ وتلقين إرث المشايخ الذين اتبع دربهم وتتلمذ في مدارسهم على غرار الشيخ رابح بوعزيز، والشيخ قدور الدرسوني، والحاج محمد الطاهر الفرقاني، والشيخ رشيد بوخويط. توفي الفنان، بعد صراع طويل مع المرض الذي تمكن من كبده، ورغم تكفل الدولة بنقله للعلاج في تركيا مؤخرا، إلا أن الداء كان قد بلغ مرحلة أخيرة فضل معها شيخ المالوف العودة إلى الوطن ليدفن بين أهله وأحبائه كما علم من أصدقائه المقربين.
شكل رحيله صدمة لجمهوره بقسنطينة و مدن الشرق عموما وقد تداول العديد من المستخدمين صوره على مواقع التواصل الاجتماعي ورثاه كل من عرفوه وأحبوه، خصوصا وأن عوابدية، حافظ على الوصل مع عشاقه حتى وهو يصارع المرض. فالعندليب الذي كان نجم حفلات وأفراح العائلات وصانع البهجة في الأعراس، استمر في الأداء إلى فترة قريبة جدا، أين كان يضرب مواعيد أسبوعية لمحبيه في سهرات فنية عائلية بعديد المطاعم الراقية بقسنطينة.
مسيرة فنية طويلة بين العزف الغناء و التكوين
ولد أحمد عوابدية، في 13جويلية 1965 بقسنطينة، أحب الموسيقى منذ الصبا و دخل المجال وهو ابن15 ربيعا، حيث اختار المالوف كنغمة عانقها حتى آخر أيامه.

تعلم العزف على آلات الجيتار و المندولوين و الكمان، وحاور العود العربي كذلك، بل وبرع في ذلك للحد الذي صنع تميزه بين زملائه في المهنة، إلى جانب شهرته كواحد من الفنانين الذين عايشوا عمالقة المالوف وورثوا عنهم أساسيات الغناء والعزف، فقد مر خلال مشواره الغنائي بعديد الجمعيات بداية بالجمعية الموسيقية " الباديسية" تحت قيادة الحاج محمد الطاهر الفرقاني رحمه الله، مرورا بصفوف "البسطانجية" أين دربه الشيخ رشيد بوخويط، وكانت له محطة مهمة في المعهد الوطني للموسيقى بقيادة الشيخ قدور الدرسوني، كما التحق أيضا بجمعية " بلابل الأندلس"، مع الشيخ رابح بوعزيز.
تشبع عوابدية، بمبادئ الموسيقى الكلاسيكية وكان المالوف مذهبه الذي أقسم على اتباعه وفق أصوله، فكان الوريث الأكفأ لحمل مشعل المشايخ وقدم لهم ومعهم أعمالا جعلته يحجز مكانة خاصة في قلوب من أحبوا صوته القوي المتميز.
عرف عنه إبداعه واحترافه في العزف على العود، الآلة الأقرب إلى قلبه، كما كان يشتهر بفصاحته في النطق ووضوح المخارج، فصار بذلك أحد نجوم الصف الأول في قسنطينة واستحق لقب " الشيخ" عن جدارة، خصوصا وأنه أسس سنة 1990 فرقته الموسيقية الخاصة، وشارك رفقة أعضائها في عديد المهرجانات الوطنية والدولية، والفعاليات الثقافية، وترك رصيدا مهما من 12 قرصا غنائيا.
هدى طابي

الفنان زين الدين بوشعالة
امتلك شخصية فنية أسرت الحاج محمد الطاهر الفرقاني
قال الفنان زين الدين بوشعالة، إن قسنطينة حزينة لرحيل أحمد عوابدية الفنان والإنسان أيضا، لأن صديق طفولته كما عبر، كان شخصا مميزا جدا من حيث رقي خلقه، ولين طبعه وطيبته الكبيرة، ناهيك عن ملكة الإبداع التي حباه الله بها ومكنته من دخول قلوب أهل الفن و جمهوره على حد سواء.وأضاف بوشعالة، أن مسيرة مشتركة وطويلة جدا جمعته بالراحل، وقد بدأت في ثمانينات القرن الماضي حين كانا مراهقين. مؤكدا أن هذه الرحلة الطويلة تمنحه الحق في القول بأن الساحة الفنية الجزائرية فقدت صوتا مهما و قامة إبداعية كبيرة يصعب أن تتكرر.وحسبه، فإن طريقة الفنان الراحل الخاصة والفريدة في محاورة أوتار العود وهو شاب صغير، شدت أنظار الحاج محمد الطاهر الفرقاني إليه، وحين علم بصداقتهما أرسل ابن أخته زين الدين، إلى عوابدية ليطلب منه الانضمام إلى جمعيته الموسيقية آنذاك " الباديسية"، وهو ما تم بالفعل حيث تبنى صوته وعزفه وتنبأ له بمستقل كبير.وقال بوشعالة، إن الفرقاني حين سمع أداء وعزف الراحل لأول مرة، علق بأن الشاب مبدع حقيقي و" صاحب صنعة" ووصفه بأنه عازف عود حقيقي وممتاز ومن القلائل الذين يجيدون استنطاق أوتار الآلة في قسنطينة. مؤكدا بأن المسيرة استمرت وازدهرت أكثر بعد هذه المرحلة، وشملت أيضا صديقيهما رابح قطيط و جمال بن سمار.
ويرى المتحدث، أن النجاح كان مقدرا لعوابدية منذ البداية بدليل أنه اشتهر بسرعة كبيرة و حافظ على مكانته في قلوب الناس إلى آخر أيامه، والسبب حسبه، هي موهبته الكبيرة ناهيك عن تتلمذه على يد أهم مشايخ المالوف.يتذكر الفنان لحظات مهمة جمعته بالفقيد، وكيف سعد لأجله عند نجاح أول ألبوم له، ونقل له خبر الضجة الفنية التي حققها العمل قائلا:" كنت على شاطئ البحر استجم رفقة العائلة، حينها وصل عوابدية من قسنطينة وكله حماس ليخبرني بأن ألبومي قد نجح جدا، وبالمناسبة فقد رافقني بعزفه على العود في ذلك العمل، وهذا الموقف دليل على أخلاقه العالية ووفائه كصديق".وعلى غرار كل عشاق المالوف، قال بوشعالة، إن الراحل أحمد عوابدية، كان من محبي الحاج محمد الطاهر الفرقاني وتلميذا له ومعجبا بفنه وقد تأثر به كثيرا. هـ. ط

الفنان رضا بودباغ
كان يحضر لعودة قوية ويستعد لإطلاق مدرسته الخاصة
عبر الفنان رضا بودباغ، عن بالغ تأثره وحزنه برحيل أحمد عوابدية صديقه المقرب وصديق الفنانين جميعا كما عبر مؤكدا، بأن المدينة خسرت صوتا لن يكرره الزمن، لأن ما مميزه عن غيره هي طيبته وطباعه الهادئة، فقد شكل حسبه نموذجا مثاليا عن الفنان الحقيقي المتكامل.
واعتبر بودباغ، أن رحيل عوابدية سيترك فجوة كبيرة في الساحة الفنية القسنطينية، لأن الرجل الذي يتمتع بصوت مختلف وأسلوب فريد في الأداء خريج أهم المدارس الموسيقية، وقد تكون على يد كبار المشايخ من الفرقاني، إلى الدرسوني، إلى الشيخ بوخويط، ولذلك يعتبر حاملا لذاكرة موسيقية وإنسانية ستدفن معه إلى الأبد.وفصل المتحدث، في علاقة الصداقة القوية التي جمعته بالفقيد، وتطرق لعديد المحطات الفنية التي تشاركاها بما في ذلك الفعاليات الثقافية المحلية، والوطنية، وعديد المهرجانات. وكشف، بأنه كان يحضر لعودة قوية من بوابة العرض التراثي "حضرة وديوان"، حيث اتفقا على أن يجهز الراحل زجل " يا شفيع الخلق" الذي يتغنى فيه بالرسول الكريم محمد، وهو عمل أراد أن يسجله ليترك أثرا وإرثا للأجيال اللاحقة.
وتحدث بودباغ كذلك، عن مشروع ثان كان يحضر له الفنان الراحل أحمد عوابدية، لكن المرض منعه من المواصلة حسبه، ويتعلق الأمر بمدرسة للمالوف يشرف عليها وتختص في التكوين الموسيقي. وقال إنه حلم لطالما راوده خصوصا وأنه إنسان عاشق للفن وقد أصر على الاستمرار في العطاء رغم المرض، وكان مصرا على إحياء السهرات العائلية في المطاعم ليحتك بجمهوره ويقدم كل ما يحمله في جعبته لعشاق المالوف من مواطنين وفنانين شباب.ودعا بودباغ، إلى تكريم الفنانين والاهتمام بهم بشكل أكبر حين يكونون على قيد الحياة، وتثمين ما يقدمونه للثقافة والوطن.
هـ. ط

الفنان مالك شلوق
كان محبوبا جدا في المجال وقد أبدع أسلوبا فنيا خاصا به
يعزي الفنان مالك شلوق، أهل قسنطينة في فقيدهم كما عبر، ذلك لأن أحمد عوابدية كان محبوبا من الجميع تقريبا ويملك شعبية كبيرة جدا بالنظر إلى صفاته الحميدة وحسن خلقه وتواضعه الكبير.ويعتبر شلوق، بأن وفاة كروان قسنطينة على حد وصفه، خسارة كبيرة جدا تشبه خسارة جسر من الجسور، لأن عوابدية يعتبر من أعمدة فن المالوف الأصيل في الشرق ككل، ومن الأصوات التي خدمت الثقافة في المدينة وفي الجزائر على مدار سنوات عديدة حافظ خلالها على هذا الفن التراثي الأصيل الذي تعلم أصوله في أهم المدارس و على يد أبرز مشايخها وفي مقدمتهم الحاج محمد الطاهر الفرقاني. وقال الفنان الشاب، بأنه واحد من المبدعين الذين استلهموا من فن وأداء وتميز الشيخ الراحل أحمد عوابدية، خصوصا وأنه صوت متفرد وعازف عود محترف استطاع أن يوجد أسلوبه الخاص الذي شد جمهوره إليه، فقد كان غناؤه مختلفا جدا ولا يشبه الرائج أبدا، وكل من استمع لأدائه مرة سوف يتمكن من تمييزه إلى الأبد بالنظر إلى الجمالية الفنية العالية التي كانت ترافق طريقته في الجمع بين الألحان و الكلمات.
أكد شلوق، أن علاقة احترام وصداقة جمعته بالفنان الراحل وقد تأثر به فنيا ككل الفنانين الشباب الذين يدركون حجم الإرث الكبير الذي كان الفقيد يحمله في جعبته، لم يبخل به يوما على كل راغب في التعلم.
هـ. ط