السبت 3 ماي 2025 الموافق لـ 5 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

لغةُ الاستبدادِ

ترجع نخبٌ الإخفاقات التي عرفتها الجزائر إلى اعتماد اللّغة العربيّة والتخلي عن الفرنسيّة، مغفلةً حقيقة أن الفرنسيّة ظلت لغة الحكم والاقتصاد وأنّ الذين حكموا الجزائر منذ الاستقلال استعملوا هذه اللّغة التي تحوّلت إلى رابطٍ متينٍ مع الثقافة اليعقوبيّة التي "تحلّت" بها الديكتاتوريات المتعاقبة وألقوا بالعربيّة إلى عمومِ الناسِ، وبالتالي فإن الإخفاق يقع على فاعله وليس على المفعول معه!
والغريب في القصّة أن بعض الذين كتبوا بالعربيّة و"اشتهروا"  بها تبنوا هذا الطّرح وباتوا يلعنون العربيّة كلّما نظروا في المرآة، في حالةٍ لا يمكن تفسيرها خارج التحليل النفسي، وتزدادُ الإثارةُ حين يُنكرون على الجزائريين التطلّع إلى تعلّم لغةٍ أخرى بحجّة أن المعارف و الأنوار تتوقّف على تعلّم لغةٍ واحدةٍ دون زيادةٍ.
و إذا كانت "للمناضلين" من أجل تلك اللّغة منافعهم الخاصّة، سواء لأنّهم لا يتقنون لغةً أخرى أو لأنّهم يتلقّون مقابلاً عينياً أو معنوياً، فإن بعض الذين يسوقون حججاً متعالمةً لفرضِ لغةٍ على حساب اللّغات كلّها يظهرون في موقفٍ تعيس، خصوصاً حين يسوقون، في مبرّراتهم، الروابط الخطيرة بين العربيّة والدين أو علاقة الانجليزية بالبعثية و الشرق أوسطية، ويكفي أن نراجع ما يُنتج بالعربية في الجزائر اليوم، سواء في الأدب أو في الفكر والفلسفة والاجتماع، لنقف على تهافتِ هذا الطّرح.
 قد تكون الفرنسيّة "غنيمة حربٍ" في الأدبِ، لكنّها كانت "أداة استبداد" في يد النظام  المدعو إلى الاختفاء بعد عقودٍ من الحكمِ، فالنظام لم يرث اللّغة فحسب عن سلفه الكولونيالي بل ورث أيضا، الايديولوجية الاستعماريّة المتعالية التي تقلّل من شأن الشّعب وتحتقره ولا تتردّد في إبداء الرّغبة في التخلّص منه، وقد تكون هذه الايديولوجية هي التي ترفض اللّغات الأخرى وتسفّهها.
من حقّ الجزائريين تعلّم الصينيّة أو الانجليزية أو أيّ لغةٍ أخرى تنفعهم في التواصل مع العالم والذهاب إلى المستقبل، من حقّهم الحفاظ على  اللّغة التي تعبّر عن هويتهم كبقيّة الشعوب والأمم، لكن من "الاستبداد" إجبارهم على العيشِ بين أسوارِ لغةٍ مهما كانت جميلة وعظيمة، فبقاء اللغة مرتبطٌ بالحاجةِ إليها وبصمودها بين الناطقين  والمشتغلين بها، ولو أحصينا اللّغات المنقرضة لتعبنا من العدّ !
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com