الأحد 20 جويلية 2025 الموافق لـ 24 محرم 1447
Accueil Top Pub

الحمّال

فضّل كاتب ياسين، في سالف العصر والأوان، أن يكون حمّالا في ميناء الجزائر على أن يكون حمّالا لدى سلطة سياسية لا يُؤمن بتوجهها. وفي سلوك الرجل درس للكتّاب والفنانين اللاحقين الذين يفضّلون حمل ما خفّ وزنه!
صحيح أن زمن المثقف المتمرّد قد ولىّ لاعتبارات تاريخية مرتبطة بتداعيات العولمة التي “سلّعت”  حتى الإنسان وجعلت من الربح القيمة الأسمى لكل نشاط، لكن ذلك لا يحول دون استدعاء الإشارات المضيئة في تاريخنا الثقافي من باب الحنين أو من باب الهروب من مشهد عزّ فيه هذا النوع من المثقفين، بل وأصبح المثقف فيه يقدم نفسه بطريقة مُخزية، في الكثير من الأحيان، اتقاء لشرّ متوقع أو طلبا لمنفعة، متخليا عن سلطته الرمزية التي تمكنه – لو شاء- من مقارعة بقية السُّلط وإحراجها ووضعها في إطارها الصحيح. و لو سُمع صوت ياسين وغيره من المثقفين “الحقيقيين” في الوقت المناسب، لو أُطلقت الحريات وأحترم التعدّد والاختلاف لتم بناء الدولة الوطنية على أساس سليم وكنا تجنّبنا الحرب الأهلية وهزاتها الارتدادية، وما تلا كل ذلك من تأزّم  وعقد  وخراب للإنسان. لكن السلطة اخترعت المثقفين المناسبين وتخلّت عن المثقفين المزعجين راسمة خارطة طريق سيتم إتباعها طُوعا، فيما بعد، من خلال إظهار المثقف الولاء للسياسي وجهره بالأمر بل والإمعان في ذلك.
 والمخيف الآن والمحزن والمثير للاستياء أن الجزائر المستقلة التي تحصي عشرات الجامعات لا تحصي مثقفين كبارا، حيث تصحّرت الساحة باختفاء الآباء المؤسسين، ولم تنفع أموال الصناديق السخية ولا الهيئات التي تمّ استحداثها ولا الميزانيات ولا التظاهرات في تحريك السواكن أو “إنجاب” مبدعين، لأن المبدع الحقيقي نبات متوحش ينمو من تلقاء نفسه ولا يحتاج إلى يد كاذبة ترعاه.
وتزداد المخاوف بتحول المشهد الثقافي الوطني في السنوات الأخيرة إلى سوق مجزية، استفاد من تجارتها وسطاء موسميون لا يختلفون عن أثرياء البطاطا، وبالطبع فإنهم تمكنوا  من صناعة “نهضة” في النشر والإنتاج الثقافي، يكفي أن تفحص فحصا عابرا كتابا ممّا يُنشر وتحصي أخطاءه لتعرف مآلها وتعرف أن “سخاء الدولة” في خدمة الثقافة تحوّل إلى نقمة عليها.
ملاحظة  
بإمكان حمّال في الميناء أن يتحوّل إلى كاتب كبير. القاعدة لا تنطبق على الحمّالين في مواقع أخرى.

 

المزيد من الأعمدة

لا يصدأ !

تعبّر النّخب "الحقيقيّة" عن عبقريّة أممها وتتحوّل إلى رصيدٍ رمزي ووسيطٍ في الحوار مع الشعوب...

  • 14 جويلية 2025
سحت

يحاولُ حملةُ أقلامٍ يكتبون في الصّحافة الفرنسيّة الزج بالجزائر في محاور مُستهدفة، بل ويجتهدون في...

  • 30 جوان 2025
لُقــــاح

سليم بوفنداسةتحوّل تغليفُ الباطل برداء الحقّ إلى صِناعة مضمونة الرّواج، بسبب فوضى فكريّة ناجمة عن...

  • 24 جوان 2025
حربٌ تُخفي أخرى

  سليم بوفنداسةتُخفي الحربُ الدائرة حربًا مُضمرة، قد تُسمى باسمها خارج الدوائر الرسميّة والأدبيّات السياسيّة...

  • 17 جوان 2025
بروتوكول فانون

يُعيد الخطاب النيوكولونيالي الذي تُنتجه النّخب الغربيّة، هذه الأيام، فرانز فانون إلى واجهة...

  • 09 جوان 2025
لا تلعب معهم!

تدفعُ "نوايا حسنة" بعض الأكاديميين الجزائريين للمشاركة في برامج سجاليّة في قنوات عربيّة وأجنبيّة...

  • 12 ماي 2025
حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com