السبت 3 ماي 2025 الموافق لـ 5 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

مؤرخون وباحثون يؤكدون: هجومـات 20 أوت.. انتفـاضة حقيقيـة أعطت نفسا ثانيا للثـورة


يجمع مؤرخون وباحثون على أن هجومات الشمال القسنطيني في العشرين أوت من سنة 1955 لم تكن مجرد عمليات عسكرية صرفة بل عبارة عن انتفاضة لأهالي المنطقة ضد النظام الاستعماري، و كانت بمثابة النفس الثاني للثورة التحريرية المجيدة.
ويتوقف المهتمون بهذه الأحداث التي هزت منطقة الشمال القسنطيني بعد قرابة العشرة أشهر من اندلاع ثورة أول نوفمبر المظفرة عند خاصية «الشمولية» التي ميزت هذه الأحداث، فهي لم تكن مجرد عمليات عسكرية منظمة ضد وحدات الجيش الفرنسي ومقار الدرك والشرطة والمعمرين، بل كانت عبارة عن «انتفاضة شعبية» لسكان الشمال القسنطيني ضد النظام الاستعماري.
و يستدلون في ذلك بأن العمليات التي شملت مختلف أرجاء المنطقة الثانية في ذلك الوقت، شارك فيها الآلاف من المواطنين وليس أعضاء جيش التحرير الوطني فقط، ولم يتم فيها استعمال السلاح الحربي فقط، بل استعملت فيها مختلف الأسلحة البيضاء من مناجل وفؤوس وغيرها، ولم تكن هذه الهجومات ذات طابع عسكري بحت من حيث التنظيم، بل كانت هجمات ذات نطاق واسع، والدليل الآخر على ذلك أنها جرت في وضح نهار العشرين أوت من سنة 1955 ، أي في منتصف النهار، حيث كل شيء كان مكشوفا.
وعلى هذا الأساس يقول المؤرخ وأستاذ التاريخ بجامعة الجزائر 2،  مصطفى نويصر، أن هجومات الشمال القسنطيني كانت عبارة « عن انتفاضة شعبية وليست مجرد عمل عسكري تقليدي لأن المواطنين شاركوا فيها بمختلف أنواع الأسلحة المتاحة لديهم من فؤوس وأسلحة بيضاء وغيرها».
أما عن صداها و تأثيراتها المختلفة فيضيف محدثنا بأنها « أعطت نفسا كبيرا للثورة التحريرية وأعطت نفسا لبقية المناطق الأخرى»، ولم تتوقف تأثيراتها على المستوى الداخلي فقط -يضيف نويصر- بل « تعدته للمستوى الإقليمي ، أي على مستوى المغرب العربي، حيث أكدت «وحدة الكفاح المشترك بين الشعوب الثلاثة للمغرب العربي».
كما أخذت هذه الأحداث بعدا دوليا، يضيف ذات المتحدث- وذلك عندما تناولتها مختلف وكالات الأنباء العالمية ونشرت أخبارها، وبالتالي «تدولت القضية الجزائرية في الميدان»، على حد تعبيره.
ويرى محدثنا بأن هجومات الشمال القسنطيني هي في آخر المطاف قرار سياسي لأن الهدف الأسمى للثورة التحريرية سياسي ويتمثل في استعادة الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية.
من جهته يؤكد المؤرخ و الصحفي السابق عمار بلخوجة ردا عن سؤال «النصر» حول السياق الذي جاءت ضمنه هجومات الشمال القسنطيني بأنه قبل مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 لم تكن الثورة و قيادتها مهيكلة وموحدة تعطي الأوامر للمناطق الخمس بشكل انضباطي، لذلك بادر البطل الشهيد زيغود يوسف بتنظيم هجومات الشمال القسنطيني في إطار الالتزام بالثورة لزعزعة الاستعمار الفرنسي من جهة و القضاء نهائيا على التشكيك الذي كان لا يزال في أذهان بعض التيارات السياسية الوطنية وحتى لدى بعض المواطنين.
هجومات الشمال القسنطيني دوّلت القضية الجزائرية
وعن أهداف هذه الهجومات من مختلف النواحي، السياسية والعسكرية  داخليا وخارجيا ، يقول المؤرخ عمار  بلخوجة بأن الهدف الأول يتمثل في زعزعة الهياكل الفرنسية (مراكز عسكرية، مراكز الدرك والشركات ومراكز المعمرين)، و  نفي الخطاب الفرنسي القائل بأن الثورة التحريرية مجرد كمشة من المتمردين سيتم معالجتهم والقضاء عليهم بالوسائل العسكرية والأمنية.
ويضيف بأن الهجومات هذه كذبت الرواية الاستعمارية ذلك لأن الشعب أبان في الميدان بأنه ملتف حول الثورة وملتزم معها، وقد كانت ردة فعله في الميدان ضد الدعاية الفرنسية التي كانت تروجها المكاتب البسيكولوجية ووسائل الإعلام الفرنسية.
أما الهدف الثاني- حسب محدثنا دائما- فيتمثل في خلق صدى عالمي للثورة الجزائرية يتعدى حدودها، وقال بهذا الخصوص أن حدثا كبيرا بهذا الحجم مثل هجومات الشمال القسنطيني من الضروري أن يتعدى صداها الحدود، وأن تصبح القضية الجزائرية دولية، حيث دخلت بعد ذلك أروقة الأمم المتحدة، وهناك أيضا كذبت الدعاية الفرنسية التي كانت تقول بأن ما يجري في الجزائر مجرد شؤون داخلية فرنسية، وليست ثورة شعب من أجل الحرية والسيادة.
و أما الهدف الثالث فهو هز المترددين من التيارات الوطنية وحتى من المواطنين الذين ظلوا مترددين في اللحاق بركب الثورة التحريرية، الذين كانوا يرون فيها مجرد مغامرة يمكن أن تؤذي الشعب مرة أخرى و تجعله يدفع ثمنا غاليا كذلك الذي دفعه في الثامن ماي 1945، فأحداث الشمال القسنطيني أثبتت أن الثورة ليست مغامرة بل حركة حقيقية من أجل طرد الاستعمار واستعادة الحرية والكرامة.
ويتمثل الهدف الرابع من الأحداث في تبيان التضامن مع الشعب المغربي الذي نفى سلطانه محمد بن يوسف( محمد الخامس) إلى جزيرة مدغشقر من طرف الاستعمار الفرنسي، وهنا يظهر –يضيف عمار بلخوجة- أحد أبعاد زيغود من هذه الهجومات  وهو البعد المتمثل في الوحدة المغاربية والتضامن على مستوى المنطقة.
والهدف الخامس والأخير فهو تسجيل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة، وبالفعل اتخذ قرار على مستوى هيئة الأمم المتحدة بتسجيل القضية الجزائرية، وبذلك تم إحراج السياسة الفرنسية وتكذيب دعايتها.
يجب الدفاع عن ذاكرة الذين استشهدوا في هذه الأحداث
و المؤكد حسب المؤرخين أن هجومات الشمال القسنطيني حققت أهدافها رغم فداحة الخسائر البشرية حيث انتقمت السلطات الاستعمارية من المدنيين العزل وقتلت منهم الآلاف في مختلف المناطق التي شملتها الأحداث.
ويأسف المؤرخ عمار بلخوجة لأن مثل هذه الأحداث لم تأخذ بعد حقها الحقيقي من التأريخ، وقال أنه على مؤرخينا اليوم الدفاع عن ذاكرة الذين استشهدوا فيها حتى تبقى صفحاتها مسجلة للأبد، وأنه يجب عليهم  الاستمرار في الدفاع عن ذاكرتهم و التنديد بالاستعمار.
ويربط بلخوجة بين ما جرى في 20 أوت 1955 وما جرى في نفس التاريخ بعد عام بالتمام، حيث انعقد مؤتمر الصومام الذي ضبط أمور الثورة على المستوى التنظيمي بخلق هياكل دائمة لها، هي لجنة التنسيق والتنفيذ، والمجلس الوطني للثورة الجزائرية، وهي الهياكل التي وحدت القيادة ونسقت بين المناطق التي أصبحت تسمى ولايات، وكرست مبدأ القيادة الجماعية لثورة أول نوفمبر إلى النهاية.
 إلياس -ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com