الأربعاء 7 ماي 2025 الموافق لـ 9 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

هجمات 20 أوت 1955 بقالمة : عندما ثارت القرى و المداشر و أعلنت تأييدها للثورة المقدسة

 

   

في قلب مدينة الركنية الواقعة شمالي قالمة يرتفع نصب تذكاري وسط ساحة تعج بالحركة و النشاط، يلتقي فيها الناس كل يوم للتسوق و متابعة أخبار الزراعة المحلية، المصدر الرئيسي للمعيشة، و كذلك لتذكر التاريخ العريق الذي مرت به المنطقة منذ دخول الاستعمار الفرنسي و إلى غاية الاستقلال و استرجاع السيادة على الأرض الطاهرة، التي تغدق بخيراتها اليوم على سكان الركنية موطن القمح و الزيتون، و موطن البطولة و الفداء، و معبر قوافل جيش التحرير و ملاذهم الآمن بجبالها الحصينة التي ظلت مسرحا لمعارك طاحنة خلفت آلاف الشهداء.

نصب تذكاري، يختصر تاريخ الركنية التي قهرت المعمرين، وضع هناك قبل سنوات طويلة لتخليد هجمات 20 أوت 1955 التي أججت الثورة الفتية بمنطقة الشمال القسنطيني، و أخلطت حسابات قادة العدو الذين أذهلهم ذلك اليوم العظيم و أدركوا بأنهم أمام أمة مصممة على الحرية و القتال حتى النهاية.
الركنية .. قرية للبيع
الركنية قرية الكولون الصغيرة التي كبرت و صارت اليوم مدينة مترامية الأطراف قرب الحدود مع ولاية سكيكدة، واحدة من المناطق التي استهدفها الثوار يوم 20 أوت 1955 حسب أستاذ التاريخ محمد شرقي، لما لها من أهمية عسكرية و اقتصادية، فهي تتوسط مناطق جبلية واسعة بها قواعد للثورة و تمثل ممرا استراتيجيا يربط بين الولاية الثانية و القاعدة الشرقية على الحدود التونسية.
تعد أراضيها الواسعة من أخصب الأراضي الزراعية التي سيطر عليها المعمرون عندما انتزعوها بالقوة من أصحابها الشرعيين، و لذا اختارها قادة الهجوم لتكون مسرحا للنزال بين المجاهدين المدعومين من الله و الشعب، و المعمرين الذين تسندهم و تحميهم قوات الجندرمة و جيش الاحتلال الذي أحكم قبضته على المنطقة لحماية كبار الكولون و الأراضي الخصبة التي تمون مخازن فرنسا و دول أوربية كثيرة بالغذاء.   
و حسب المصادر التاريخية التي حصلت عليها النصر، فإن هجوم 20 أوت 1955 بمنطقة الركنية تم الإعداد له كما في باقي المناطق الأخرى حيث جرى التحضير عن طريق توعية المواطنين و جرت عدة اتصالات و عقدت لقاءات أهمها لقاء مشته الكاف بالمكان المسمى “القرابة” أين تتواجد زاوية معطى الله، و حضر اللقاء كل من بوزيان حداد، عمار بورغدة، السعيد الدهماني، السبتي الخواش، أحمد لعرافة، علي حداد، عبد الباقي و صالح شعلال.
و من موقع الاجتماع الذي أحيط بالسرية التامة، حددت المواقع المستهدفة، و هي الثكنة العسكرية التي بنيت سنوات قليلة قبل اندلاع الثورة، مطحنة الحبوب، و محطة البنزين.  


و مازالت آثار الهجوم إلى اليوم بادية على جدران الثكنة التي صارت اليوم مقرا لهيئة حكومية بالمنطقة.
يقول أستاذ التاريخ، عبد المالك سلاطنية، متحدثا للنصر، بأنه و بعد عام على تلك الهجمات التاريخية أعلن الكولون الركنية قرية للبيع سنة 1956 هربا من الثورة المتأججة التي أحكمت قبضتها على جبال و سهول المنطقة حتى نهاية حرب التحرير المقدسة، مشيرا إلى أن هروب المعمرين كان من أهم مكاسب هجمات 20 أوت 1955.  
و ظل سكان الركنية يحتفلون بذكرى هجمات 20 أوت 1955 بفخر و اعتزاز، كما يقول عبد المالك سلاطنية أحد سكان الركنية المهتمين بتاريخ المنطقة و الحضارات المتعاقبة عليها و الآثار التي تركتها هناك، بينها المقبرة الميغاليتية القريبة من مدينة الركنية، و التي تعد شاهدا قويا على اهتمام الإنسان بمنطقة الركينة على مر الزمن لما لها من أهمية كبيرة من الناحية العسكرية و الاقتصادية.
الهجمات تطال المدينة السياحية لإحداث الصدى وسط السياح الأجانب
و غير بعيد عن مدينة الركنية، قاهرة الغزاة شن الثوار هجوما كاسحا على البلدة السياحية حمام دباغ، أين شارك عدد كبير من المواطنين إلى جانب جيش التحرير، قادمين من عدة مشاتي، و كان الهدف ثكنة العدو بالمنطقة السياحية، هنا سقط شهيدان هما سطحة موسى، و يحمدي صالح، و كان رد فعل الفرنسيين عنيفا حيث شنوا انتقاما عنيفا ضد سكان المنطقة العزل، و سجن البعض منهم بسجن قالمة و آخرون بسجن قسنطينة و سجن المسيلة و سجن الملاحة.
و كان للهجوم على منطقة حمام دباغ الأثر الإيجابي على الثورة حيث التحق بها عدد كبير من المواطنين الذين أدركوا بأن العمل المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير الوطن المحتل.
قرى الفجوج و هليوبوليس  بوعاتي محمود و بوحمدان تلبي نداء الهجوم
تعد قرية الفجوج الواقعة بسهل سيبوس الكبير شمالي قالمة، واحدة من قرى المعمرين التي استهدفتها هجمات 20 أوت 1955 بقالمة بقيادة عيسى بن طبولة و نائبه أحمد بن الهاشمي سريدي، مدعومين بنحو 40 مواطنا و بنادق صيد، حيث استهدف الهجوم القرية من الأسفل و مساكن للمعمرين و قتل مسؤول مكتب البريد ومعمرين و غنم الثوار أسلحة حربية كانوا في أمس الحاجة إليها.
و بقرية بوعاتي محمود المتاخمة اليوم لحدود ولاية سكيكدة شن الثوار هجوما بقيادة البطل فتيسي عاشور و نائبه الطاهر بوناب مدعومين بنحو 50 مواطنا بعضهم مسلحين ببنادق صيد و استهدف الهجوم فرقة للجيش الفرنسي، و دام الاشتباك وقتا قصيرا دون أن يخلف خسائر بشرية.
و بمنطقة بوحمدان الواقعة وسط سلسلة جبلية وعرة غربي قالمة، استهدف الثوار خطوط السكة الحديدية، شريان الاقتصاد الفرنسي بالوطن المحتل.
و غير بعيد عن الفجوج كانت هليوبوليس، مدينة الشمس و كبار الكولون، على موعد مع هجوم آخر يوم 20 أوت 1955 بقيادة البطل عيسى بوكموزة، المدعو صالح الحروشي، مسلحا ببندقية حربية من نوع استاتي إيطالية الصنع، يساعده نائبه قرور محمد مسلحا ببندقية صيد و 20 مواطنا بعضهم ببنادق صيد.
و يقول المؤرخون الذين تناولوا هجمات 20 أوت 1955 بمنطقة قالمة بأن الهجوم على قرية هليوبوليس الإستراتيجية استهدف مقر البلدية رمز السلطة بالمنطقة و مكتب البريد. و جرح في الهجوم شيهب عبد الله فسلم سلاحه من نوع ماط 49 إلى زميله عبد الله بن محمد ثم ألقي عليه القبض.
و خلف الهجوم على هليوبوليس صدى كبيرا لدى قادة العدو نظرا لأهمية المنطقة التي يوجد بها كبار منتجي القمح و هي تقع على طريق استراتيجي يربط بين قالمة و عنابة، و كانت قبل ذلك بنحو 10 سنوات مسرحا لمجازر رهيبة ارتكبها الكولون، مغتصبي الأرض في حق السكان العزل و كبار مناضلي الحركة الوطنية عقب انتفاضة 8 ماي 1945.
هجمات ما بعد 20 أوت 1955 كانت أكثر تأثيرا بكبرى المدن و القرى
تميزت هجمات 20 أوت 1955 بقالمة بالاستمرارية و الانتشار مع مرور الزمن، حيث انتقلت في اليوم الموالي إلى كبرى المدن و القرى بينها قالمة، عين العربي و وادي الزناتي و عين رقادة، و كان الهجوم على مدينة قالمة الأوسع و الأكثر دموية، حسب ما كشف عنه أرشيف متحف المجاهد بالمدينة.
 و قد تخلفت المدينة التاريخية عن موعد 20 أوت 1955 لأن المسؤول المكلف بالعملية، عمار بوضرسة كان في السمندو و وصل رفقة فوج من المجاهدين يوم 19 أوت 1955 صباحا، و عقد اجتماعا في مشته عين السانية دوار أولاد حريد، عند مدور السعيد بن العربي، المكلف بالنظام في المدينة.
و كان يوم 21 أوت 1955 مصادفا للسوق الأسبوعي بالمدينة الذي ينظم كل أحد، حيث اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات صارمة تفاديا لحدوث هجوم على المدينة بعد هجمات القرى و المداشر، إذ وضعت الحراسة المشددة على مداخل المدينة و مخارجها.
و في حدود الثالثة زوالا انطلقت مسيرة حاشدة نحو المدينة، و كان السعيد بن دماغ العتروس حاملا للعلم الوطني، بينما شكل المواطنون مجموعات صغيرة رفقة المجاهدين المتخفين حتى يسهل عليهم دخول المدينة.


و في حدود الخامسة مساء انتبهت قوات العدو لدخول الثوار فاندلعت المعركة التاريخية حيث استعمل العدو الدبابات المصفحة و الرشاشات بوحشية و بدأ بإطلاق الرصاص على المواطنين و المناضلين داخل المتاجر و المنازل المجاورة لساحة “سلوستر” حيث استمر التقتيل و سفك دماء العزل، و أسفر الهجوم على قتل حوالي 2000 من المناضلين و المواطنين العزل، و جرح ما لا يقل عن 50 شخصا آخر بينهم عمار بوضرسة و سي صالح دحمون الذي ألقي عليه القبض.
و عقب الهجوم شنت قوات العدو حملة اعتقالات واسعة شملت كبار قادة الثورة و المناضلين الناشطين بمنطقة قالمة التي تحملت عبئا ثقيلا منذ انتفاضة 8 ماي 1945 و إلى غاية استقلال البلاد.
و يوم 21 أوت 1955 أيضا عرفت مناطق عين العربي و وادي الزناتي هجمات قوية قادها خيرة المجاهدين بينهم البطلان دحمون الطاهر و عبدي مبروك، و آخرون يدعمهم المواطنون الذين زحفوا على وادي الزناتي و عين العربي، ملحقين خسائر كبيرة بممتلكات المعمرين قبل أن تتفطن قوات العدو و تمطرهم بالرصاص مما خلف عدة شهداء من جيش التحرير و السكان المحليين الذين أعلنوا مساندتهم للثورة وتلبية النداء في كل الأوقات و الظروف.
قادة العدو بمنطقة الشمال القسنطيني
سكان الشمال القسنطيني كلهم صاروا أعداء


كشف تقرير سري قدمه لنا أستاذ التاريخ محمد شرقي عن حجم الصدمة التي أصابت قادة العدو بمنطقة الشمال القسنطيني بينهم الجنرال “LA VAUD « الذي كتب تقريرا سريا بعد الهجمات يقول فيه « إن أيام أوت 1955 قلبت صفحة من تاريخ الشمال القسنطيني، ربما سنضطر إلى اعتبار منطقة الشمال القسنطيني برمتها منطقة معارضة و معادية، إن السكان المسلمين الموالين لنا ربما قد يتعرضون للانتقام من طرف الخارجين عن القانون، إنهم يعيشون وضعا صعبا، و قد بدؤوا في الهجرة من مناطقهم باتجاه المناطق التي يعتقدون بأنها آمنة، إنها هجرة جماعية في كل الاتجاهات. حتى السكان الأوروبيون يعيشون اليوم الخوف الكبير، هم يطلبون مغادرة عمالة قسنطينة، أو توفير الحماية العسكرية الكافية لهم، لم يعد أحد قادر على إقناعهم بعد أن رأوا ما حدث بالمراكز السكنية التي تنعدم بها الحماية العسكرية الكافية، لقد تعرض هؤلاء الأوروبيون إلى مذبحة، إن الوضع النفسي و الاقتصادي و الاجتماعي قد تضرر كثيرا و ربما سيبقى هكذا وقتا طويلا».
فريد.غ

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com