تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بمجال تدوير النفايات، باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والحد من التلوث البيئي، ومصدرا لإنتاج سلع جديدة، ما شجع جامعيين على توظيف أفكارهم لدعم القطاع من خلال إدخال التكنولوجيا والابتكار عبر مشاريع ناشئة لتحويل النفايات إلى موارد اقتصادية مربحة، بتقديم معدات وتطبيقات ذكية، تربط، وفق ما أوضحوا للنصر، بين الأفراد والمؤسسات الناشطة في المجال، وتسهل عملية التدوير وتضمن نجاعتها وتساعد في الحفاظ على البيئة.
إعداد / لينة دلول
وأطلقت ضمن هذا التوجه وزارة البيئة والطاقات المتجددة ، مشروعSNGID، وهو جزء من الإستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات بحلول عام 2035، بتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي، يهدف هذا المشروع إلى تطوير إدارة حديثة وفعالة للنفايات في الجزائر، بما يساهم في تقليص التلوث البيئي وتعزيز الاقتصاد الدائري.
وذلك لأن الجزائر تواجه تحديات عديدة في إدارة النفايات، إذ لا تزال كميات كبيرة منها تلقى في المكبات العشوائية، مما يؤثر سلبا على البيئة وصحة المواطنين، كما يفقد الاقتصاد الوطني موارد كان يمكن استغلالها في عمليات التدوير، وفي حال عدم اتخاذ إجراءات جادة، قد يتفاقم هذا الوضع في المستقبل.
بحسب وزارة البيئة، فإن الأهداف الرئيسية لهذه الإستراتيجية تشمل تقليل حجم النفايات المنتجة واسترجاعها قدر الإمكان، وتحسين فعالية جمع النفايات ومعالجتها في المدن الجزائرية، فضلا عن تعميم عملية الفرز الانتقائي، عبر فصل النفايات العضوية عن الورق والكرتون والزجاج والبلاستيك وغيرها من المواد، مما يسهل إعادة التدوير والاستفادة منها كمادة أولية.
إذا تم تنفيذ هذه الإستراتيجية بفعالية، فمن المتوقع خلال سنة 2035، بحسب الوزارة تحقيق أهداف تتمثل في تخفيض حجم النفايات المنزلية وما يماثلها بنحو 6 ملايين طن سنويا، وتحقيق إيرادات بقيمة 88 مليار دينار جزائري من خلال تدوير النفايات القابلة للاسترجاع، وإغلاق 1300 مكب عشوائي وتقليل المخاطر الصحية والبيئية المرتبطة بالنفايات النهائية، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في جمع ومعالجة النفايات، باستثمارات تقدر بـ 54 مليار دينار جزائري، ناهيك عن خلق 100 ألف فرصة عمل جديدة، منها 30 ألف وظيفة مباشرة و70 ألف وظيفة غير مباشرة، تحقيق توازن مالي بقيمة 122 مليار دينار جزائري بين الإيرادات والاستثمارات في هذا المجال، تطوير نظام معلومات رقمي لإدارة النفايات يسمح بمتابعة مسارها وتحليل البيانات المتعلقة بها.
إضافة إلى ذلك، تولي الحكومة أهمية خاصة لنشر ثقافة التدوير بين المواطنين، من خلال حملات التوعية الموجهة للأطفال والنساء، وتعزيز التواصل المفتوح حول أهمية هذه العملية.
إصلاحات قانونية لتعزيز التدوير والاستثمار في القطاع
ترافق هذا التوجه تعديلات قانونية حديثة من شأنها إحداث نقلة نوعية في التعامل مع النفايات، بما يواكب متطلبات العصر من أبرز هذه التعديلات ما جاء في المرسوم التنفيذي رقم 24/61 الصادر في 29 جانفي 2024، والذي يحدد المواد القابلة للاسترجاع ويقدم إعفاءات وتسهيلات جبائية للأفراد الممارسين لأنشطة جمع النفايات القابلة للاسترجاع، بهدف تشجيع الاستثمار في هذا القطاع.
كما أعادت القوانين الجديدة تصنيف النفايات، بحيث لم تعد تعتبر مجرد مخلفات، بل أصبحت تعامل كـ»مادة» أو»منتوج» بعد معالجتها، مما يفتح المجال أمام استخدامها في الصناعات المختلفة، مثل صناعة البلاستيك المعاد تدويره، الورق، المعادن، والأسمدة العضوية.
التكنولوجيا.. آداة الشباب للمساهمة في نجاح عملية التدوير
إلى جانب الجهود الحكومية، لعب شباب جزائري دورا محوريا في إدخال التكنولوجيا والابتكار في قطاع التدوير، فقد ظهرت حاضنات أعمال جامعية تدعم مشاريع ناشئة في هذا المجال، يقودها رواد أعمال شباب يسعون إلى تحويل النفايات إلى موارد اقتصادية مربحة، على سبيل المثال، أطلق العديد من المقاولين الشباب تطبيقات ذكية تربط بين الأفراد والمؤسسات الناشطة في مجال التدوير، مما يسهل عمليات جمع النفايات، فرزها، بيعها ونقلها إلى مراكز المعالجة، من أبرزها بيك أب مانجمنت للشاب ثابت لقمان، وكذا مشروع محمد أكرم بوراس، الذي أسس شركة ناشئة تعتمد على تطبيق ذكي يربط بين الموردين الذين يملكون النفايات والمستهلكين الراغبين في شرائها لغرض التدوير، مما يسمح بتحقيق دورة اقتصادية مغلقة وفعالة. وتجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات الأخيرة حول نسبة النفايات المعاد تدويرها في الجزائر بحسب الوكالة الوطنية للنفايات قد ارتفعت إلى 9.83 بالمئة، وهي نسبة تحسنت مقارنة بالسنوات الماضية، لكنها لا تزال بعيدة عن المعدلات العالمية. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بشكل أكبر مع تطبيق القوانين الجديدة وتعزيز دور القطاع الخاص والشركات الناشئة في هذا المجال.
* لقمان ثابت مؤسس مشروع لتدوير النفايات
تسهيل التدوير عبر البرامج الحاسوبية وتطبيقات الهاتف
لقمان ثابت أول، خريج تخصص الميكانيك من ولاية تلمسان، قال في حديثه للنصر إنه أسس مشروعا ناشئا باسم «بيك أب مانجمنت»، يساهم في عملية تدوير النفايات القابلة للتدوير، ويربط الأفراد والمؤسسات مباشرة بمصادر التدوير من خلال تطبيقات الهاتف المحمول والبرامج الحاسوبية. في حديثه عن فكرة المشروع، أشار لقمان إلى أنه قام بتطوير عدة تطبيقات يسهل على المستخدمين الوصول إليها، بالتسجيل فيها وإدخال النفايات القابلة للتدوير التي يمتلكونها، بعد ذلك، يتم إرسال شخص لجمع هذه النفايات من الموقع المحدد، وعند إتمام عملية جمع النفايات، يحصل المستخدم على نقاط أو هدايا تشجيعية لتعزيز مشاركتهم في عملية التدوير. وأوضح لقمان، أن التدوير بدأ بالبلاستيك، وذلك لأنه من أكثر المواد المتوافرة ويشكل حوالي 17 بالمئة من إجمالي النفايات المنزلية، كما أنه من السهل نقله وإعادة تدويره، ما جعله الخيار الأمثل للبدء في هذه المبادرة، مضيفا بأنه يطمح لتوسيع نطاق العمل ليشمل ولايات أخرى في الجزائر، بهدف نشر هذه الفكرة المهمة بين المواطنين وتعزيز الوعي بأهمية التدوير كجزء مهم في الحفاظ على البيئة .
وأشار محدثنا في ذات السياق، إلى أن عملية التدوير تتم بالتعاون مع شركاء متخصصين في مجال تدوير النفايات، حيث يقومون بتحويل هذه النفايات إلى منتجات جديدة ومفيدة، وبالتالي يساهمون في تقليل الأثر البيئي للنفايات، مؤكدا أن من أبرز التحديات التي يواجهها المشروع هي عملية فرز النفايات، التي تتطلب وقتا طويلا، لذا قرر وفريقه، أن يتم هذا الفرز من قبل الأفراد والشركات قبل تسليمهم النفايات القابلة للتدوير، وهو ما يساهم في تسريع العملية وتحسين الكفاءة.
مشروع حاوية ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي
وكشف لقمان عن خططه المستقبلية للاستثمار في تقنيات جديدة تهدف إلى تحسين فعالية عملية التدوير، على وجه الخصوص، كما ذكر أنه يخطط لربط البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين عمليات جمع النفايات، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي سيقوم بتحليل البيانات لزيادة الكفاءة في عمليات الجمع وتقليل التكاليف، وبالتالي توفير الوقت والمال. وأعلن لقمان عن منتج جديد لم يتم تجسيده بعد على شكل نموذج أولي، وهو عبارة عن حاوية ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، موضحا أنها ستساعد في عملية الفرز من خلال تقنيات مثل معالجة الصور أو آليات أخرى تهدف إلى تسهيل عملية الفرز بشكل دقيق وسريع، مما سيمكن الأفراد والشركات من ربح الوقت وتقليص الجهد، وتجنب الطريقة التقليدية للفرز اليدوي .
* رئيسة مصلحة البيئة الحضرية بمديرية البيئة لولاية قسنطينة
قانون النفايات الجديد خطوة نحو الاقتصاد الدائري
أكدت، رئيسة مصلحة البيئة الحضرية بمديرية البيئة لولاية قسنطينة ليلى طريفة، أن التعديلات القانونية الجديدة الخاصة بتسيير النفايات، والتي تم إصدارها بتاريخ 20 فيفري 2025، تمثل نقلة نوعية في التعامل مع النفايات، بما يتماشى مع متطلبات العصرنة والتوجه نحو التنمية المستدامة.
وأوضحت المسؤولة، أن القانون الجديد 25/02 جاء ليحل محل القوانين السابقة المتعلقة بتسيير النفايات، مضيفا مصطلحات جديدة لم تكن مذكورة سابقا، من بينها «المواد العضوية» التي تعد مصدرا لاستخراج الطاقة والأسمدة، فضلا عن منتجات أخرى في مجال إعادة التدوير، كما أحدث القانون الجديد تغييرا جوهريا في طريقة تصنيف النفايات، حيث لم تعد مجرد مخلفات ينبغي التخلص منها، بل أصبحت «مادة» و»منتوجا» بعد المعالجة، مما يعكس أهميتها الاقتصادية والإنتاجية، فإذا تمت معالجتها بطرق سليمة بيئيا، يمكن أن تتحول إلى موارد أساسية لإنتاج مواد جديدة، مما يعزز مفهوم «الثروة المهدورة» التي يمكن استغلالها بشكل أفضل.
كما تطرقت المتحدثة إلى مفهوم «النفايات النهائية»، التي تشمل جميع المراحل التي تمر بها النفايات منذ إنتاجها في المنازل والمتاجر والمصانع، وحتى وصولها إلى محطات المعالجة النهائية، مؤكدة أن التسيير الفعال للنفايات يبدأ من المصدر، أي من خلال الفرز الانتقائي في المنازل للمخلفات مثل البلاستيك، الخبز، والزجاج، مما يسهل عملية التدوير لاحقا.
القانون ينظم بشكل دقيق كيفية إدارة النفايات
وشرحت رئيسة مصلحة البيئة، أن القانون ينظم بشكل دقيق كيفية إدارة النفايات وفق المراحل التالية، الفرز الانتقائي في المصدر، حيث يتم تصنيف النفايات حسب نوعها، مما يسهل معالجتها لاحقا، وتوفير حاويات مخصصة، وهو دور تتكفل به البلديات لضمان تنظيم عملية الجمع، وكذا نقل النفايات إلى مراكز المعالجة والتي يتم خلالها الفصل النهائي للمواد القابلة لإعادة التدوير عن النفايات، لتأتي بعد ذلك عملية المعالجة التي تشمل عمليات التدوير وإعادة الاستخدام، أو تحويل النفايات إلى طاقة، وأخيرا مراكز الطمر حيث يتم التخلص من النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها بعد التأكد من استخلاص أقصى قيمة منها.
ويعزز القانون الجديد، حسب المتحدثة، مفهوم «الاقتصاد الدائري»، الذي يقوم على إعادة استخدام الموارد بدلا من التخلص منها، مشيرة إلى أن التشريعات الجديدة شملت أيضا تعزيز «الاقتصاد الأخضر» والوقاية من النفايات، وقد تم اتخاذ خطوات نحو التخلص التدريجي من «المنتجات البلاستيكية ذات الاستعمال الوحيد»، لما تسببه من أضرار بيئية جسيمة.وأوضحت المتحدثة أن القانون الجديد تضمن تعديلات هامة في الأحكام الجزائية المتعلقة بإدارة النفايات، إضافة إلى إصدار 15 مرسوما تنفيذيا و12 قرارا وزاريا، من بينها 4 قرارات وزارية مشتركة، بهدف تسهيل تنفيذ أحكامه على أرض الواقع.كما صدر بتاريخ 29 جانفي 2024 المرسوم التنفيذي رقم 24/61، الذي منح صفة قانونية وتنظيمية للأشخاص الذين يجمعون النفايات بهدف إعادة تدويرها، مع تقديم تسهيلات لمدة 6 سنوات دون فرض ضرائب عليهم، وذلك في إطار تشجيع القطاع غير الرسمي على الاندماج في المنظومة القانونية.
تسهيلات للراغبين في الحصول على رخصة جمع النفايات
وبخصوص شروط الحصول على ترخيص لجمع النفايات الموجهة لإعادة التدوير، أكدت طريفة أنه يشترط أن يكون الشخص طبيعيا أي فردا وليس شركة، مع تقديم طلب خطي، و إرفاق نسخة من شهادة الميلاد وبطاقة التعريف الوطنية، وكذا توقيع اتفاقية مع شركات التدوير المعتمدة، مشيرة إلى أنه ومنذ صدور المرسوم التنفيذي، تم منح تسع رخص رسمية للأشخاص الذين يعملون في هذا المجال بشكل نظامي، في انتظار تقديم المزيد من التسهيلات لجذب عدد أكبر من المستثمرين في القطاع.
و كشفت المسؤولة أن ولاية قسنطينة تضم حاليا 13 مؤسسة مرخصة تعمل في مجال تدوير النفايات بطرق نظامية، حيث يتركز نشاطها بشكل رئيسي على إعادة تدوير البلاستيك، كونه الأكثر طلبا في السوق وأسهل في إعادة التصنيع، يلي ذلك إعادة تدوير الورق والكرتون، ثم الزجاج بكميات محدودة، والنسيج، والخشب، والحطب.
وأكدت المتحدثة، أن إعادة التدوير ليست فقط عملية بيئية، بل هي مشروع اقتصادي ناجح من جميع الجوانب، حيث تساهم في حماية الموارد الطبيعية من الهدر، وتقليل التلوث البيئي عبر خفض كمية النفايات المرسلة إلى مراكز الطمر، و خلق فرص عمل جديدة للشباب في قطاع التدوير. مشيرة في سياق متصل، إلى أن تفعيل القوانين الجديدة وتطبيقها بصرامة، إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي، عاملان أساسيان في إنجاح منظومة التدوير، وتحقيق تنمية مستدامة للأجيال القادمة.
* عبد الرحمن بن يزار، مبتكر جهاز ذكي
GreenAl مشروع لتدوير النفايات في الملاعب
يعمل الشاب عبد الرحمن بن يزار، طالب بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 3، على رؤية مبتكرة لحل مشكلة النفايات البلاستيكية من خلال مشروعه الذي يقوده مع زميله أنيس الموسوم بـ»GreenAl»، والذي يهدف إلى ضمان اقتصاد دائري يدمج الرياضة مع حماية البيئة.
وأوضح عبد الرحمن في حديث سابق للنصر، أن المشروع جاء استجابة لمشكلة النفايات البلاستيكية المتفاقمة، خاصة في الجزائر حيث يتم تدوير أقل من 2 بالمئة من البلاستيك، لذلك استغل الرياضة كوسيلة لنشر الوعي البيئي وتعزيز ثقافة إعادة التدوير.
وأكد عبد الرحمن، أن الابتكار يكمن في تصميم جهاز لجمع قارورات بلاستيكية في المنشآت والمجمعات الرياضية، مما يسهل لاحقا إعادة تدويرها واستخدامها في الصناعات المختلفة، مردفا بأن المشروع يركز على تعزيز التنمية المستدامة من خلال الاهتمام بالبعد البيئي، أي من خلال تقليل النفايات البلاستيكية وتحويلها إلى موارد قابلة لإعادة الاستخدام، وحماية البيئة من تأثيرات البلاستيك الضارة، مع تقليل تكاليف جمع النفايات ومعالجتها وتوفير فرص عمل وتقليل معدلات البطالة، أما البعد الاجتماعي للمشروع فيتمثل في نشر الوعي البيئي وتعليم الأجيال الجديدة أهمية الحفاظ على البيئة.
تصميم نظام ذكي لجمع النفايات البلاستيكية
ويتضمن مشروع «GreenAl» تصميم نظام ذكي لجمع النفايات البلاستيكية، حيث يتم تثبيت جهاز مبتكر داخل المنشآت الرياضية لجمع القارورات البلاستيكية وفرزها، موضحا بأن الهدف منه تسهيل عملية الجمع والفرز باستخدام أجهزة ذكية متصلة بتطبيق يمكن التحكم فيه عن بعد، كما يتضمن تصميم تطبيق إلكتروني يسمح بمراقبة الجهاز وإدارته، مما يعزز الكفاءة ويقلل الهدر، علاوة على ذلك فإن الجهاز يقدم للشخص الذي يرمي مخلفاته البلاستيكية داخله، قسيمة تمكنه من اقتناء شيء ما من أحد الأكشاك.
وأشار عبد الرحمن، إلى أن المشروع يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل الإنتاج والاستهلاك المسؤول، فضلا عن مكافحة التغير المناخي وحماية النظم الإيكولوجية البرية، موضحا، بأنه وزميله يتطلعان إلى توسيع نطاق المشروع ليشمل قطاعات أخرى خارج الرياضة، ويصبح الابتكار جزءا من الحياة اليومية في الجزائر، مما يساهم في تقليل الاعتماد على البلاستيك وتحقيق اقتصاد دائري شامل.
* محمد أكرم بوراس، صاحب مؤسسة ناشئة
ابتكرت تطبيقا ذكيا يربط الفاعلين في المجال
الشاب محمد أكرم بوراس، مقاول في مجال التسيير المستدام للنفايات، حاصل على شهادة ماستر في نفس التخصص، وصاحب مؤسسة ناشئة تعمل في مجال جمع ونقل النفايات، أكد أن الابتكار الذي تقدمه مؤسسته يكمن في استخدام تطبيق هاتف ذكي يربط بين الفاعلين في مجال النفايات، مثل الموردين الذين يقدمون النفايات أو المواد الأولية والمستهلكين الذين يقومون بعملية التدوير.
يهدف التطبيق بحسب المتحدث، إلى تسهيل التواصل بين هؤلاء الفاعلين، حيث يمكن للمؤسسة جمع النفايات من الموردين سواء كانت نفايات منزلية أو صناعية، ثم يتم عرض هذه النفايات على التطبيق الذكي.
من خلاله، يستطيع المستهلكون فحص النفايات المتاحة، واختيار المواد التي يحتاجون إليها، ثم شراء هذه المواد مباشرة عبر التطبيق، متابعا بالقول، بأنه يتم بعد ذلك توصيل هذه المواد إلى المستهلكين في مواقعهم.
وأشار الشاب، إلى أنه يدير أيضا مؤسسة مصغرة وهي جزء من الشركة الناشئة، ودورها الأساسي هو تدوير النفايات، وبالأخص البلاستيك من صنفي PP وPET حيث تقوم المؤسسة بجمع البلاستيك، ثم تجري عليه عملية الرحي «التكسير» والغسيل لتحويله إلى مادة أولية معاد تدويرها، والتي يمكن استخدامها في صناعات أخرى.
وذكر المتحدث أن عملية التدوير التي يتبعها فريق العمل تشمل عدة مراحل، على غرار تخزين النفايات في مقر الشركة بعد جمعها، فرز النفايات حسب نوع المادة وخصائصها الفيزيائية والكيميائية، بعد ذلك، يتم رحي النفايات لتحويلها إلى قطع صغيرة، ليتم وضع النفايات في غسالة لإزالة الشوائب، وأخيرا، يتم تجفيف المواد.
وأكد المتحدث، أن الشركة تعتمد على تقنيات حديثة، سواء كانت إلكترونية أو ميكانيكية، مما يمكنها من متابعة عمل الآلات وتحليل بياناتها لضمان كفاءة العمليات كما يعتمد المشروع على التطبيق الذكي، الذي يربط بين جميع الأطراف الفاعلة في هذا المجال.
وأشار أكرم إلى أن فكرة تطوير التطبيق الذكي جاءت نتيجة الحاجة الملحة في سوق النفايات، الذي يعتبر سوقا غير مؤطر بشكل كاف فبعض الأفراد بحسبه، يملكون كميات كبيرة من النفايات، لكنهم لا يعرفون كيف يتصرفون بها أو لمن يقدمونها، لذا فمن خلال التطبيق، أصبح من السهل على هؤلاء الأفراد العثور على زبائن لتنشيط عملية التدوير.
ويفكر صاحب التطبيق في الاستثمار في تقنيات جديدة من إن التكوين الأكاديمي الذي حصل عليه في مجال التسيير المستدام للنفايات منحه رؤية أوسع حول هذا المجال، متابعا بالقول «أعتقد أن تدوير النفايات في الجزائر ما زال مجالا غير معروف إلى حد كبير، وهذا ما دفعني للبحث أكثر في مجالات الرسكلة والابتكار في هذا القطاع».
* الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي
التدوير يقوي الاقتصاد الوطني من خلال توفير العملة الصعبة
أكد الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي، أن الهدف الأساسي من إعادة التدوير هو أن تكون المواد المستخلصة بعد عملية التدوير أقل تكلفة في الإنتاج عند استخدامها مقارنة بالمواد الأصلية.
فعلى سبيل المثال، عندما يرغب شخص في شراء المواد الأولية من البلاستيك، التي تكون عبارة عن حبيبات إما مستوردة أو منتجة محليا، فإنه يجد أمامه خيارين إما شراء المادة الأساسية الأصلية «البلاستيك المصنع» أو شراء مواد مسترجعة من عملية التدوير.
في هذه الحالة، سيكون سعر المادة المدورة أقل من المادة الأصلية، وبالتالي يحقق المشتري ومن قام بإعادة التدوير فائدة اقتصادية، كما سيستفيد الاقتصاد الوطني من هذه العملية لأن التدوير لا يتطلب استيراد العملة الصعبة ولا بناء مصانع كبرى، وبالتالي تكون تكاليفها أقل من تكلفة استيراد المواد الخام.
وأوضح الخبير، أن هذه هي أهمية عملية التدوير بالنسبة للاقتصاد الوطني، حيث تساهم في تقليل الاعتماد على المواد المستوردة وتوفير العملات الأجنبية، كما أن البنك الوطني يستفيد من هذه العملية من خلال تقليل الحاجة لاستيراد المواد الأولية، مما يساهم في رفع قيمة العملة الوطنية، مشيرا في سياق آخر، إلى أن عملية التدوير لا تكون مجدية إذا كانت تكلفة المواد المدورة أكبر من تكلفة شراء المواد الأصلية من المصدر، في هذه الحالة، تصبح عملية التدوير غير مهمة لأن التكاليف سترتفع على المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
وأشار المتحدث، إلى أن عملية التدوير في العالم تشمل العديد من المواد الصلبة مثل البلاستيك، الورق، الأقمشة، الصوف، الكارتون، المعادن، بالإضافة إلى تدوير المياه المستعملة، وهي عملية مهمة جدا لأن المواد المسترجعة يمكن استخدامها في الإنتاج الوطني بل وأكثر من ذلك، يمكن تصدير المواد المدورة والحصول على العملات الصعبة، مما يعزز الاقتصاد الوطني بشكل أكبر.
وشدد سلامي، على أهمية التدوير لأنه يساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني من خلال توفير العملة الصعبة، بالإضافة إلى المداخيل المحلية بالدينار من خلال الضرائب والجبايات، كما يساعد على توفير مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة، سواء في مجال النقل أو في استهلاك الكهرباء أو في توظيف العمال في مختلف مراحل العملية.