يستفيد متربصون من ذوي الهمم العالية من برامج تعليمية متخصصة وفرص تدريبية مبتكرة ضمن مشروع أكاديمية ذوي الهمم الذي يعود إلى مؤسسة الجزائر المتحدة الخيرية، حيث يكتشفون قدراتهم ويكسرون الحواجز التي تعيق وصولهم إلى طموحاتهم.
إيناس كبير
انطلق المشروع شهر ديسمبر المنصرم ليمنح لهذه الشريحة بيئة حاضنة تقدم لهم الدعم المعرفي، والنفسي، وكذا المهني من خلال تدريبهم ضمن برامج تعليمية متخصصة في مجالات تطلبها سوق العمل الجديدة أهمها التجارة الالكترونية، والتصميم الغرافيكي، ليكونوا أشخاصا منتجين يساهمون في دفع عجلة الاقتصاد الوطني من جهة وتغيير نظرة المجتمع إليهم من جهة أخرى.
وتهدف أكاديمية ذوي الهمم، بحسب مسيرة المشروع وعضو جمعية الجزائر المتحدة الخيرية، سارة زميرلي، إلى تكوين هذه الفئة وإدماجهم رياضيا، فنيا، وظيفيا، ودراسيا، لتسهيل شق طريقهم نحو سوق العمل وتمكينهم من وسائل عديدة يحتاجونها في تسيير وإدارة مشاريع ناجحة تحقق لهم أرباحا مستقبلا.
وقد قُسم البرنامج التدريبي في الطبعة الثانية إلى مرحلتين، مرحلة الجذع المشترك حيث يتمكن المتربص من مجموعة من الأساسيات المرتبطة بالتواصل مع الآخر مثل اللغات الأجنبية وهي اختيارية فرنسية أو انجليزية، الإعلام الآلي واستخدام برامج الحاسوب مثل "وورد، إيكسل" ومقاييس أخرى تطورهم على الصعيد الشخصي وهي اكتشاف الذات، المهارات اللينة التي تساعدهم على شرح أفكارهم والتعبير عنها، السيطرة على التوتر، وتسيير الوقت، فضلا عن العمل ضمن فريق، تضيف زميرلي، أنها تكون تحت إشراف مختصة نفسانية تساعدهم على تجاوز مخاوفهم ليتفوقوا في المجال الذي يختارونه.
أما المرحلة الثانية فهي متخصصة، وقالت إن هذه الطبعة ركزت على ثلاثة تخصصات أساسية في سوق العمل الجديدة، وهي التجارة الالكترونية التي تسمح لهم بإنشاء متاجرهم الالكترونية وتسييرها، بالإضافة إلى إتقان استراتيجيات التسويق الرقمي والتعامل مع الإعلانات المدفوعة، وسهولة التعامل مع العملاء والسلع، كما يختبرون، وفقا لمسيرة المشروع، تجاربهم الأولى في التجارة من بيع وشراء وترقب نتائج نشاطهم، ومن بين المجالات التي يتدربون عليها أشارت إلى التصميم الغرافيكي، المهن المكتبية والإدارية.
وبخصوص البرنامج الساعي للتدريب أوضحت المتحدثة أن الجذع المشترك مقسم إلى مجموعتين تدرسان يوما ونصف بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع لكل منهما، بينما يختلف الأمر بالنسبة للتخصصات بحسب ما تطلبه المادة وكذا وفقا لما يساعد المتربص والأستاذ، فالمتربصون في تخصص التجارة الالكترونية على سبيل المثال يدرسون ثلاث أيام لمدة ثلاثة أسابيع بمعدل تسع حصص، أما التصميم الغرافيكي الذي انطلقت ورشاته مؤخرا، بحسبها، فهي مقسمة على ثماني حصص يوميا بمعدل تسع حصص، بالنسبة للمهن المكتبية خُصص لها نصف يوم لمدة ستة أيام.
كما لفتت عضو جمعية الجزائر المتحدة الخيرية، بأن هذه الطبعة مخصصة لأصحاب الإعاقات الحركية، بينما يطمحون مستقبلا إلى توسيع الدائرة إلى فئة أخرى، وقالت إنهم يختارون فئة كل مرة ويركزون على تدريبيها، ويُشترط أن يكون سن المتربصين من 18 إلى 35 سنة.
الاهتمام بالجانب النفسي حتمية
ولأن الجانب النفسي مهم لهذه الشريحة، فقد بُرمجت لهم مقابلات مع مختصة نفسانية قبل اختيارهم ليكونوا ضمن المشروع التدريبي، وذكرت مسيرة المشروع أن الهدف هو الاطلاع على ظروفهم العائلية وإذا ما كانوا يعيشون في بيئة مشجعة أم عكس ذلك، وكذا الاقتراب من الضغوطات التي يعانون منها، ويقيم كل أسبوع المشرفون على المشروع مستوى تقدمهم أيضا، كما تعتمد الأكاديمية على نظام متابعة للتعرف على المهتمين، أو من يعانون من مشاكل تعيق استمرارية تعلمهم وأشارت زميرلي، إلى مشاكل النقل على سبيل المثال حيث يحاولون توفيره تفاديا لانقطاعهم، وقد لاحظوا في منتصف المرحلة الثانية إقبال المتدربين بحماس وطاقة منقطعة النظير، مردفة أن أهاليهم أيضا تغيرت نظرتهم إليهم لأنهم لمسوا تطورا على مستوى شخصياتهم والمحاولات التي يقومون بها لتطوير ذواتهم.
تسهيلات لاقتحام سوق العمل
وتسعى الأكاديمية أيضا إلى تسهيل دخول المتربصين إلى سوق العمل من خلال اطلاعهم على كل متطلباتها، وقد أوضحت زميرلي أنهم يختارون لهم مكونين يستفيدون من خبراتهم في تعلم مبادئ المجال، ففي التجارة الالكترونية اختاروا لهم خبراء من شركة متخصصة أُنشأت لحل مشاكل التاجر الالكتروني.
كما يرافقونهم أيضا بعد التخرج ويتابعون مشاريعهم بالبقاء على تواصل معهم من أجل مساعدتهم في حالة الحاجة إلى تجاوز بعض الصعوبات، فضلا عن تواصلهم بشكل دائم مع المكونين من خلال إنشاء مجموعات للمحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد لمس القائمون على المشروع في الطبعة الأولى إقبالا على دورة التجارة الالكترونية، وفقا لمحدثتنا، التي لفتت إلى أن هناك متربصون نجحوا في إنشاء مشاريعهم الخاصة وأصبحوا من ممولي مؤسسة الجزائر المتحدة الخيرية، وأعقبت أنهم يفكرون في إضافة مجالات حرفية أيضا في الطبعة الجديدة خصوصا وأن ضمن المتربصين توجد فتيات مهتمات بهذا الميدان.
قدرات عالية وإقبال على التعلم
وعبرت المتحدثة أن هذه الفئة لا يجب أن تُزاح إلى الهامش أو التعامل معها على أنها طبقة هشة، وقد تحدثت عن نماذج من ذوي الهمم في الأكاديمية أبانوا عن مهارات عالية في المردود الوظيفي، بالإضافة إلى حبهم للمعرفة والبحث وعلقت "هذا ما يجعلنا كمدربين نقدم أفضل ما عندنا ولا نبخل عليهم بأي معلومة"، وأضافت أن الأكاديمية تضم أيضا أبطالا في الرياضة كُرموا بميداليات في عدة مسابقات وطنية.
أما من جانب تقدير الذات تقول مسيرة المشروع، إن الأثر واضح حيث يظهر الفرق بين أول يوم والمستوى الذي وصلوا إليه حاليا حيث تغيرت نظرتهم إلى أنفسهم، وتجاوزوا مشكل الخجل والشعور بأنهم عبء على أسرهم لدرجة أن بعض المتربصين أصبحوا يتنقلون إلى الأكاديمية بمفردهم دون مرافقة عائلية، فضلا عن انفتاحهم على الآخر والتحدث عن إعاقتهم بأريحية وتحويلها إلى مصدر قوة.
وأفادت بأنهم يحضرون إلى تخريج المشاركين في الطبعة الثانية، وأيضا برمجة مسابقة "همة" لتشجيع من وصفتهم مسيرة المشروع بذوي القدرات العالية، مع التحضير لفطور جماعي شهر رمضان يلتقون فيه ويشاركون نجاحاتهم حتى يكونوا نماذج ملهمة للآخرين.
إ.ك