باحثون يطالبون المجتمع المدني بالجزائر بتحرك قوي لحمل فرنسا على الاعتراف بجرائمها
وجّه باحثون في التاريخ و الانثروبولجيا و القانون، أمس خلال ملتقى دولي بقسنطينة حول الجرائم الاستعمارية، دعوة إلى جمعيات المجتمع المدني بالجزائر للتحرك بشكل منفصل عن الجانب الرسمي، من أجل دفع ملف مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها ضد الشعب الجزائري منذ 1830 إلى غاية 1961، على غرار ما قامت به جمعيات يهودية و أرمنية نجحت من خلال نشاطها المكثف في افتكاك الاعتراف أو صنعت لقضيتها قاعدة دولية واسعة للضغط.
 المتدخلون في الملتقى الذي تحتضنه جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية على مدار ثلاثة أيام بمشاركة عديد الجامعات الدولية، إحياء للذكرى السبعين لمجازر 8 ماي 1945، طرحوا إشكالية صعوبة إجراء دراسات أكاديمية مدققة لإحصاء الضحايا و توثيق الجرائم بتفاصيلها، بهدف ضبط ملف خاص يشمل معلومات دقيقة و وثائق تاريخية رسمية تكون بمثابة أدلة تعزز قيمة مطلب الاعتراف و تبرز الوجه الحقيقي لهمجية الاستعمار الفرنسي أمام الرأي العام الدولي و الهيئات و المنظمات الحقوقية الدولية،  بحسب ما شار إليه الباحث عبد المجيد مرداسي من جامعة قسنطينة، معتبرا أن  الوقت قد حان لأجل تطليق الخطاب المعنوي و التوجه إلى العمل الميداني المنهجي لتحقيق الاعتراف .
من جهته، رأى البروفيسور حسني كيطوني، بأن إيصال الصورة الحقيقية لمعاناة ضحايا المجازر الاستعمارية في الجزائر، تتطلب فهم حقيقة الاستعمار الفرنسي و تصنيفه قبل كل شيء، مشيرا إلى أن هذا الاستعمار هو عبارة عن محاولة استخلاف شعب تماما كما  حصل في أمريكا و استراليا، لأن الجرائم الفرنسية في الجزائر كانت ذات طابع خاص قائم على الإبادة.
كما أضاف الباحث بأن  الاعتراف بما حصل طيلة ربع قرن، لن يكون سهلا خصوصا في ظل رفض الفرنسيين لتقديم معلومات بخصوص عملياتهم في القرى و المداشر الجزائرية، و عدم توفر مصادر محلية موثوقة.
بالمقابل، أكد مشاركون من جامعات وطنية بأن الجهود المبذولة للمطالبة بالاعتراف و توثيق الجرائم غير كافية، مشيرين إلى وجود العديد من الناجين من المجازر الاستعمارية يعانون التهميش  بالرغم من امتلاك البعض منهم لوثائق تاريخية مفيدة ، فضلا عن كون ذاكرتهم في حد ذاتها تعد شريطا مصورا لأحداث أغفلتها مذكرات بعض المجاهدين.
و قدم المجاهد محمد حمروش من قسنطينة مثالا بمجزرة قسنطينة في 12 ماي 1956، التي نسيها المؤرخون بالرغم من أنها عرفت سقوط 180 قتيلا اغتالهم متطرفون يهود بطريقة عشوائية و همجية بعد حادثة إعدام سان مارسلي بالمدينة القديمة.
الموقف ذاته، ذهب إليه الأستاذ شوكري عبد المعين، مهتم بتاريخ المجازر الاستعمارية في منطقة العنصر بولاية جيجل ، و قدم خلال مداخلته نبذة عن  أبحاثه التي شارك بها في كتاب للمؤرخة الفرنسية كلير موسكوبو الصادر سنة 2013، بعنوان منبع ذاكرة جرائم بني وجهان 11 ماي 1956، و الذي تحدث عن جريمة مشتة بني وجهان، التي راح ضحيتها 70 شخصا، كما نقلت المداخلة شهادات حية عن 6 جرائم جماعية عرفتها المنطقة منذ بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر.
في ذات السياق ، تحدث الباحث رائد بدر،  من جامعة بئر الزيت بفلسطين عما أسماه بمشروع كولونيالي لجعل الجزائر مستعمرة سوداء، من خلال استقدام 300 ألف زنجي من جنوب الصحراء، و ذلك على مدار ثلاث سنوات بحجة حاجة المستعمرة الجديدة إلى اليد العاملة الزراعية و لتدعيم الجيش.
 غير أن الهدف الحقيقي كان حسبه، القضاء على الصبغة الجزائرية و تغيير المعالم الديمغرافية و التركيبة البشرية المحلية لطمس كل ملامح الهوية، بعد إفراغ الجزائر من سكانها الأصليين سواء عن طريق الإبادة الجماعية، أو من خلال التهجير و النفي إلى كاليدونيا و غيرها من الجزر، وهو بالضبط ما يحدث حاليا بفلسطين المحتلة بحسب قوله .
وأوضح الباحث، بأن المشروع يعد من بين أخطر المشاريع الاستعمارية الفرنسية، ومع ذلك فشل بعدما قوبل بالرفض من طرف غرفة النبلاء الفرنسيين بسبب قرار إلغاء العبودية الصادر في  27 أفريل 1848، فضلا عن تعذر إيجاد صيغة لإدخال الزنوج بعد شرائهم كون غالبية الفرنسيين في الجزائر كانوا عنصريين و يفضلون فكرة الجزائر البيضاء.
المشاركون في الملتقى، تطرقوا إلى العديد من الجوانب الهامة من تاريخ الجرائم الاستعمارية ، مشددين على أهمية تصنيفها من أجل ضبط وثيقة واضحة تسمح بتحديد المسؤولية القانونية لفرنسا أمام الجزائر، خصوصا بعد تعنتها و تصريحات الرئيس هولاند الأخيرة، التي وصفت بالرسالة الاستفزازية.
كما تناولوا بالنقاش علاقة بعض الأحداث التاريخية في تونس و مصر بما كان يحدث في الجزائر، على غرار مجزرة بنزرت التونسية التي وجهها الاستعمار كرسالة لجيش التحرير الوطني آنذاك، وبالمقابل كان العدوان الثلاثي على مصر ردا من فرنسا على دعم القاهرة للثورة التحريرية بالجزائر.
للإشارة، يحتضن اليوم قصر الثقافة مالك حداد بقسنطينة، عرض أفلام وثائقية حول مجازر الاستعمار، وذلك على هامش فعاليات الملتقى الذي سيحط الرحال بكل من جامعات سطيف،  قالمة و بجاية بداية من السبت القادم.
نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى